روجيه مكرزل يرفض النزعة الرائجة لتجميل الواقع بدل نقله كما هو

تخرج من الأستوديو وكأنك خضعت لجلسة تصويرية مكثفة لا تزال آثار ومضاتها تسكن عينيك

روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن
روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن
TT

روجيه مكرزل يرفض النزعة الرائجة لتجميل الواقع بدل نقله كما هو

روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن
روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن

تخرج من أستوديو روجيه مكرزل الواقع في منطقة الكرنتينا، وكأنك خضعت لجلسة تصويرية مكثفة لا تزال آثار فلاشاتها وومضاتها تسكن عينيك. فعلى الرغم من أن ما قمت به في الواقع هو محاورته فقط، فإن شغفه بمهنته إلى حدّ العشق ينقله إليك بعدسة عينيه لتخزنها بدورك في ذاكرتك وكأنها مجلّد انتهيت للتوّ من مشاهدته.
ما يميّزه عن غيره من المصورين الفوتوغرافيين هو خروجه عن المألوف، أو بالأحرى تحرره من ذلك الصندوق المعلّب المزدحم الذي سجن فيه بعض أبناء مهنته، كما يقول. فالمصور الفوتوغرافي الذي عيّن مؤخرا سفيرا للصورة والتصاميم الفنية من قبل «دبي ديستريكت ديزاينر» (رائدة في مجال الإبداع والتصاميم الفنية في الخليج العربي)، استخدم عينه الثاقبة لترجمة أحاسيسه. فهو يرفض النزعة الرائجة حاليا في عالم الصورة، والتي ترتكز على تجميل الواقع بدل نقله كما هو.
«لا يجب أن نكذب في الصورة ويجب أن تكون في خدمة الحقيقة». يقول روجيه مكرزل الذي صوّر الملوك والأمراء وأهم نجوم الفن بعدسته، ويتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «قريبا جدا ستغدو هذه النزعة عنوانا للصورة في المستقبل، فلا يعود أهل الفن والسياسة وغيرهم من هم تحت الأضواء يلجئون إلى إخفاء ملامحهم المتعبة أحيانا، أو غير الذكية أحيانا أخرى تحت غطاء الصور الفوتوغرافية المزيّفة، فأنا أفكر بطريقة سليمة ولست ملوثا بما يجري حولي».
ولكن إلى ماذا يستند استنتاجه هذا؟ فيرد بعفوية: «إن الجيل الجديد من الشباب يتمتع بكمية من الذكاء تخوّله اكتشاف هذه الأقنعة بسرعة، مما سيدفع بمن يضعوها على وجوههم إلى التخلّي عنها كي لا يخسروا مصداقيتهم».
وعن مهمّته في منصبه الجديد يقول: «هناك الكثير من المواهب الفنية المدفونة في العالم ولا سيما في عالمنا العربي، وعلي أن أظهرها إلى العلن إن في مجال التصميم الفني أو الصورة الفوتوغرافية. فهذه المهمة ستخوّلني إدخال دم جديد إلى مهنتنا من مختلف أنحاء العالم، وهدفي أن أحفّز لغة المبادرة لدى هؤلاء الشباب، إذ إن النزعة الرائجة حاليا في مختلف المجالات هي الالتحاق بما يفرضونه علينا أصحاب القوة والسلطة المالية، وبرأي هذه هي عناصر العولمة التي تجتاحنا. لذلك أريد أن أكسر هذه الدائرة المحيطة بنا وأن أعزّز مكانة الإنسانية بدل الميول التجارية والاستهلاكية السائدة في أيامنا الحالية». ويضيف: «هؤلاء الذين يمسكون بزمام الأمور يريدون أن نفكّر مثلهم وأن نجاري تطلّعاتهم ليصنعوا منا نجوما. لا شك في أن هناك من يخرج عن هذه القاعدة ويحقق ذاته من دونهم، إلا أن غالبية نجوم فن الرسم والتصوير اكتشفت مواهبهم بعد مماتهم. أما أنا فأريد أن أكون صادقا مع ذاتي فلا أحقق النجاح المهني متأخرا، بل أريد أن أترك إرثا قيّما وحقيقيا للجيل الجديد يتداوله ويحلله ولو قبل رحيلي، فليس باستطاعتي أن أقوم بما يريده الآخرون وإلا فشلت».
يأسرك روجيه مكرزل وهو يحاول إدخالك إلى عمق عالمه، فقد يكون بصدد التحدث معك عن خواتمه الأنتيكا التي تزيّن أصابعه والتي تشير إليك تلقائيا مع الأساور التي تلف يديه بأنه يقطّر فنا (فهو يعتبرها ذات قيّمة أكبر من تلك الموقعة من دار شانيل)، عندما يبادرك بالقول إن «التصوير في حدّ ذاته هو كناية عن رؤية مستقبلية يجب أن نوقّعه بحسّنا المرهف، كما أنه لا يتوانى عن الانتقال إلى موضوع آخر مغاير تماما ألا وهو أن الطبيعة هي ملهمته الأولى في عمله. وعلى الرغم من أنه ابن عائلة صحافية كانت تصدر جريدة «الدبور» في السبعينات، فإنه يقول في هذا الصدد: «لم تستهوني الكتابة يوما ولطالما لفتني موضوع الأحجام والأشكال الهندسية والجمال بشكل عام، فلو لم أدخل مجال التصوير لعملت في مجال الهندسة دون شك».
يستعدّ روجيه مكرزل حاليا لإطلاق معرضه الفوتوغرافي الجديد في لندن تحت عنوان «فرحة أفريقيا»، والذي جال من أجل تنفيذه في عدد من الدول الأفريقية (أوغندا وغامبيا وكونغو) وغيرها بإيعاز من شركة «افريسيل» العالمية، وهي المنظم والناشر الرسمي للمعرض. فشغفه اليوم بات يكمن في اكتشاف الحضارات وتسليط الضوء على تفاصيلها، ومن ثم صهرها في عالم الصناعة والمدنية. هذه الصورة المتناقضة من شأنها أن تعرّفنا على الحقيقة بشكل أوسع كما يقول والتي سيترجمها في كتاب يصدر قريبا يجمع فيه صور المعرض نفسه.
«انظري إلى عيون هذه الفتاة الأفريقية الجميلة» يقول لي روجيه مكرزل، وهو يشير إلى صورة سيتضمنها معرضه الأفريقي الهوية، ألا تشعرين أنه في استطاعتك أن تسافري منها إلى أعماق فكرها؟ فهي لديها نظرة زعيمة أو رئيسة جمهورية! ويحار نظرك وأنت تجول على صور روجيه مكرزل أين يستريح. فهنا صورة أخرى مؤثّرة التقطها لنظرة ثاقبة لفتاة انعكست في بؤبؤها صورة لمسجد يقع مبناه في مقابلها. وهنا مجموعة من الفلاحين الأفارقة يزودونك بالفرح بصورة لا شعورية، من خلال ابتسامة الرضا المرسومة على شفاههم. فأهمية الصورة برأيه تكمن في الإحساس الذي توصله لك فتصبح رسالة ملموسة.
لا يخاف روجيه مكرزل من مطبّات الحياة أو من حواجز مصيرية قد تصادفه هنا وهناك، فهو خسر أرشيفه في الحرب ومع ذلك فإن الأمر لم يفقده عزيمته: «لقد احترق ما يقارب 50 ألف نسخة سلبية من أرشيف صوري (نيجاتيف) ولكني أكملت طريقي بثبات، فالتاريخ يكمن في الرأس والصورة هي وسيلة لتذكرنا به». يقول روجيه مكرزل الذي يرى أنه باستطاعته أن يبقي على مهنته حتى لو صار كفيفا، «هل تعتقدين أنني لو أصبت بالعمى لا أستطيع أن أمارس مهنتي؟ لا أعتقد ذلك كوني أشعر بالصورة قبل التقاطها كما أن العين تغشّنا أحيانا، فأدواتي تكمن في رأسي وهنا يكمن الفرق بين أن تصوري وأنت في حالة إحساس أو وأنت في حالة تنفيذ صورة ليس أكثر».
فكرة الموت وحدها هي التي تخيفه يقول صاحب النظرة الثاقبة التي لا تستطيع أن تفلت منها وهو يتحدث إليك: «بهذه الحالة وحدها لا تستطيعين العودة إلى الوراء، أما أي شيء آخر في هذه الحياة فنحن قادرون على اجتيازه ولو تطلّب منا الأمر جهدا إضافيا».
يؤكد روجيه مكرزل الذي عمل كمصور عالمي لأكثر من وكالة ووسيلة إعلامية «سيغما» و«رويترز» و«ايل ماغازين»، والذي احتلت إحدى صوره غلاف مجلة «باري ماتش» في عيدها الأربعيني، أن الصورة لم تفقد يوما مكانتها بل رافقتنا في الحرب والسلم وفي الفرح والحزن، وإنها حاليا تعيش حقبتها الذهبية لا سيما وأن التطور التكنولوجي ساهم في انتشارها بشكل كبير ولو كان من خلال «السيلفي» أو جهاز الخليوي عامة. «لقد أقمت معرضا كاملا منذ فترة تضمن صورا فوتوغرافية التقطتها بجهازي المحمول، فإحساسنا وصدقنا هما اللذان يعززان موقع الصورة وليس التكنولوجيا».
وعن سبب اختياره سفيرا للصورة في لبنان والعالم أجاب: «قد يعود ذلك كوني أملك ثلاثة مؤهلات أساسية لذلك ألا وهي الابتكار والإحساس وصدق الاتصال بالعين».
شارك المصوّر اللبناني في أكثر من 15 معرضا عالميا، ظهرت من خلالها موهبته في تحويل الموت إلى الحياة وبشاعة الحرب إلى وجوه جميلة والأشخاص العاديون إلى نجوم.
ويرى روجيه مكرزل الذي أمسك بالكاميرا للمرة الأولى عندما كان في الثانية عشرة من عمره، أن الصورة هي استمرارية للعين وترجمة لانعكاساتها على عقولنا ويشرح: «الصورة فكر وليست مجرد نظرة عين» ويتابع: «عندما أكون وراء كاميراتي فأنا أمارس فعل التأمّل، وتلقائيتي هي التي تحدد الإطار الذي أرغب في تصويره فلا أحضّر لها مسبقا».
أما أكثر المواضيع التي أثرت فيه وما زالت تشكّل له علامة فارقة حتى اليوم، فهي «الموارنة والدروز« ويقول في هذا الصدد: «ما زال هذا الموضوع عالقا في ذهني لا سيما وأنني ابتكرت مكانا مميزا لعرض صوره في مبنى بلدية بيروت عندما كانت مدمرة في الثمانينات، فطليت جدرانها بالأسود، واستحدثت حولها حقبة خاصة من الزمن سلّطت عليها إنارة مباشرة فجاءت نتيجتها مبهرة للعين والفكر معا».
وعمن يلفته من المصورين حاليا يردّ: «هم كثر ولكل منهم ميزته في هذا الصدد فأنا مثلا يعجبني أسلوب ندى دبس وأكرم زعتري وكريم شعيا وغيرهم، كما أنني كنت من عشاق الراحل جورج سمرجيان (نقيب المصورين في الثمانينات) الذي لعب دورا رائدا في نقل ما عانيناه أثناء الحرب من خلال صوره».
تناول روجيه مكرزل مئات المواضيع في صوره فكانت بمثابة قصص تروي حكايات ملوّنة من هنا وهناك، فمعرضه «الحجاب» جمع فيه نساء لبنان من جميع الأديان، ومعرضه عن فندق فينسيا وسط بيروت في عيده الخمسيني روى قصة هذا الفندق الشهير، كما استضافت روجيه مكرزل قناة الـ«سي إن إن» عندما غاص في بلاد اسكندينافيا والتقط صورا معبّرة لشعب الـ«سامي» الموجود شمال النرويج والذي ما زال يحارب من أجل الحفاظ على تقاليده وعاداته القديمة.
حسب رأيه فإن كلّ منا يستطيع أن يلتقط صورة جيدة، ولكن الأهم في هذا الإطار هو أن ننقل الفكرة الأساسية من ورائها. ويقول في هذا الصدد: «عندما التقطت ستّ صور لـ6 نساء تحت عنوان (الحجاب) استطعت أن أجمع فيها كلّ الأديان، فمثّلت هذا الاتحاد القوي والعميق بين نساء لبنان من أديان مختلفة (من السنّة والدروز والشيعة والمسيحية وغيرهن)، ونجحت في إيصال فكرتي هذه التي تبنتها معارض عالمية كما أنني وضعتها في كتاب لأحفظ فيه رؤية مستقبلية استوحيتها من تاريخنا الغني بالتعددية».
ولكن هل للإطار الذي تدور فيه الصورة موضة معيّنة؟ يردّ: «طبعا فحاليا هناك موضة التصوير المسرحي، أي الذي يدور في ديكور ضيّق ومعلّب ولكنه برأي لن يستمر طويلا لأنه لا يمتّ للطبيعة بأي صلة».
ويتذّكّر روجيه مكرزل واحدة من المواقف التي صادفها أثناء تصويره الشخصيات المهمة في العالم ويقول: «أذكر عندما طلب مني حاكم دبي الأمير محمد بن راشد آل مكتوم أن ألتقط له صورة رسمية، فجلس مقابلتي وهو ينظر إلى عدسة كاميرتي مباشرة، فاقتربت منه وقلت له هل تسمح لي بأن أكون الحاكم المطلق في هذه اللحظات؟ عندها ابتسم وطلبت منه أن يحوّل نظره إلى الأفق ووضعت وراءه علم بلاده والتقطت له صورة تظهر فكره المميّز برؤية مستقبلية، فكانت نظرته لا حدود لها تعكس تطلّعاته الكثيرة لبلد. هذه كانت من أجمل الصور المعبّرة عن شخصيته الناجحة». لا يمكن تحديد أحلام روجيه مكرزل فهو من القائلين «ماذا يعني أن تنجح وأن يقال لك (برافو)؟ الأهم هو أن تبحث دائما عن النجاح في أي خطوة تقوم بها. وأحلامي أترجمها في معارضي فإذا استطعت أن أفكر فهذا يعني أنني أحلم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».