جاءت فترة التوقف الدولية فرصة للأندية لمراجعة حصادها خلال الموسم الذي يقترب من الانتهاء ووضع ملامح لخطط التدعيم التي تود القيام بها، سواء لتصحيح أوضاع الفرق المتعثرة أو للبحث عن حلول لإعادة أخرى لدورها الطليعي.
وربما المدير الفني هو الحلقة الأضعف، حيث دائماً الأول في التعرض للوم والإقالة في حالة تعثر الفرق، لذا لا غرابة أن تكون فترة التوقف الدولية فرصة لفتح الأندية خطوط اتصال مع أسماء قد تراها هي المناسبة لحل أزمات فرقها في المستقبل القريب.
ويعد مانشستر يونايتد العريق هو أحد الأندية الإنجليزية والأوروبية التي عانت من خلال تغيير الأجهزة الفنية على أمل الوصول إلى مدرب يستطيع تعويض الأسطورة السير الاسكوتلندي أليكس فيرغسون المعتزل في 2013.
ومنذ رحيل فيرغسون تناوب على يونايتد أسماء متعددة؛ بداية من الاسكوتلندي ديفيد مويز والهولندي لويس فان غال والبرتغالي جوزيه مورينيو والنرويجي أولي غونار سولشاير، وحالياً يتولى المهمة مؤقتاً الألماني رالف رانغنيك، وكلها لم تستطع الوصول إلى منصة التتويج للدوري الإنجليزي.
ويتردد أن يونايتد بدأ مفاوضات «إيجابية» مع مدرب أياكس أمستردام الهولندي إريك تن هاغ من أجل الإشراف على الفريق بدءاً من الصيف المقبل، رغم طرح أسماء أخرى لتولي هذه المسؤولية الصعبة، مثل الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو الذي يبدو في طريقه لترك باريس سان جيرمان الفرنسي بعد خيبة الخروج من ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا على يد ريال مدريد الإسباني، ومدرب إشبيلية الإسباني خولن لوبيتيغي أو مدرب المنتخب الإسباني وبرشلونة سابقاً لويس إنريكي. ولأن ما حدث مع السابقين من المدربين وجميعهم من أصحاب الأسماء الرنانة اصطدموا بواقع إداري مترهل في نادٍ عريق، ما زال لا يرى سوى فترة الأسطورة فيرغسون، فقد حذر فان غال مواطنه تن هاغ من تدريب مانشستر يونايتد، وحثه على اختيار فريق كرة قدم بدلاً من نادٍ «تجاري»، على حد قوله.
بيلسا وقع ضحية للغز تراجع المستوى بعد الموسم الثالث في ليدز (إ.ب.أ)
وتولى فان غال تدريب يونايتد بين عامي 2014 و2016، وقاده للفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي في موسمه الأخير قبل إقالته ليحل محله مورينيو.
وقال فان غال على هامش مباراة منتخب بلاده (الهولندي) مع ألمانيا الودية أمس (الثلاثاء): «إيريك تن هاغ مدرب رائع، وهذا أمر جيد لمانشستر يونايتد، لكنه نادٍ تجاري، لذلك فهو اختيار صعب للمدرب... من الأفضل له الذهاب إلى فريق كرة قدم، لن أنصحه، لكنه سيتصل بي بنفسه. لكن يجب أن يختار نادي كرة القدم وليس نادياً تجارياً». لكن يبدو أن كلاً من يونايتد وتن هاغ وصلا إلى خطوط تلاقٍ «إيجابية»، وأن مسؤولي «الشياطين الحمر» أعجبوا برؤية المدرب الهولندي البالغ من العمر 52 عاماً والذي يشرف على أياكس منذ 2017 حقق خلالها ثنائية الدوري والكأس المحليين عامي 2019 و2020، كما يتصدر ترتيب الموسم الحالي بفارق نقطتين أمام أيندهوفن، كما تأهل لقبل نهائي دوري أبطال أوروبا 2019.
ومن المؤكد أن أي إدارة فنية جديدة ليونايتد ستكون مقبلة على مهمة شاقة مع فريق مطالب بإعادة عملية بنائه، لا سيما مع وصول نجوم مثل الفرنسي بول بوغبا وجيسي لينغارد والأوروغوياني إدينسون كافاني إلى نهاية عقدهم الصيف المقبل، كما أن مستقبل النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، ابن الـ37 عاماً الذي عاد إلى يونايتد الصيف الماضي، غير مضمون بعد الموسم المخيب الذي شهد خروج الفريق من ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا على يد أتلتيكو مدريد الإسباني، وتخلفه في الدوري الممتاز بعد 30 مرحلة بفارق أربع نقاط عن المركز الرابع الأخير المؤهل إلى دوري الأبطال.
ويبدو أن مسألة تغيير المدربين باتت غريزة إنسانية، كما يصفها الناقد الرياضى كريس إيفانز في مقال لصحيفة «الغارديان» البريطانية. ويقول: «خلال البحث عن تفسير لحالة الفوضى التي تضرب الفرق، وتسعى جاهداً لمعرفة لماذا حدث ذلك... تجد الكلام ينصب على مدى نجاح المديرين الفنيين». والكلام ليس على يونايتد فقط الذي قرر الاستغناء عن سولشاير منتصف ديسمبر (كانون الأول)، بل أيضاً على ليدز يونايتد الذي ضحى بمديره الفني القدير الأرجنتيني مارسيلو بيلسا الشهر الماضي بعد تراجع صادم للنتائج... والغريب أن كلاً من سولشاير وبيلسا كانا قد قضيا 3 سنوات مع فريقيهما. وكأن السنة الثالثة هي التي باتت مفصلية في الحكم على المدربين! يقول إيفانز: «هناك كثير من الحجج التي تؤيد هذه النظرية، خصوصاً أن مستوى ليدز يونايتد قد بدأ يتراجع بشكل ملحوظ في السنة الرابعة لبيلسا مع الفريق. لكن هل هناك حقاً شيء ما في فكرة أن المديرين الفنيين يجب أن يعملوا لمدة ثلاث سنوات فقط ثم الانتقال لخوض تجربة أخرى؟ يعتقد بيلا غوتمان، المدير الفني السابق لميلان وبنفيكا، ذلك، مشيراً إلى أن «العام الثالث قاتل»، ومؤكداً أن الأمور تبدأ في الانهيار بالنسبة للمدير الفني بعد تجاوز هذا الحد. وقال ديريك آدامز، المدير الفني لفريق موركامب (الدرجة الثالثة الإنجليزية): «المدة المثالية للمدير الفني تكون على الأرجح ثلاث سنوات. بعد ذلك، يحين الوقت للانتقال إلى نادٍ جديد. لا أعتقد أن أي مدير فني يجب أن يبقى لفترة طويلة. وإذا استمر الأمر أكثر من ذلك، فربما لا يتمكن النادي من المضي قدماً، وينطبق الأمر نفسه أيضاً على المدير الفني».
من المؤكد أن كثيراً من المديرين الفنيين لن يعلنوا عن موافقتهم على هذا الأمر على الملأ، لأن ذلك سيكون بمثابة «انتحار مهني»، لكن البعض يشير إلى الطبيعة المؤقتة لمسيرة الإيطالي أنطونيو كونتي والبرتغالي جوزيه مورينيو كدليل على أنهم يؤيدون النظرية التي تشير إلى أن المدير الفني لا يجب أن يستمر في أي تجربة تدريبية لأكثر من ثلاث سنوات.
تن هاغ مدرب أياكس المرشح الأبرز لقيادة مانشستر يونايتد (إ.ب.أ)
ويمكن تحديد ذروة الثلاث سنوات في مسيرة كثير من المديرين الفنيين الآخرين الذين استمروا في تجارب تدريبية لفترات أطول، حيث وصل توتنهام تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو إلى أفضل أداء له على الإطلاق خلال الموسم الثالث، كما فاز الإسباني رافائيل بينيتز بجميع ألقابه كمدير فني لليفربول في أول ثلاثة مواسم له في ملعب «آنفيلد» رغم أنه استمر مع الفريق لمدة ست سنوات - على الرغم من أن المنافسة الشرسة على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2008 - 2009 كانت في موسمه الخامس مع الفريق ولم ينجح بالتتويج.
وقبل تولي القيادة الفنية لمانشستر سيتي في عام 2016، بدا أن مسيرة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا تتبع نمطاً مشابهاً. فبعد فوزه بثلاثة ألقاب متتالية للدوري الإسباني الممتاز ولقبين لدوري أبطال أوروبا في السنوات الثلاث الأولى له كمدير فني لبرشلونة، تراجع مستوى الفريق الكاتالوني إلى حد ما في الموسم الرابع، حيث خسر لقب الدوري بفارق تسع نقاط، وودع دوري أبطال أوروبا من الدور نصف النهائي. ثم أكمل ثلاث سنوات مديراً فنياً لبايرن ميونيخ، قبل انتقاله للعمل بالدوري الإنجليزي الممتاز.
وحتى مع مانشستر سيتي، تراجع أداء الفرق في الموسم الرابع تحت قيادة غوارديولا. لقد نجح الفريق في الحصول على 100 نقطة و98 نقطة في الدوري الإنجليزي الممتاز في الموسمين الثاني والثالث لغوارديولا بملعب الاتحاد، ثم تبع ذلك حصول الفريق على 81 نقطة وإنهاؤه الموسم في المركز الثاني خلف البطل ليفربول. وخلال الموسم الماضي، كانت 86 نقطة كافية للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز. وعلى الرغم من أن هذا كان أقل من عدد النقاط التي جمعها مانشستر سيتي في المواسم السابقة، فمن الصعب القول إن غوارديولا يعاني من حالة من الركود بعد مواسمه الثلاثة الأولى.
ومع ذلك، كان هناك تغيير في اللاعبين الأساسيين لمانشستر سيتي في ذلك الوقت، حيث رحل عدد من أبرز نجوم الفريق، مثل فنسنت كومباني وديفيد سيلفا وسيرخيو أغويرو، كما أصبح فرناندينيو يلعب دوراً أقل مع الفريق، في الوقت الذي ثبت فيه لاعبون آخرون أقدامهم بقوة، مثل رودري وروبين دياز وفيل فودن وجواو كانسيلو. ربما يوضح هذا المثال حقيقة «دورة الثلاث سنوات»، وبالتالي يمكن القول إن المديرين الفنيين ليسوا هم من لديهم صلاحية لمدة ثلاث سنوات، لكن الفرق نفسها هي التي لديها صلاحية لمدة ثلاث سنوات، في الوقت الذي يجد فيه المديرون الفنيون الجيدون طريقة ما للتكيف وإعادة بناء الفريق على المدى الطويل.
ولعل أبرز مثال على ذلك هو السير أليكس فيرغسون. فخلال السنوات الـ27 التي قضاها في تدريب مانشستر يونايتد، قام المدير الفني الاسكوتلندي ببناء - وتفكيك - عدد لا يحصى من الفرق العظيمة، وكان لكل منها خصائص مختلفة تماماً. وكانت إحدى نقاط قوته تتمثل في قدرته على إدراك متى يجب أن يحدث ذلك، بالإضافة إلى قوة شخصيته في اتخاذ الإجراءات الحاسمة. ولم يكن لديه مجال للمشاعر فيما يتعلق باللاعبين الذين لعبوا بشكل جيد تحت قيادته في الماضي، فبمجرد ظهور علامات على الحاجة إلى استبدالهم، كان يتم بيعهم واستبدال لاعبين آخرين بهم، ليكونوا قادرين على تقديم الإضافة اللازمة للفريق.
وحتى مسيرة فيرغسون التدريبية بدا كأنها تسير في دورات، حيث قاد مانشستر يونايتد للحصول على ثلاثة ألقاب متتالية للدوري الإنجليزي الممتاز بين عامي 1999 و2001، ثم فشل الفريق في الحصول على اللقب في موسم 2001 - 2002 عندما احتل المركز الثالث في جدول الترتيب. وانتهى موسم 2009 - 2010 بخيبة أمل كبيرة (المركز الثاني في الدوري، والخروج من الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، والخروج من كأس الاتحاد الإنجليزي من الجولة الثالثة، على الرغم من الفوز بكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة) في أعقاب الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز ثلاث مرات متتالية أخرى.
أما المديرون الفنيون الذين حققوا فترات نجاح مستدامة وتركوا مناصبهم وهم في القمة، فقد فعلوا ذلك من خلال إعادة بناء فرقهم، على عكس بيلسا، الذي ظل يعمل بالطريقة نفسها ويعتمد على المجموعة الأساسية نفسها من اللاعبين في عامه الرابع مع ليدز يونايتد، وربما يكون هذا الافتقار إلى التجديد وإعادة بناء الفريق هو ما كلفه منصبه في نهاية المطاف. في النهاية، لا يعني هذا أن يقفز المديرون الفنيون من السفينة بعد ثلاث سنوات من العمل، كما أشار غوتمان.