ميكولاييف تنتظر رتلاً روسياً بعد تدمير مبنى إدارتها

جزء من مبنى مشفى الأطفال بعد تعرضه للقصف في التاسع عشر من الشهر الحالي (الشرق الأوسط)
جزء من مبنى مشفى الأطفال بعد تعرضه للقصف في التاسع عشر من الشهر الحالي (الشرق الأوسط)
TT

ميكولاييف تنتظر رتلاً روسياً بعد تدمير مبنى إدارتها

جزء من مبنى مشفى الأطفال بعد تعرضه للقصف في التاسع عشر من الشهر الحالي (الشرق الأوسط)
جزء من مبنى مشفى الأطفال بعد تعرضه للقصف في التاسع عشر من الشهر الحالي (الشرق الأوسط)

«أهلا بك في ميكولاييف» يقول ضابط الجيش بعد أن تمعن في كل الأختام على جواز السفر ودقق في بطاقة الاعتماد الصحافية الصادرة عن الجيش الأوكراني، وبحركة شبه مسرحية يشير لنا لنتابع الطريق نحو المدينة التي تعرضت منذ دقائق لقصف صاروخي أدى إلى انهيار ثلث مبنى الإدارة الإقليمية.
الطريق إلى ميكولاييف يقول الكثير عن مجريات الحرب، يكاد يخلو من الحواجز المركزية من جهة أوديسا، ما عدا حاجز مدخل المدينة الساحلية، الذي يدخل من خلاله الناس والبضائع. وفي هذا الجانب تغيب حواجز المتطوعين، وهناك فقط نقطة واحدة يشغلها هؤلاء من المدنيين الذين ينظمون حركة السير دون أن يوقفوا أي عابر.
طوال الطريق الممتد على مسافة 133 كيلومتراً تمرّ شاحنات للجيش الأوكراني، أغلبها يحمل ذخائر وإمدادات غذائية وأخرى تحمل آليات ثقيلة وعربات مدرعة، النقص الأكبر الذي تعاني منه القوات الأوكرانية المدافعة عن نيكولاييف والمهاجمة لقرى وقعت في قبضة الروس، والتي تحاول منع القوات المعادية لها من إحاطة المدينة بأي ثمن.
تتعطل إحدى شاحنات النقل الثقيلة، فينزل طاقم الجنود العربة المدرعة عن متنها ويقودونها مباشرةً على الإسفلت نحو المدينة. حركة الجنود تزداد كلما اقتربت من المدينة، خصوصاً مع ورود معلومات في الصباح الباكر عن تقدم رتل روسي من خيرسون باتجاه نيكولاييف ومحيطها. الخنادق التي كانت تختبئ فيها الدبابات على طول الطريق قد خلَت الآن، بعد أن أُعيد انتشار الدبابات في المحيط الأبعد لصد أي تقدم خارج المدينة ومحاولة عبور نهر باغ الجنوبي (بيفدنيي باغ). بعض السواتر الترابية والخنادق على جانبي الطريق أيضاً خلَت من الجنود، وبقي فقط الملتحقين حديثاً بالقوات المسلحة يديرون الحواجز ويفتشون الشاحنات الآتية من الاتجاهين.
الكثير من المواقع خارج المدينة أصبحت جاهزة للقتال، ولم تعد الكتل الإسمنتية وبعض أكياس الرمل وحدها ما يعوّل عليه الجنود لحمايتهم من رصاص القادمين. وعلى مسافات مختلفة امتدت حفر وخنادق مغطاة وجاهزة للوقاية من القصف المدفعي ولحماية المقاتلين من الرصاص المباشر، كما الكثير من التحصينات تحت أرضية على مسافات متفاوتة عن الطريق لمنع تقدم المشاة والآليات المعادية عبر الطريق أو الحقول على حد سواء.
هذه المنطقة ومن على مسافة 80 كيلومتراً من ميكولاييف (من تخوم بلدة كوبليف) تتعرض لقصف متفرق وشبه عشوائي، بعض الطرق والجسور هنا تضررت جزئياً من هذا القصف، وكلما اقتربت أكثر أصبحت المناطق أكثر عُرضة لنيران المدفعية الروسية.
في الجزء الغربي من ميكولاييف يحتشد السكان قبل الساعة التاسعة صباحاً لتأمين حاجياتهم اليومية، وينتظر بعضهم الحافلات لتقلّهم إلى مناطق مختلفة من المدينة، وتمر قافلتان من الحافلات ترفع أعلام الصليب الأحمر وتنقل نازحين من مناطق مختلفة إلى خارج المدينة المهددة. وعلى الرغم من مرافقة سيارات
الشرطة للقافلة فإنه يتم التدقيق في هويات النازحين عند النقاط العسكرية المركزية، كما تُفتش حمولة الحافلات قبل أن يُسمح لها بمتابعة سيرها. وما إن تعبر جسر «ضباب فارفاريفسكي» حتى تقفر الشوارع من الساكنين، لا أحد يتجول في هذا الجزء من المدينة، خصوصاً بعد الضربة الصاروخية التي تعرضت لها.
نصف ساعة تماماً بعد انفجار الصاروخ بمبنى الإدارة الإقليمية في ميكولاييف، أحاطت قوات الشرطة والجيش بكل المداخل المؤدية إلى المبنى، تعزل الشارع وتمنع السكان والصحافيين من الاقتراب. «يمكنكم أن تسألوا المدنيين عن مشاهداتهم» يقول أحد ضباط الجيش الذي وصل إلى المكان، ولكنه يمنع تماماً التقاط الصور للجنود أو لما بعد طوق الشرطة.
لحظتها كانت آخر سيارات الإسعاف تُخرج مصاباً من المكان، وتصل لتحل مكانها سيارات أخرى، ورجال الإطفاء راحوا يزيلون الركام بحثاً عن مفقودين، وأعلن في البداية عن مقتل ثلاثة أشخاص وفقدان ثمانية تحت الركام، ومع تقدم ساعات النهار ارتفع عدد القتلى المسجل إلى سبعة.
عمال الإغاثة والشرطة وعمال البلدية بزيها الأخضر بدأوا في العاشرة صباحاً يزيلون الركام ويخرجون من المكان لتنشق الهواء وكانوا مغطين بالغبار، فيما الصحافيون يحاولون الحصول على معلومات من السكان عن تفاصيل ما حصل.
غير بعيد يقف دونالد (69 عاماً) الكندي الذي يحمل إقامة أوكرانية دائمة بعد أن تزوج من امرأة أوكرانية منذ عدة أعوام. دونالد كان في منزله على مسافة عشرات الأمتار من المكان حين وقع الانفجار الصاروخي بالمبنى، ولا يذكر أنه سمع دوي انفجار، فقط رأى غباراً وتناثر زجاج المنزل وشعر بضغط شديد.
الجميع كان يحتشد في شارع نيكولسك، على مسافة 150 متراً من المبنى المدمَّر حين بدأت تعليمات الشرطة تصل تباعاً بوقف أعمال الصحافيين في المكان، بالكاد صافحنا الرجل الخمسيني وسألناه عن مكان وجوده حتى شدته زوجته قائلة: «الشرطة قالت ممنوع الكلام»، صمت الرجل وأدار ظهره ومضى بعيداً برفقة زوجته. بدأت عناصر الشرطة تقترب من مكان وجود الصحافيين تطلب وقف التصوير والابتعاد عن المكان. لحظات ودوّت صفارات الإنذار في المدينة معلنةً عن إمكانية تعرضها لضربة جديدة.
الحياة مختلفة في ميكولاييف، على عكس المدينة القريبة أوديسا، وبينما تبحث ميكولاييف بين الركام عن ناجين من الضربة الصاروخية، كانت أوديسا تعيش ازدحامها الصباحي في الشوارع والمتاجر على حد سواء.
مع انطلاق صفارات الإنذار في ميكولاييف بدأ الناس يختفون من الشوارع، فرق الصحافيين دخلت إلى مقهى صغير تحت الأرض، والمارة سارعوا إلى أقرب ملجأ. فما زالت المدينة تذكر الضربة القاسية التي تلقتها منذ عشرة أيام حين تعرض مستشفى الأطفال (رقم واحد) في المدينة إلى صاروخ روسي أُطلق من مكان قريب وقتل عشرات من المواطنين، حسبما أُعلن حينها.
الصواريخ التي تسقط على هذه المدينة عادةً ما تأتي من مواقع إطلاق قريبة، مثل محيط خيرسون، وهو الأمر الذي يجعل من المستحيل إطلاق صفارات الإنذار لإعطاء وقت كافٍ يسمح للسكان بالانتقال إلى الملاجئ، وهو ما قاله حاكم المدينة أولكسندر سلكفيتش، يوم التاسع عشر من شهر مارس (آذار) الحالي بعد ضرب مستشفى الأطفال.


مقالات ذات صلة

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
TT

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)

تم اختيار مراقب من الأمم المتحدة لقيادة تحقيق خارجي في مزاعم سوء سلوك جنسي ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وفقا لما علمته وكالة أسوشيتد برس أمس الثلاثاء.

ومن المرجح أن يثير هذا القرار مخاوف تتعلق بتضارب المصالح نظرا لعمل زوجة المدعي العام السابق في الهيئة الرقابية.

وقدم خان تحديثات حول التحقيقات الحساسة سياسيا التي تجريها المحكمة في جرائم حرب وفظائع في أوكرانيا وغزة وفنزويلا، وغيرها من مناطق النزاع خلال اجتماع المؤسسة السنوي هذا الأسبوع في لاهاي بهولندا. لكن الاتهامات ضد خان خيمت على اجتماع الدول الأعضاء الـ124 في المحكمة الجنائية الدولية.

فقد كشف تحقيق لوكالة أسوشيتد برس في أكتوبر (تشرين الأول) أنه بينما كان خان يعد أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، كان يواجه في الوقت ذاته اتهامات داخلية بمحاولة الضغط على إحدى مساعداته لإقامة علاقة جنسية معها، واتهامات بأنه تحرش بها ضد إرادتها على مدار عدة أشهر.

وفي اجتماع هذا الأسبوع، قالت بايفي كاوكرانتا، الدبلوماسية الفنلندية التي تترأس حاليا الهيئة الرقابية للمحكمة الجنائية الدولية، للمندوبين إنها استقرت على اختيار مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية، حسبما أفاد دبلوماسيان لوكالة أسوشيتد برس طلبا عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة المحادثات المغلقة.

وأعربت منظمتان حقوقيتان مرموقتان الشهر الماضي عن قلقهما بشأن احتمال اختيار الأمم المتحدة لهذا التحقيق بسبب عمل زوجة خان، وهي محامية بارزة في حقوق الإنسان، في الوكالة في كينيا بين عامي 2019 و2020 للتحقيق في

حالات التحرش الجنسي. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومبادرات النساء من أجل العدالة القائمة على النوع، في بيان مشترك إنه يجب أن يتم تعليق عمل خان أثناء إجراء التحقيق، ودعتا إلى «التدقيق الشامل في الجهة أو الهيئة المختارة للتحقيق لضمان عدم تضارب المصالح وامتلاكها الخبرة المثبتة».

وأضافت المنظمتان أن «العلاقة الوثيقة» بين خان والوكالة التابعة للأمم المتحدة تتطلب مزيدا من التدقيق. وقالت المنظمتان: «نوصي بشدة بضمان معالجة هذه المخاوف بشكل علني وشفاف قبل تكليف مكتب الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة بالتحقيق».