«أم القرى» دشنت سردية التاريخ السعودي

قراءة في افتتاحيات 100 عدد من الجريدة الرسمية

أحد اعداد صحيفة «أم القرى»
أحد اعداد صحيفة «أم القرى»
TT

«أم القرى» دشنت سردية التاريخ السعودي

أحد اعداد صحيفة «أم القرى»
أحد اعداد صحيفة «أم القرى»

واكبت جريدة «أم القرى» منذ إصدارها، اللحظات المبكرة من نشوء الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وكانت الصفحة الأولى من كل عدد مسرحاً للأخبار الرئيسية المهتمة بنشر أنباء الرحلات المَلَكية، والبيانات العسكرية، وملامح بناء الدولة الفتيّة.
جاءت فكرة إصدار «أم القرى»، خطوة واعية بتأثير الإعلام وأثره في بسط وجهة نظر المشروع الناشئ والمتطلع لإحداث التغيير، وبداية الحكاية، ومثّلت «أم القرى» ما يشبه سردية الدولة الواعدة، والقيم التي بثها الملك المؤسس في استجابته للتحديات وتعاطيه مع الأحداث، وترجمتها «أم القرى» نصاً شاهداً على القصص المحورية في متون التاريخ.
كانت الأعداد الأولى على رأس كل سنة جديدة، فرصة لكتابة ما تشبه إحاطة كاملة بجهود الدولة في كل القطاعات، وعن قرارات الملك المؤسس خلال كل عام منصرم، والمتعلقة ببناء أجهزة الدولة وإقرار الأنظمة ووضع التشريعات الرئيسية ولبنات المؤسسات العامة.
وتصف «أم القرى» في افتتاحياتها مطلع كل عام جديد، الواقع الذي كان يسود في البلاد، عندما وُلدت الجريدة «بعد أن وصل الملك إلى بطحاء مكة، وكان أمن البلاد في اضطراب، والحرب قائمة، وكان الناس في خوف لا يعلمون إلى أين تصير حالهم ولا ما هو مآلهم، سارت جيوش الملك في جنوب البلاد وشمالها، ففرضت أمناً لا اضطراب معه، ولم يمضِ غير سنين حتى خلصت البلاد من كل شغب وساد السلام في هذه الربوع».
«الشرق الأوسط» تتبعت الصفحة الأولى لمائة عدد، صدرت مطلع كل سنة خلال عمر الجريدة، واختارت مجموعة من الأحداث المركزية، والكيفية التي تعاطت معها الجريدة، وكانت بفضل ذلك مرآةً للتاريخ وذاكرةً للزمان وصوتاً رسمياً للبلاد.
في العدد 152 من السنة الرابعة للجريدة، الصادر بتاريخ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1927، أوردت المادة الرئيسية خبراً بشأن معاهدة جدة، بين الملك عبد العزيز وبريطانيا، ووصفتها بـ«أول معاهدة تعقدها دولة غربية في العصر الحديث مع دولة عربية، كان موقفها فيها موقف الند للند، وفتحت باباً لهذه الدولة العربية، خرجت منه للمجموعة الدولية المعروفة الكيان، المحفوظة الحقوق».
وألحقت ذلك بمجموعة من الأخبار التي شهدها العام، شملت خطط الحكومة المهمة في توسيع صلاحيات مجلس الشورى، وإرسال بعثات لدراسة بعض التخصصات المهمة لرفد أعمال الحكومة، ومنها إرسال طبيب حجازي على حسابها، إلى أوروبا للتخصص في طب الجراحة، وانتدبت بعثة من موظفي البريد، سافرت إلى فلسطين للتدريب على المعاملات الحديثة، وأشارت إلى توقع المزيد من البعثات العلمية الأخرى للتخصص في الصناعة والزراعة والتعليم وغيرها.
مطلع عام 1931 وصفت «أم القرى» تلك المرحلة بالحافلة على صعيد «المشاريع العمرانية والإصلاحية التي قامت بها الحكومة، رغم الأزمات الاقتصادية التي انتابت العالم أجمع في هذه الأوقات»، وهو الكساد الكبير الحاد، الذي حدث خلال ثلاثينات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينات انطلاقاً من الولايات المتحدة، وشهد الاقتصاد العالمي نتيجته، تدهوراً شديداً منذ انهيار سوق الأسهم الأميركية في «الثلاثاء الأسود»، وعصفت الأزمة بمعظم بلدان العالم، على اختلاف في درجة التأثير ومدته.
لكن السعودية الوليدة واصلت التقدم في تنمية مشاريعها الداخلية، وبناء علاقاتها الخارجية، ومن ذلك عقد معاهدات الصداقة مع بعض الدول، واعتراف دولة الولايات المتحدة بدولة الحجاز ونجد وملحقاتها، وتأسيس مفوضيتين، إحداهما في هولندا والأخرى في العراق.
شجبت جريدة «أم القرى» قرار تقسيم فلسطين، ونشرت في أعداد مختلفة في محيط ذلك التاريخ، برقيات الاحتجاج التي رفعها الأهالي إلى مقام الملك، واستنكارهم لما وُصف بالقرار الجائر، الذي يقضي على كيان العرب في تلك البقعة الإسلامية العربية، ويمسّ مشاعر المسلمين وعواطفهم.
في عددها 760، نشرت «أم القرى» في صفحتها الأولى المرسوم الملكي الذي منح شركة «كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل» ترخيص استخراج البترول واستثماره عام 1939، وهو العام الذي شهد إرساء أولى لبنات التحول وازدهار مستقبل السعودية، منذ إبرام اتفاقية الامتياز عام 1933م بين السعودية وشركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» (سوكال)، التي أطلقت شركة تابعة لها، سُميت «كاليفورنيا أرابيان ستاندرد أويل» (كاسوك)، لإدارة هذه الاتفاقية.
وبدأ العمل على مسح صحاري المملكة لتحديد مواقع النفط، وبدأت أعمال حفر الآبار في عام 1935م.
وبعد سنوات من الجهد المضني دون أي نجاح يُذكر، قرر المسؤولون التنفيذيون في «سوكال» عام 1937م الاستعانة بمشورة كبير الجيولوجيين ماكس ستاينكي، الذي أشار عليهم من واقع خبرته الطويلة في العمل الميداني بأن يستمروا في أعمال الحفر. حتى تحقق النجاح وانطلقت باكورة إنتاج النفط بكميات تجارية من بئر الدمام رقم 7 التي أطلق عليها اسم «بئر الخير».
تندلع الحرب العالمية الثانية، وتخيّم أجواء القتال على العالم بأسره، وتخصص «أم القرى» على صدر صفحاتها متابعات موسعة لأنباء الحرب والسياسة، وتقدم ملخصات بين عدد وآخر، حسبما ترويها مصادر الأخبار في الإذاعات الخارجية، تطوف بقارئها بين البلدان التي تورطت أو تأثرت بالمعركة الدامية، وتلخص لقرائها التقارير الواردة بشأن الجبهات المشتعلة، وحركة الأساطيل البحرية، وغارات الحلفاء ودول المحور المتصارعة في الساحات.
بحلول صباح يوم الاثنين الثاني من ربيع الأول 1373هـ الموافق التاسع من نوفمبر 1953، توفي الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في قصره في محافظة الطائف، وتمت الصلاة عليه في الحوية ثم نُقل جثمانه من مطار الطائف إلى مطار الرياض القديم، حيث دفن في مقبرة العود.
«أم القرى» في عامها الحادي والثلاثين، تواظب في نهجها «داعية إلى التجديد بكل مفيد، في جميع النواحي الحيوية حسب حدود خطتها المرسومة» وتكتب في افتتاحية ذلك العام: «وهي إذ تستهل عامها الجديد، جادة في نضالها وكفاحها، مجاهدة بأقلامها، تحس بالبِشر المزيد الذي أضاء من إشراق العهد الجديد، عهد حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المفدّى سعود بن عبد العزيز، الذي يضع العالم الإسلامي والعربي، آماله وأمانيه بين يديه، وإن (أم القرى) التي أمضت من عمرها ثلاثين عاماً، في كفاح مستمر ونضال متواصل، تأمل أن تتقدم في عامها الحادي والثلاثين، إلى قرائها الكرام في ثوب مزدهر جديد، في هذا العهد السعيد، داعيةً إلى الإصلاح، وغايتها من ذلك أن تكون راضية مرضية».
يحل العام 1955 بنفسٍ عروبي تثيره الأحداث والتحديات، تتبدل الأحوال في مصر بعد إزاحة الملك فاروق، وتنشر «أم القرى» على صدر صفحة عددها 1597 بلاغاً رسمياً بشأن اتفاقية الدفاع المشترك المعقودة بين جمهورية مصر والسعودية، وتتضمن تعيين اللواء عبد الحكيم عامر قائداً للقوات السعودية - المصرية المشتركة، وتشكيل مجلس حربي.
كما تنقل «أم القرى» تحت العنوان العريض «تصريح خطير الشأن في سبيل الوحدة العربية من جلالة الملك»، حديث الملك سعود بن عبد العزيز في أثناء استقباله وفوداً من سوريا والأردن، وأن «الوقت الذي تجتازه الأمة العربية اليوم، هو امتحان جبار لعزيمتها وقوة إرادتها ووعيها القومي، إن العرب بلغ بهم الوعي القومي نحو وحدتهم واجتماع شملهم المبلغ الذي لا يحاول الغرب الصديق أن يتفهمه مع الأسف الشديد، والواجب يقضي على قادة الأمة أن يكونوا مثالاً صحيحاً للشعور العربي القومي الصادق والمخلص».
ضاعف هذا النمط من الطرح، والالتزام التاريخي بدورها، من جعل أعداد «أم القرى» وثيقة تاريخية مهمة، في ظل شحّ المصادر المدونة في تلك المراحل المتقدمة، وعزوف المجتمع البكر عن تثبيت وتوثيق هذه التفاصيل المهمة، التي شكّلت بالنتيجة قوام دولة متحضرة ومتماسكة وواسعة التأثير منذ عقود حتى اليوم.
يكمن السرّ في تلك الأحداث التاريخية المؤثرة في مصير البلاد، وقد تقادم عليها الوقت، لكنها بقيت محفوظة في ثنايا سطور «أم القرى» ونصوصها الغنيّة بالتفاصيل.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
TT

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)

أكدت الرياض ولندن، الخميس، ضرورة خفض التصعيد الإقليمي، والالتزام بالمعايير الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، وذلك في بيان مشترك عقب زيارة كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني للسعودية هذا الأسبوع، التي جاءت انطلاقاً من أواصر علاقتهما المميزة.

وذكر البيان أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، وستارمر أكدا خلال جلسة مباحثات رسمية على أهمية الدور الذي يقوم به مجلس الشراكة الاستراتيجية في تعزيز التعاون بين البلدين، واستعرضا التقدم الكبير المحرز في تطوير العلاقات الثنائية وتنويعها.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما، والتزامهما برفع حجم التجارة البينية إلى 37.5 مليار دولار بحلول عام 2030، وزيادة الاستثمار في صناعات الغد، بما يحقق النمو المستدام. كما اتفقا على برنامج طموح للتعاون يهدف لتعزيز الازدهار المتبادل، والأمن المشترك، ومعالجة التحديات العالمية.

وأشادا بنمو الاستثمارات المتبادلة، ونوّها بالاستثمارات السعودية الكبيرة في المملكة المتحدة خلال عام 2024، ومنها لصندوق الاستثمارات العامة، مثل «سيلفريدجز» و«مطار هيثرو»، والاستثمار الإضافي في نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، ما يعزز العلاقات المتنامية بين شمال شرقي إنجلترا والسعودية.

ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء البريطاني خلال جلسة مباحثات رسمية في الرياض (واس)

وبينما تعدّ المملكة المتحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في السعودية، نوّه الجانبان بإعلان الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات عن خططها لزيادة حجم تعرضها السوقي إلى 6 مليارات دولار أميركي، وذلك في ضوء نجاح التمويل (المتوافق مع الشريعة الإسلامية) بقيمة تبلغ نحو 700 مليون دولار للاستثمار بمشروع القدية (غرب الرياض).

وأعربا عن تطلعهما إلى تطوير شراكات استراتيجية طويلة الأمد تخدم المصالح المتبادلة، والمساهمة في النمو الاقتصادي المستدام. ورحّبا بالتقدم الكبير المحرز بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة.

وأشادا بالتعاون القائم بين البلدين في قطاع الطاقة، وأكدا أهمية تعزيزه بمجالات الكهرباء، والطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف وتطبيقاته، والتكنولوجيا النظيفة، وابتكارات الطاقة والاستدامة. واتفقا على العمل المشترك لإنشاء تحالف الهيدروجين النظيف بين جامعاتهما بقيادة جامعتي «الملك فهد للبترول والمعادن»، و«نيوكاسل».

وأكدا أهمية تعزيز موثوقية سلاسل التوريد العالمية، وتحديداً مع إطلاق السعودية مبادرة لتأمين الإمدادات، وخاصة بمجالات الطاقة المتجددة، وإنتاج الهيدروجين، والمعادن الخضراء، والبتروكيماويات المتخصصة، وإعادة تدوير النفايات، والمركبات الكهربائية.

جانب من جلسة المباحثات بين الأمير محمد بن سلمان وكير ستارمر (واس)

كما رحّبا بإطلاق السعودية 5 مناطق اقتصادية خاصة تستهدف الصناعات والقطاعات الاستراتيجية، وتوفر للشركات البريطانية فرصة الاستفادة من مزايا وحوافز على جميع مستويات سلاسل التوريد.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في قطاع الخدمات المالية، ومجال تطوير قطاعات التعدين المستدامة، وتنويع إمدادات المعادن النادرة المستخدمة في التقنيات النظيفة. وأعربت بريطانيا عن دعمها وعزمها المشاركة على مستوى رفيع في «منتدى مستقبل المعادن السعودي» خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2025.

كما أكدا على مركزية الاتفاقية الأممية الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس، ونوّها بنتائج مؤتمر الأطراف «كوب 29»، وأهمية العمل لتحقيق نتيجة طموحة ومتوازنة في «كوب 30» عام 2025. ورحّبت بريطانيا بطموحات الرياض وقيادتها عبر مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، ورئاستها لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16».

وأعربت بريطانيا أيضاً عن دعمها جهود السعودية في مجالات البيئة والتغير المناخي من خلال تنفيذ نهج الاقتصاد الدائري للكربون الذي أطلقته الرياض، وأقرّه قادة مجموعة العشرين، مؤكدة دعمها القوي لـ«رؤية 2030»، والتزامها بالفرص التي تتيحها في إطار الشراكة بين البلدين.

ولي العهد السعودي يصافح رئيس الوزراء البريطاني لدى وصوله إلى قصر اليمامة (واس)

ورحّب البلدان بتزايد عدد الزوار بينهما، وعبّرا عن تطلعهما إلى زيادة هذه الأعداد بشكل أكبر خاصة في ظل زيادة الربط الجوي بينهما، وتسهيل متطلبات الحصول على التأشيرة من الجانبين.

واتفقا على أهمية تعزيز التعاون في مختلف القطاعات الثقافية، بما في ذلك من خلال إطلاق برنامج تنفيذي جديد لتعزيز مشاركة بريطانيا في تطوير محافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، كما رحّبا بالاتفاق على إطلاق شراكة بين الهيئة الملكية للعلا والمجلس الثقافي البريطاني تزامناً مع احتفال الأخير بمرور 90 عاماً على تأسيسه.

وأشادا بنتائج تعاونهما الاستراتيجي في مجالات التعليم والتعليم العالي والتدريب. ورحّبا بالخطط الاستراتيجية لزيادة عدد المدارس البريطانية في السعودية إلى 10 مدارس بحلول عام 2030، وافتتاح فروع للجامعات البريطانية في السعودية، كما عبّرا عن التزامهما بمواصلة التباحث حول زيادة التعاون في مجالات الاحتياجات التعليمية الخاصة، والتدريب التقني والمهني.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال الرعاية الصحية، ومواجهة تحديات الصحة العالمية. ونوّها بالمناقشات الجارية بين الجامعات البريطانية والشركاء السعوديين المحتملين لإنشاء كلية لتدريب الممرضين بالسعودية. كما اتفقا على أهمية الاستفادة من فرصهما لزيادة التعاون بمجالات السلامة الغذائية، والمنتجات الزراعية.

ولي العهد السعودي يستقبل رئيس الوزراء البريطاني (واس)

واتفق الجانبان على تعزيز التعاون في الأنشطة والبرامج الرياضية، وأشادا بالمشروع المشترك بين الجامعات السعودية والبريطانية لدعم تطوير القيادات النسائية المستقبلية بمجال الرياضة، والشراكة المتنامية بمجال الرياضات الإلكترونية.

وأشادا بمستوى تعاونهما بمجال الدفاع والأمن على مرّ العقود الماضية، وأكدا التزامهما بشراكة دفاعية استراتيجية طموحة ومستقبلية، بما يسهم في تطويرها لتركز على الصناعة وتطوير القدرات، وزيادة التشغيل البيني، والتعاون بشأن التهديدات المشتركة بما يسهم في تحقيق الأمن والازدهار في البلدين.

واتفقا على توسيع التعاون في مجالات النشاط السيبراني والكهرومغناطيسي، والأسلحة المتقدمة، والقوات البرية، والطائرات العمودية، والطائرات المقاتلة. كذلك تعزيزه أمنياً حيال الموضوعات المشتركة، بما فيها مكافحة الإرهاب والتطرف.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال العمل الإنساني والإغاثي، وشدّدا على ضرورة مواصلة التعاون في المحافل والمنظمات الدولية لمعالجة التحديات الاقتصادية العالمية، والتزامهما بتوحيد الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وعقد حوار استراتيجي سعودي - بريطاني سنوياً بشأن المساعدات والتنمية الدولية، واتفقا على التمويل المشترك لمشاريع في هذا الإطار بقيمة 100 مليون دولار.

الأمير محمد بن سلمان وكير ستارمر قبيل جلسة المباحثات في قصر اليمامة (واس)

وحول تطورات غزة، أكد الجانبان ضرورة إنهاء الصراع، وإطلاق سراح الرهائن فوراً وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، مشددين على الحاجة الملحة لقيام إسرائيل بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب الفلسطيني، وتمكين المنظمات الدولية والإنسانية من القيام بعملها.

وبحثا كيفية العمل بينهما لتنفيذ حلّ الدولتين بما يحقق إحلال السلام الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين. وأعربت بريطانيا عن تطلعها إلى انعقاد المؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن الحل السلمي، الذي سترأسه السعودية وفرنسا في يونيو (حزيران) 2025.

وفي الشأن السوري، رحّب الجانبان بأي خطوات إيجابية لضمان سلامة الشعب السوري، ووقف إراقة الدماء، والمحافظة على مؤسسات الدولة ومقدراتها. وطالبا المجتمع الدولي بالوقوف بجانب الشعب، ومساعدته في تجاوز معاناته المستمرة منذ سنوات طويلة، مؤكدين أنه حان الوقت ليحظى بمستقبل مشرق يسوده الأمن والاستقرار والازدهار.

وفيما يخص لبنان، أكدا أهمية المحافظة على اتفاق وقف إطلاق النار، والتوصل لتسوية سياسية وفقاً للقرار 1701. كما اتفقا على ضرورة تجاوزه لأزمته السياسية، وانتخاب رئيس قادر على القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة.

ولي العهد السعودي يصافح الوفد المرافق لرئيس الوزراء البريطاني (واس)

وبشأن اليمن، أكد الجانبان دعمهما الكامل لمجلس القيادة الرئاسي، وأهمية دعم الجهود الأممية والإقليمية للتوصل لحلٍ سياسيٍ شاملٍ للأزمة اليمنية، وضمان أمن البحر الأحمر لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي.

وحول الأوضاع السودانية، أكدا أهمية البناء على «إعلان جدة» بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان عبر مواصلة الحوار لتحقيق وقف كامل لإطلاق النار، وحل الأزمة، ورفع المعاناة عن شعبه، والمحافظة على وحدة البلاد، وسيادتها، ومؤسساتها الوطنية.

ورحّب الجانبان باستمرار التواصل بين البلدين بشأن الحرب في أوكرانيا، مؤكدين أهمية بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق السلام العادل والمستدام الذي يحترم السيادة والسلامة الإقليمية بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.

جانب من مراسم الاستقبال الرسمية لرئيس الوزراء البريطاني في قصر اليمامة بالرياض (واس)