روجيه مكرزل يرفض النزعة الرائجة لتجميل الواقع بدل نقله كما هو

تخرج من الأستوديو وكأنك خضعت لجلسة تصويرية مكثفة لا تزال آثار ومضاتها تسكن عينيك

روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن
روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن
TT

روجيه مكرزل يرفض النزعة الرائجة لتجميل الواقع بدل نقله كما هو

روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن
روجيه مكرزل اثناء تصويره عادات وتقاليد افريقية تندرج في سياق معرضه المقبل «فرحة افريقيا» في لندن

تخرج من أستوديو روجيه مكرزل الواقع في منطقة الكرنتينا، وكأنك خضعت لجلسة تصويرية مكثفة لا تزال آثار فلاشاتها وومضاتها تسكن عينيك. فعلى الرغم من أن ما قمت به في الواقع هو محاورته فقط، فإن شغفه بمهنته إلى حدّ العشق ينقله إليك بعدسة عينيه لتخزنها بدورك في ذاكرتك وكأنها مجلّد انتهيت للتوّ من مشاهدته.
ما يميّزه عن غيره من المصورين الفوتوغرافيين هو خروجه عن المألوف، أو بالأحرى تحرره من ذلك الصندوق المعلّب المزدحم الذي سجن فيه بعض أبناء مهنته، كما يقول. فالمصور الفوتوغرافي الذي عيّن مؤخرا سفيرا للصورة والتصاميم الفنية من قبل «دبي ديستريكت ديزاينر» (رائدة في مجال الإبداع والتصاميم الفنية في الخليج العربي)، استخدم عينه الثاقبة لترجمة أحاسيسه. فهو يرفض النزعة الرائجة حاليا في عالم الصورة، والتي ترتكز على تجميل الواقع بدل نقله كما هو.
«لا يجب أن نكذب في الصورة ويجب أن تكون في خدمة الحقيقة». يقول روجيه مكرزل الذي صوّر الملوك والأمراء وأهم نجوم الفن بعدسته، ويتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «قريبا جدا ستغدو هذه النزعة عنوانا للصورة في المستقبل، فلا يعود أهل الفن والسياسة وغيرهم من هم تحت الأضواء يلجئون إلى إخفاء ملامحهم المتعبة أحيانا، أو غير الذكية أحيانا أخرى تحت غطاء الصور الفوتوغرافية المزيّفة، فأنا أفكر بطريقة سليمة ولست ملوثا بما يجري حولي».
ولكن إلى ماذا يستند استنتاجه هذا؟ فيرد بعفوية: «إن الجيل الجديد من الشباب يتمتع بكمية من الذكاء تخوّله اكتشاف هذه الأقنعة بسرعة، مما سيدفع بمن يضعوها على وجوههم إلى التخلّي عنها كي لا يخسروا مصداقيتهم».
وعن مهمّته في منصبه الجديد يقول: «هناك الكثير من المواهب الفنية المدفونة في العالم ولا سيما في عالمنا العربي، وعلي أن أظهرها إلى العلن إن في مجال التصميم الفني أو الصورة الفوتوغرافية. فهذه المهمة ستخوّلني إدخال دم جديد إلى مهنتنا من مختلف أنحاء العالم، وهدفي أن أحفّز لغة المبادرة لدى هؤلاء الشباب، إذ إن النزعة الرائجة حاليا في مختلف المجالات هي الالتحاق بما يفرضونه علينا أصحاب القوة والسلطة المالية، وبرأي هذه هي عناصر العولمة التي تجتاحنا. لذلك أريد أن أكسر هذه الدائرة المحيطة بنا وأن أعزّز مكانة الإنسانية بدل الميول التجارية والاستهلاكية السائدة في أيامنا الحالية». ويضيف: «هؤلاء الذين يمسكون بزمام الأمور يريدون أن نفكّر مثلهم وأن نجاري تطلّعاتهم ليصنعوا منا نجوما. لا شك في أن هناك من يخرج عن هذه القاعدة ويحقق ذاته من دونهم، إلا أن غالبية نجوم فن الرسم والتصوير اكتشفت مواهبهم بعد مماتهم. أما أنا فأريد أن أكون صادقا مع ذاتي فلا أحقق النجاح المهني متأخرا، بل أريد أن أترك إرثا قيّما وحقيقيا للجيل الجديد يتداوله ويحلله ولو قبل رحيلي، فليس باستطاعتي أن أقوم بما يريده الآخرون وإلا فشلت».
يأسرك روجيه مكرزل وهو يحاول إدخالك إلى عمق عالمه، فقد يكون بصدد التحدث معك عن خواتمه الأنتيكا التي تزيّن أصابعه والتي تشير إليك تلقائيا مع الأساور التي تلف يديه بأنه يقطّر فنا (فهو يعتبرها ذات قيّمة أكبر من تلك الموقعة من دار شانيل)، عندما يبادرك بالقول إن «التصوير في حدّ ذاته هو كناية عن رؤية مستقبلية يجب أن نوقّعه بحسّنا المرهف، كما أنه لا يتوانى عن الانتقال إلى موضوع آخر مغاير تماما ألا وهو أن الطبيعة هي ملهمته الأولى في عمله. وعلى الرغم من أنه ابن عائلة صحافية كانت تصدر جريدة «الدبور» في السبعينات، فإنه يقول في هذا الصدد: «لم تستهوني الكتابة يوما ولطالما لفتني موضوع الأحجام والأشكال الهندسية والجمال بشكل عام، فلو لم أدخل مجال التصوير لعملت في مجال الهندسة دون شك».
يستعدّ روجيه مكرزل حاليا لإطلاق معرضه الفوتوغرافي الجديد في لندن تحت عنوان «فرحة أفريقيا»، والذي جال من أجل تنفيذه في عدد من الدول الأفريقية (أوغندا وغامبيا وكونغو) وغيرها بإيعاز من شركة «افريسيل» العالمية، وهي المنظم والناشر الرسمي للمعرض. فشغفه اليوم بات يكمن في اكتشاف الحضارات وتسليط الضوء على تفاصيلها، ومن ثم صهرها في عالم الصناعة والمدنية. هذه الصورة المتناقضة من شأنها أن تعرّفنا على الحقيقة بشكل أوسع كما يقول والتي سيترجمها في كتاب يصدر قريبا يجمع فيه صور المعرض نفسه.
«انظري إلى عيون هذه الفتاة الأفريقية الجميلة» يقول لي روجيه مكرزل، وهو يشير إلى صورة سيتضمنها معرضه الأفريقي الهوية، ألا تشعرين أنه في استطاعتك أن تسافري منها إلى أعماق فكرها؟ فهي لديها نظرة زعيمة أو رئيسة جمهورية! ويحار نظرك وأنت تجول على صور روجيه مكرزل أين يستريح. فهنا صورة أخرى مؤثّرة التقطها لنظرة ثاقبة لفتاة انعكست في بؤبؤها صورة لمسجد يقع مبناه في مقابلها. وهنا مجموعة من الفلاحين الأفارقة يزودونك بالفرح بصورة لا شعورية، من خلال ابتسامة الرضا المرسومة على شفاههم. فأهمية الصورة برأيه تكمن في الإحساس الذي توصله لك فتصبح رسالة ملموسة.
لا يخاف روجيه مكرزل من مطبّات الحياة أو من حواجز مصيرية قد تصادفه هنا وهناك، فهو خسر أرشيفه في الحرب ومع ذلك فإن الأمر لم يفقده عزيمته: «لقد احترق ما يقارب 50 ألف نسخة سلبية من أرشيف صوري (نيجاتيف) ولكني أكملت طريقي بثبات، فالتاريخ يكمن في الرأس والصورة هي وسيلة لتذكرنا به». يقول روجيه مكرزل الذي يرى أنه باستطاعته أن يبقي على مهنته حتى لو صار كفيفا، «هل تعتقدين أنني لو أصبت بالعمى لا أستطيع أن أمارس مهنتي؟ لا أعتقد ذلك كوني أشعر بالصورة قبل التقاطها كما أن العين تغشّنا أحيانا، فأدواتي تكمن في رأسي وهنا يكمن الفرق بين أن تصوري وأنت في حالة إحساس أو وأنت في حالة تنفيذ صورة ليس أكثر».
فكرة الموت وحدها هي التي تخيفه يقول صاحب النظرة الثاقبة التي لا تستطيع أن تفلت منها وهو يتحدث إليك: «بهذه الحالة وحدها لا تستطيعين العودة إلى الوراء، أما أي شيء آخر في هذه الحياة فنحن قادرون على اجتيازه ولو تطلّب منا الأمر جهدا إضافيا».
يؤكد روجيه مكرزل الذي عمل كمصور عالمي لأكثر من وكالة ووسيلة إعلامية «سيغما» و«رويترز» و«ايل ماغازين»، والذي احتلت إحدى صوره غلاف مجلة «باري ماتش» في عيدها الأربعيني، أن الصورة لم تفقد يوما مكانتها بل رافقتنا في الحرب والسلم وفي الفرح والحزن، وإنها حاليا تعيش حقبتها الذهبية لا سيما وأن التطور التكنولوجي ساهم في انتشارها بشكل كبير ولو كان من خلال «السيلفي» أو جهاز الخليوي عامة. «لقد أقمت معرضا كاملا منذ فترة تضمن صورا فوتوغرافية التقطتها بجهازي المحمول، فإحساسنا وصدقنا هما اللذان يعززان موقع الصورة وليس التكنولوجيا».
وعن سبب اختياره سفيرا للصورة في لبنان والعالم أجاب: «قد يعود ذلك كوني أملك ثلاثة مؤهلات أساسية لذلك ألا وهي الابتكار والإحساس وصدق الاتصال بالعين».
شارك المصوّر اللبناني في أكثر من 15 معرضا عالميا، ظهرت من خلالها موهبته في تحويل الموت إلى الحياة وبشاعة الحرب إلى وجوه جميلة والأشخاص العاديون إلى نجوم.
ويرى روجيه مكرزل الذي أمسك بالكاميرا للمرة الأولى عندما كان في الثانية عشرة من عمره، أن الصورة هي استمرارية للعين وترجمة لانعكاساتها على عقولنا ويشرح: «الصورة فكر وليست مجرد نظرة عين» ويتابع: «عندما أكون وراء كاميراتي فأنا أمارس فعل التأمّل، وتلقائيتي هي التي تحدد الإطار الذي أرغب في تصويره فلا أحضّر لها مسبقا».
أما أكثر المواضيع التي أثرت فيه وما زالت تشكّل له علامة فارقة حتى اليوم، فهي «الموارنة والدروز« ويقول في هذا الصدد: «ما زال هذا الموضوع عالقا في ذهني لا سيما وأنني ابتكرت مكانا مميزا لعرض صوره في مبنى بلدية بيروت عندما كانت مدمرة في الثمانينات، فطليت جدرانها بالأسود، واستحدثت حولها حقبة خاصة من الزمن سلّطت عليها إنارة مباشرة فجاءت نتيجتها مبهرة للعين والفكر معا».
وعمن يلفته من المصورين حاليا يردّ: «هم كثر ولكل منهم ميزته في هذا الصدد فأنا مثلا يعجبني أسلوب ندى دبس وأكرم زعتري وكريم شعيا وغيرهم، كما أنني كنت من عشاق الراحل جورج سمرجيان (نقيب المصورين في الثمانينات) الذي لعب دورا رائدا في نقل ما عانيناه أثناء الحرب من خلال صوره».
تناول روجيه مكرزل مئات المواضيع في صوره فكانت بمثابة قصص تروي حكايات ملوّنة من هنا وهناك، فمعرضه «الحجاب» جمع فيه نساء لبنان من جميع الأديان، ومعرضه عن فندق فينسيا وسط بيروت في عيده الخمسيني روى قصة هذا الفندق الشهير، كما استضافت روجيه مكرزل قناة الـ«سي إن إن» عندما غاص في بلاد اسكندينافيا والتقط صورا معبّرة لشعب الـ«سامي» الموجود شمال النرويج والذي ما زال يحارب من أجل الحفاظ على تقاليده وعاداته القديمة.
حسب رأيه فإن كلّ منا يستطيع أن يلتقط صورة جيدة، ولكن الأهم في هذا الإطار هو أن ننقل الفكرة الأساسية من ورائها. ويقول في هذا الصدد: «عندما التقطت ستّ صور لـ6 نساء تحت عنوان (الحجاب) استطعت أن أجمع فيها كلّ الأديان، فمثّلت هذا الاتحاد القوي والعميق بين نساء لبنان من أديان مختلفة (من السنّة والدروز والشيعة والمسيحية وغيرهن)، ونجحت في إيصال فكرتي هذه التي تبنتها معارض عالمية كما أنني وضعتها في كتاب لأحفظ فيه رؤية مستقبلية استوحيتها من تاريخنا الغني بالتعددية».
ولكن هل للإطار الذي تدور فيه الصورة موضة معيّنة؟ يردّ: «طبعا فحاليا هناك موضة التصوير المسرحي، أي الذي يدور في ديكور ضيّق ومعلّب ولكنه برأي لن يستمر طويلا لأنه لا يمتّ للطبيعة بأي صلة».
ويتذّكّر روجيه مكرزل واحدة من المواقف التي صادفها أثناء تصويره الشخصيات المهمة في العالم ويقول: «أذكر عندما طلب مني حاكم دبي الأمير محمد بن راشد آل مكتوم أن ألتقط له صورة رسمية، فجلس مقابلتي وهو ينظر إلى عدسة كاميرتي مباشرة، فاقتربت منه وقلت له هل تسمح لي بأن أكون الحاكم المطلق في هذه اللحظات؟ عندها ابتسم وطلبت منه أن يحوّل نظره إلى الأفق ووضعت وراءه علم بلاده والتقطت له صورة تظهر فكره المميّز برؤية مستقبلية، فكانت نظرته لا حدود لها تعكس تطلّعاته الكثيرة لبلد. هذه كانت من أجمل الصور المعبّرة عن شخصيته الناجحة». لا يمكن تحديد أحلام روجيه مكرزل فهو من القائلين «ماذا يعني أن تنجح وأن يقال لك (برافو)؟ الأهم هو أن تبحث دائما عن النجاح في أي خطوة تقوم بها. وأحلامي أترجمها في معارضي فإذا استطعت أن أفكر فهذا يعني أنني أحلم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».