رجائي عطية يطوي «كتاب حياته» أمام المحكمة

أزمة قلبية «مفاجئة» داهمت نقيب المحامين المصريين

صورة للراحل من صفحته على «فيسبوك»
صورة للراحل من صفحته على «فيسبوك»
TT

رجائي عطية يطوي «كتاب حياته» أمام المحكمة

صورة للراحل من صفحته على «فيسبوك»
صورة للراحل من صفحته على «فيسبوك»

طوى نقيب المحامين المصريين، رئيس اتحاد المحامين العرب، رجائي عطية «كتاب حياته»، الحافلة سياسياً ونقابياً وفكرياً بمشهد «مؤثر جداً»، حيث غيبه الموت أمس، إثر سقوطه أثناء جلسة محاكمة في أحد المحاكم المصرية، بعد أن داهمته أزمة قلبية «مفاجئة».
وفوجئ الحاضرون لجلسة المحاكمة داخل محكمة جنايات إمبابة، بمحافظة الجيزة، بسقوط الراحل مغشياً عليه ووفاته. وقال الأمين العام المساعد لنقابة المحامين، أبو بكر ضوة، إن «الوفاة جاءت إثر تعرضه لوعكة صحية»، فيما نعت نقابة المحامين المصرية الراحل، مؤكدة أنه «خدم المهنة حتى آخر لحظات حياته». معلنة الحداد ثلاثة أيام، ووضعت الشارات السوداء على مبناها بشارع رمسيس في وسط القاهرة، حداداً على النقيب الراحل، كما أقامت سرادق أمام المبنى لاستقبال المعزين.
ولم يكن مشهد السقوط «المفاجئ» للراحل هو المشهد الوحيد المؤثر، أمس، ذلك أن الراحل كتب على صفحته بـ«فيسبوك» قبل وفاته بنصف ساعة دعاءً مؤثراً، ومناجاة إلى الله، قال فيه: «اللهم أطعمنا من خضر الجنة، واسقنا يوم الحساب من الرحيق المختوم». علماً بأنه قبل أشهر توفيت ابنته فنعاها حينها بكلمات مؤثرة، وأصيب وقتها بحالة حزن شديدة عليها.
وشيع المصريون جثمان الراحل، أمس، من مسجد عمر مكرم بالتحرير في وسط القاهرة، ودفن في مقابر الأسرة بضاحية أكتوبر. ونعت جميع الأوساط السياسية والرسمية والدينية الراحل.
وقال وزير العدل المصري، عمر مروان، إن الفقيد «كان فقيهاً رفيعاً وأديباً متميزاً ومحامياً مالكاً ناصية الكلمة، متعمقاً في فهم النصوص القانونية، ومتفانياً في أداء رسالته السامية».
من جهته، أشار شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى أن «للراحل جهوداً في الدفاع عن المظلومين والمحتاجين، وله مؤلفات وبحوث رصينة في المعارف الإسلامية والفكر الإنساني». فيما قال مفتي مصر شوقي علام: «فقدنا قامة وطنية كبيرة، أدى دوره وواجبه الوطني، وأثرى بفكره وكتاباته العديد من المجالات، وخدم مهنته على أكمل وجه حتى اللحظات الأخيرة من حياته».
من جانبه، قال الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، المكاوي بن عيسى، إن «المحاماة في الوطن العربي فقدت أحد أهم رموزها الفقيه الدستوري رجائي عطية، الذي كان قيمة وقامة مهنية كبيرة لا تعوض»، مؤكداً أنه «أفنى حياته في مهنة المحاماة والمحامين، وظل حتى أنفاسه الأخيرة وهو يؤدي واجبه المهني».
كما نعى المجلس القومي لحقوق الإنسان الراحل، مؤكداً أنه «قدم مسيرة حافلة طيلة حياته، وأثرى المكتبة القانونية بالكثير من المؤلفات».
وتداول رواد «فيسبوك» صورة للحظة تعرض الراحل للأزمة الصحية داخل المحكمة. فيما تحولت العديد من الصفحات على «فيسبوك» لسراق عزاء أمس.
وعطية هو فقيه دستوري وقانوني ومفكر من مواليد أغسطس (آب) عام 1938 بشبين الكوم بمحافظة المنوفية بدلتا مصر. عمل بالمحاماة منذ 61 عاماً، واشترك في لجان الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين والمنظمات الدولية والإقليمية، وله اهتمامات أدبية وثقافية. وقد كتب العديد من البرامج للإذاعة، كما كتب عدداً من السيناريوهات للأعمال الدرامية، التي قدمت في التلفزيون، ونشرت له العديد من المقالات في المجلات والصحف المصرية.
وبلغت مؤلفات الراحل 102 إصداراً، ورشحه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لجائزة النيل للعلوم الاجتماعية أعوام 2010 و2016 و2017. كما عُين الراحل عضواً في مجلس الشورى المصري سابقاً، ونال عضوية مجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، واتحاد الكتاب، وهو خبير بالمجالس القومية المتخصصة، وعضو بالمجلس المصري للشؤون الخارجية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.