«أم القرى» دشنت سردية التاريخ السعودي

قراءة في افتتاحيات 100 عدد من الجريدة الرسمية

أحد اعداد صحيفة «أم القرى»
أحد اعداد صحيفة «أم القرى»
TT

«أم القرى» دشنت سردية التاريخ السعودي

أحد اعداد صحيفة «أم القرى»
أحد اعداد صحيفة «أم القرى»

واكبت جريدة «أم القرى» منذ إصدارها، اللحظات المبكرة من نشوء الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وكانت الصفحة الأولى من كل عدد مسرحاً للأخبار الرئيسية المهتمة بنشر أنباء الرحلات المَلَكية، والبيانات العسكرية، وملامح بناء الدولة الفتيّة.
جاءت فكرة إصدار «أم القرى»، خطوة واعية بتأثير الإعلام وأثره في بسط وجهة نظر المشروع الناشئ والمتطلع لإحداث التغيير، وبداية الحكاية، ومثّلت «أم القرى» ما يشبه سردية الدولة الواعدة، والقيم التي بثها الملك المؤسس في استجابته للتحديات وتعاطيه مع الأحداث، وترجمتها «أم القرى» نصاً شاهداً على القصص المحورية في متون التاريخ.
كانت الأعداد الأولى على رأس كل سنة جديدة، فرصة لكتابة ما تشبه إحاطة كاملة بجهود الدولة في كل القطاعات، وعن قرارات الملك المؤسس خلال كل عام منصرم، والمتعلقة ببناء أجهزة الدولة وإقرار الأنظمة ووضع التشريعات الرئيسية ولبنات المؤسسات العامة.
وتصف «أم القرى» في افتتاحياتها مطلع كل عام جديد، الواقع الذي كان يسود في البلاد، عندما وُلدت الجريدة «بعد أن وصل الملك إلى بطحاء مكة، وكان أمن البلاد في اضطراب، والحرب قائمة، وكان الناس في خوف لا يعلمون إلى أين تصير حالهم ولا ما هو مآلهم، سارت جيوش الملك في جنوب البلاد وشمالها، ففرضت أمناً لا اضطراب معه، ولم يمضِ غير سنين حتى خلصت البلاد من كل شغب وساد السلام في هذه الربوع».
«الشرق الأوسط» تتبعت الصفحة الأولى لمائة عدد، صدرت مطلع كل سنة خلال عمر الجريدة، واختارت مجموعة من الأحداث المركزية، والكيفية التي تعاطت معها الجريدة، وكانت بفضل ذلك مرآةً للتاريخ وذاكرةً للزمان وصوتاً رسمياً للبلاد.
في العدد 152 من السنة الرابعة للجريدة، الصادر بتاريخ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1927، أوردت المادة الرئيسية خبراً بشأن معاهدة جدة، بين الملك عبد العزيز وبريطانيا، ووصفتها بـ«أول معاهدة تعقدها دولة غربية في العصر الحديث مع دولة عربية، كان موقفها فيها موقف الند للند، وفتحت باباً لهذه الدولة العربية، خرجت منه للمجموعة الدولية المعروفة الكيان، المحفوظة الحقوق».
وألحقت ذلك بمجموعة من الأخبار التي شهدها العام، شملت خطط الحكومة المهمة في توسيع صلاحيات مجلس الشورى، وإرسال بعثات لدراسة بعض التخصصات المهمة لرفد أعمال الحكومة، ومنها إرسال طبيب حجازي على حسابها، إلى أوروبا للتخصص في طب الجراحة، وانتدبت بعثة من موظفي البريد، سافرت إلى فلسطين للتدريب على المعاملات الحديثة، وأشارت إلى توقع المزيد من البعثات العلمية الأخرى للتخصص في الصناعة والزراعة والتعليم وغيرها.
مطلع عام 1931 وصفت «أم القرى» تلك المرحلة بالحافلة على صعيد «المشاريع العمرانية والإصلاحية التي قامت بها الحكومة، رغم الأزمات الاقتصادية التي انتابت العالم أجمع في هذه الأوقات»، وهو الكساد الكبير الحاد، الذي حدث خلال ثلاثينات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينات انطلاقاً من الولايات المتحدة، وشهد الاقتصاد العالمي نتيجته، تدهوراً شديداً منذ انهيار سوق الأسهم الأميركية في «الثلاثاء الأسود»، وعصفت الأزمة بمعظم بلدان العالم، على اختلاف في درجة التأثير ومدته.
لكن السعودية الوليدة واصلت التقدم في تنمية مشاريعها الداخلية، وبناء علاقاتها الخارجية، ومن ذلك عقد معاهدات الصداقة مع بعض الدول، واعتراف دولة الولايات المتحدة بدولة الحجاز ونجد وملحقاتها، وتأسيس مفوضيتين، إحداهما في هولندا والأخرى في العراق.
شجبت جريدة «أم القرى» قرار تقسيم فلسطين، ونشرت في أعداد مختلفة في محيط ذلك التاريخ، برقيات الاحتجاج التي رفعها الأهالي إلى مقام الملك، واستنكارهم لما وُصف بالقرار الجائر، الذي يقضي على كيان العرب في تلك البقعة الإسلامية العربية، ويمسّ مشاعر المسلمين وعواطفهم.
في عددها 760، نشرت «أم القرى» في صفحتها الأولى المرسوم الملكي الذي منح شركة «كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل» ترخيص استخراج البترول واستثماره عام 1939، وهو العام الذي شهد إرساء أولى لبنات التحول وازدهار مستقبل السعودية، منذ إبرام اتفاقية الامتياز عام 1933م بين السعودية وشركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» (سوكال)، التي أطلقت شركة تابعة لها، سُميت «كاليفورنيا أرابيان ستاندرد أويل» (كاسوك)، لإدارة هذه الاتفاقية.
وبدأ العمل على مسح صحاري المملكة لتحديد مواقع النفط، وبدأت أعمال حفر الآبار في عام 1935م.
وبعد سنوات من الجهد المضني دون أي نجاح يُذكر، قرر المسؤولون التنفيذيون في «سوكال» عام 1937م الاستعانة بمشورة كبير الجيولوجيين ماكس ستاينكي، الذي أشار عليهم من واقع خبرته الطويلة في العمل الميداني بأن يستمروا في أعمال الحفر. حتى تحقق النجاح وانطلقت باكورة إنتاج النفط بكميات تجارية من بئر الدمام رقم 7 التي أطلق عليها اسم «بئر الخير».
تندلع الحرب العالمية الثانية، وتخيّم أجواء القتال على العالم بأسره، وتخصص «أم القرى» على صدر صفحاتها متابعات موسعة لأنباء الحرب والسياسة، وتقدم ملخصات بين عدد وآخر، حسبما ترويها مصادر الأخبار في الإذاعات الخارجية، تطوف بقارئها بين البلدان التي تورطت أو تأثرت بالمعركة الدامية، وتلخص لقرائها التقارير الواردة بشأن الجبهات المشتعلة، وحركة الأساطيل البحرية، وغارات الحلفاء ودول المحور المتصارعة في الساحات.
بحلول صباح يوم الاثنين الثاني من ربيع الأول 1373هـ الموافق التاسع من نوفمبر 1953، توفي الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في قصره في محافظة الطائف، وتمت الصلاة عليه في الحوية ثم نُقل جثمانه من مطار الطائف إلى مطار الرياض القديم، حيث دفن في مقبرة العود.
«أم القرى» في عامها الحادي والثلاثين، تواظب في نهجها «داعية إلى التجديد بكل مفيد، في جميع النواحي الحيوية حسب حدود خطتها المرسومة» وتكتب في افتتاحية ذلك العام: «وهي إذ تستهل عامها الجديد، جادة في نضالها وكفاحها، مجاهدة بأقلامها، تحس بالبِشر المزيد الذي أضاء من إشراق العهد الجديد، عهد حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المفدّى سعود بن عبد العزيز، الذي يضع العالم الإسلامي والعربي، آماله وأمانيه بين يديه، وإن (أم القرى) التي أمضت من عمرها ثلاثين عاماً، في كفاح مستمر ونضال متواصل، تأمل أن تتقدم في عامها الحادي والثلاثين، إلى قرائها الكرام في ثوب مزدهر جديد، في هذا العهد السعيد، داعيةً إلى الإصلاح، وغايتها من ذلك أن تكون راضية مرضية».
يحل العام 1955 بنفسٍ عروبي تثيره الأحداث والتحديات، تتبدل الأحوال في مصر بعد إزاحة الملك فاروق، وتنشر «أم القرى» على صدر صفحة عددها 1597 بلاغاً رسمياً بشأن اتفاقية الدفاع المشترك المعقودة بين جمهورية مصر والسعودية، وتتضمن تعيين اللواء عبد الحكيم عامر قائداً للقوات السعودية - المصرية المشتركة، وتشكيل مجلس حربي.
كما تنقل «أم القرى» تحت العنوان العريض «تصريح خطير الشأن في سبيل الوحدة العربية من جلالة الملك»، حديث الملك سعود بن عبد العزيز في أثناء استقباله وفوداً من سوريا والأردن، وأن «الوقت الذي تجتازه الأمة العربية اليوم، هو امتحان جبار لعزيمتها وقوة إرادتها ووعيها القومي، إن العرب بلغ بهم الوعي القومي نحو وحدتهم واجتماع شملهم المبلغ الذي لا يحاول الغرب الصديق أن يتفهمه مع الأسف الشديد، والواجب يقضي على قادة الأمة أن يكونوا مثالاً صحيحاً للشعور العربي القومي الصادق والمخلص».
ضاعف هذا النمط من الطرح، والالتزام التاريخي بدورها، من جعل أعداد «أم القرى» وثيقة تاريخية مهمة، في ظل شحّ المصادر المدونة في تلك المراحل المتقدمة، وعزوف المجتمع البكر عن تثبيت وتوثيق هذه التفاصيل المهمة، التي شكّلت بالنتيجة قوام دولة متحضرة ومتماسكة وواسعة التأثير منذ عقود حتى اليوم.
يكمن السرّ في تلك الأحداث التاريخية المؤثرة في مصير البلاد، وقد تقادم عليها الوقت، لكنها بقيت محفوظة في ثنايا سطور «أم القرى» ونصوصها الغنيّة بالتفاصيل.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«الرقابة» السعودية: إيقاف قاض وضباط وموظفين تورطوا بقضايا فساد

الهيئة أكدت استمرارها في رصد وضبط المتعدين على المال العام ومستغلي الوظيفة لمصالحهم (الشرق الأوسط)
الهيئة أكدت استمرارها في رصد وضبط المتعدين على المال العام ومستغلي الوظيفة لمصالحهم (الشرق الأوسط)
TT

«الرقابة» السعودية: إيقاف قاض وضباط وموظفين تورطوا بقضايا فساد

الهيئة أكدت استمرارها في رصد وضبط المتعدين على المال العام ومستغلي الوظيفة لمصالحهم (الشرق الأوسط)
الهيئة أكدت استمرارها في رصد وضبط المتعدين على المال العام ومستغلي الوظيفة لمصالحهم (الشرق الأوسط)

أعلنت «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد» السعودية، الخميس، إيقاف قاض وكاتب عدل وضباط وموظفين في جهات حكومية وخاصة بعد مباشرتها عدة قضايا جنائية خلال الفترة الماضية، مؤكدة أن العمل جارٍ لاستكمال الإجراءات النظامية بحق مرتكبيها.

وأوضحت الهيئة في بيان، أنه جرى بالتعاون مع وزارة العدل، القبض على قاضٍ بمحكمة عامة لحظة تسلمه مبلغ 670 ألف ريال من أصل مليون ريال مقابل إنهاء قضية منظورة لمواطن بشأن نزع مالي بقيمة 19 مليون ريال بمساعدة قاضٍ آخر يعمل بالمحكمة ذاتها «تم إيقافه»، كذلك كاتب عدل ومواطن لحصولهما على 4 ملايين و461 ألفاً و500 ريال لإفراغ أرض بطريقة غير نظامية.

وأشارت إلى إيقاف موظف بكلية صناعية لاستيلائه على مكافآت شهرية عائدة لطلاب منتهية علاقتهم بها بلغت قيمتها مليوناً و492 ألفاً و72 ريالاً من خلال قيامه بالتلاعب في كشوفات الصرف بإضافة حسابات بنكية لأقاربه ومعارفه، واشتراكهم معه مقابل حصولهم على نصف المبلغ، وموظف بشركة متعاقدة مع هيئة حكومية لحظة تسلمه 150 ألف ريال من مالك كيان تجاري متعاقد مع الشركة بمشروع صيانة تابع للهيئة مقابل صرف مستحقات مالية بمبلغ يفوق 800 ألف ريال.

وأضافت الهيئة أنه تم بالتعاون مع وزارة الداخلية، القبض على ضابط برتبة رائد يعمل بـ«مديرية السجون» لحظة تسلمه 60 ألف ريال من أصل 100 ألف ريال من وكيل موقوف أجنبي بسجن الإبعاد مقابل إطلاق سراحه وعدم إبعاده، وضابط صف بمركز شرطة لحصوله على 100 ألف ريال من مقيمين لحفظ قضيتهم وعدم إحالتها للنيابة العامة، وموظف سابق بالأحوال المدنية لتسلمه 20 ألف ريال لإصدار تعميد لكيان تجاري بالشراء المباشر بطريقة غير نظامية، وضابط صف يعمل بالدوريات الأمنية لاستيقافه مقيماً والاستيلاء على 30 ألف ريال.

ونوّهت بإيقاف موظفين اثنين يعملان بأمانة محافظة لحصولهما على 15 ألف ريال من مواطن «وسيط - تم إيقافه» لإنهاء إجراءات معاملة إصدار شهادة إشغال موقع يملكه رجل أعمال «تم إيقافه»، وعمدة حي لحظة تسلمه 800 ريال للتصديق على نموذج كفالة لمواطن، وموظف بـ«هيئة المواصفات» لحظة تسلمه 6 آلاف ريال لإنهاء إجراءات معاملة بطريقة غير نظامية، وموظف بإحدى الهيئات الملكية لإصداره خطاباً من بلدية موجهاً لمحكمة عامة يتضمن معلومات غير صحيحة تثبت ملكيته لعقار، وترتب على ذلك صدور صك لصالحه بذلك.

وبيّنت أنه جرى بالتعاون مع رئاسة أمن الدولة، إيقاف موظف يعمل بقوات الأمن الخاصة لاستيلائه على أجهزة حاسب آلي وملحقاتها من مقر عمله، كما تم بالتعاون مع «وزارة الشؤون الإسلامية»، إيقاف موظف يعمل بالوزارة لتلاعبه في مسيرات رواتب المتعاقدين لاختلاس مبالغ مالية من خلال إضافة حسابات بنكية لأقارب زميل يعمل معه «تم إيقافه» بغرض التمويه عن مصدرها واقتسام المبالغ بينهما.

وأكدت الهيئة استمرارها في رصد وضبط كل من يتعدى على المال العام أو يستغل الوظيفة لتحقيق مصلحته الشخصية أو للإضرار بالمصلحة العامة ومساءلته حتى بعد انتهاء علاقته بالوظيفة؛ كون جرائم الفساد المالي والإداري لا تسقط بالتقادم، مشددة على مضيها في تطبيق ما يقتضي به النظام بحق المتجاوزين دون تهاون.