مَولد «نجم» بلاستيكي جديد

علماء «كاوست» يطورون بوليمرات للاستخدامات الطبية الحيوية والإلكترونية

مَولد «نجم» بلاستيكي جديد
TT

مَولد «نجم» بلاستيكي جديد

مَولد «نجم» بلاستيكي جديد

يشيع استخدام البلاستيك، أو ما تعرف باللدائن، في كل مناحي حياتنا الحديثة اليوم، فهي تُستخدَم في التغليف، كما تدخل في صناعة أجهزة الكومبيوتر والمعدات الطبية، وفي عديد من الأجهزة الأخرى. وكل هذه الاستخدامات تتطلب خواصَّ مختلفة للمواد، وهذه الخواص تعتمد على طبيعة جزيئات تسمى «البوليمرات» والموجودة داخل هذه اللدائن.
ويعود فضل ما نعرفه اليوم عن البوليمرات، وعن صفاتها، وكيفية التحكم بها، إلى أعمال الكيميائي الألماني هيرمان شتاودينجر الذي أرسى المفهوم الحاضر لنظرية تكوُّن البوليمرات سنة 1921، ونتيجة لذلك حاز جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1953.
مواد فريدة
يشير مصطلح «البوليمرات» إلى الجزيئات الكبيرة التي تتكون من وحدات كيميائية متكررة تُسمى «المونومرات». وتؤثر هوية «المونومر» على الخواص الفيزيائية للمادة، غير أن ترتيب سلاسل «البوليمرات» والتفاعلات بينها يمارس تأثيره هو أيضاً. ويستطيع الباحثون تنقيح الخواص المهمة، كاللدونة والكثافة، وضبطها ضبطاً دقيقاً، وذلك عن طريق إحداث تغييرات في بنية «البوليمر».
وتتميز «البوليمرات» عن الأنواع الأخرى من المركبات بكبر حجم جزيئاتها. كما أنها تمتلك متوسط أوزان جزيئية تتراوح من عشرات الآلاف إلى عدة ملايين من وحدات الكتلة الذرية، وهذا ما يجعلها فريدة من نوعها، بحيث يمكن استغلالها في تطبيقات وظيفية تخدم مجالات واحتياجات متعددة في حياتنا اليومية.
و«البوليمرات» نوعان: طبيعية، ومنها الأحماض النووية والمطاط والخشب، وصناعية تتم عن طريق بعض التفاعلات الكيميائية، ومنها الزجاج والبوليستر والبلاستيك.
ويأتي الجهد الذي يبذله الباحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) في صدارة الجهود الرامية إلى تطوير بوليمرات ذات شكل نجمي غير معتادة، يمكنها إتاحة فرص جديدة للاستفادة من هذه المواد.
والبوليمر ذو الشكل النجمي هو أبسط فئة من «بوليمرات» متفرعة، إذ يتكون من عدة سلاسل خطية متصلة بنواة مركزية.
يقول البروفسور نيكوس هادجيكريستيديس، الأستاذ المتميز في علم الكيمياء بـ«كاوست»: «نظراً إلى أن جوهر خواص المادة يكمن في جزيئاتها، فإن هذه البنية الفريدة تمنح المواد خواصها الفريدة، ومن ثم استخداماتها الفريدة».
في عام 1992، ابتكر هادجيكريستيديس وهيرميس إياترو، طالب الدكتوراه الذي كان يدرس تحت إشراف هادجيكريستيديس، ويعمل حالياً بجامعة أثينا في اليونان، بنية بوليمرية جديدة بالكامل، وذلك باستخدام أنواع مختلفة من «البوليمرات» التي تلتقي كلها عند نقطة واحدة. وأطلق هادجيكريستيديس عليها اسم «البوليمرات النجمية المختلطة»، miktoarm star polymers (كلمة miktoarm مُشتقة من الكلمة اليونانية μικτός بمعنى «مختلطة») لأنها تجمع بين بوليمرات مختلفة يسهل تعديلها بدرجة كبيرة. وقد كان اكتشافهما بمثابة نقطة انطلاقٍ لمجالٍ بحثي جديد أسفر عن المئات من الأوراق العلمية.
وفي أحدث دراسة بحثية لهادجيكريستيديس وزملائه في «كاوست»، طور الفريق طريقة أفضل لدمج البولي إيثيلين –الذي يتكوّن من وحدات متكررة من جزيء الإيثيلين ويصنف تحت المنتجات البلاستيكية- داخل «البوليمرات» ذات الشكل النجمي المختلط. فالمواد القائمة على البولي إيثيلين لها طيفٌ واسع من الاستخدامات؛ بفضل خواصها الممتازة، كما أنها ليست باهظة التكلفة، ومستقرة عند التسخين، وتمتاز بالمتانة والمرونة. ومن ثم، فإن «البوليمرات المختلطة» التي تحتوي على البولي إيثيلين، ربما تُتيح طريقة للجمع بين قابلية التعديل التي تتسم بها «البوليمرات» ذات الشكل النجمي، وتَنوع الاستخدامات الذي يمتاز به البولي إيثيلين.
أدت الطريقة التي كانت تُستخدم سابقاً في صنع «بوليمرات» ذات شكل نجمي قائمة على البولي إيثيلين، إلى إنتاج نجوم لها أذرع من البولي إيثيلين، بها أفرع قصيرة للغاية، وهو ما جعل المادة أقل متانة. ولهذا ابتكر فريق هادجيكريستيديس نهجاً مُحسَّنا بالجمع بين طريقتين مختلفتين للبلمرة.
نهج جديد
وبنى الفريق النجوم حول جزيء يُسمى «ثنائي كلوروميثيل سيليل» ثنائي فينيل الإيثيلين، وهذا الجزيء يحتوي على مجموعات كيميائية تعمل كنقاط تثبيتٍ لسلاسل «البوليمر». ثَبَّت الباحثون سلسلتين من البولي أيزوبرين على هذا الأساس، ثم قاموا بإنماء ذراع ثالثة من نقطة تثبيت مختلفة. وعن طريق اختيار «مونومرات» مختلفة، يُمكن أن تكون الذراع الثالثة للشكل النجمي إما من البولي أيزوبرين، أو البوليستيرين، أو البولي بيوتادايين، وجميعها مركبات كيميائية.
يقول الدكتور كونستانتينوس نتيتسيكاس الذي أشرف على هذا الجهد التجريبي في «كاوست»: «عندما عقد الباحثون مقارنة بين 3 أنواع من الأشكال النجمية للبولي إيثيلين، استطاعوا دراسة الكيفية التي أثَّرت بها البنى المختلفة على خواصها الفيزيائية، مثل التجميع الذاتي والتبلورية. وتتمثل الخطوة التالية في تخليق مزيد من «البوليمرات» ذات الشكل النجمي للبولي إيثيلين بتراكيب متنوعة، ودراسة سلوك التجميع الذاتي لديها».
ويخطط الباحثون لدمج «بوليمرات» تجعل المواد أكثر قابلية للذوبان، بهدف مقارنة سلوك الأشكال النجمية داخل المحاليل على سبيل المثال. ومن الممكن أيضاً استخدام مجموعة الهيدروكسيل الموجودة عند طرف ذراع البولي إيثيلين في ربط مزيد من جزيئات «البوليمرات» بالشكل النجمي، وهو ما ينتج بُنًى أكثر تعقيداً تمتاز بخواص غير مسبوقة.
يقول البروفسور إدوين إل. توماس، من جامعة «رايس» في هيوستن بولاية تكساس الذي تعاون مع فريق هادجيكريستيديس في البحث: «استناداً إلى المعرفة التي تحققت بفضل هذه الدراسة وغيرها من الدراسات، نستطيع تصميم البوليمرات وتخليقها من أجل الوصول إلى خواص مُستهدفة للمواد بدقة. وسينصب جهدنا البحثي القادم على إيجاد ظروف المعالجة التي ستمكِّن ذراع البولي إيثيلين من بلوغ درجة أعلى من التبلورية، يمكن أن تتجاوز حتى 90 في المائة».
ويأمل هادجيكريستيديس وزميله البروفسور إيف نانو، أستاذ علوم الكيمياء المتميز بـ«كاوست»، في دمج مقاطع قابلة للانحلال البيولوجي داخل الأشكال النجمية المختلطة، بحيث يُستفاد منها في الاستخدامات الطبية الحيوية، أو إضافة بوليمرات معالجة بالفلور، حتى يصير بالإمكان استخدامها في تصنيع الأجهزة الإلكترونية. يُعلق هادجيكريستيديس على ذلك قائلاً: «سوف تحل بنياتها الدقيقة مشكلاتٍ يتعذر حلها بنظيراتها الخطيَّة».
ويسعى الباحثون كذلك إلى ابتكار عملياتٍ أسهل لتصنيع «البوليمرات» ذات الشكل النجمي المختلط. فالطرق المستخدمة حالياً في بناء الشكل النجمي الجديد تتسم بالحساسية الشديدة للهواء والرطوبة، ولذا يجب تنفيذها في ظروف عالية التفريغ. يقول هادجيكريستيديس: «ثمة تحدٍّ لا يزال قائماً، وهو تخليق الأشكال النجمية المختلطة المحددة المعالم بسهولة وبتكلفة جيدة. مثل هذه التحديات، ستكون بلا شك مصدر إلهام لإجراء مزيد من الأبحاث مستقبلاً».



«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً