ذروة المرحلة الأولى للحرب: ماذا جنى بوتين؟

ذروة المرحلة الأولى للحرب: ماذا جنى بوتين؟
TT

ذروة المرحلة الأولى للحرب: ماذا جنى بوتين؟

ذروة المرحلة الأولى للحرب: ماذا جنى بوتين؟

يقول المفكر البروسي كارل فون كلاوزفيتز إن الحرب هي كالمبارزة بين شخصين، لكن على مستوى أكبر بكثير. ويرى أن هدف الحرب هو فرض إرادتنا على الآخر، وهي بالطبع لتحقيق الأهداف السياسية. من هنا مقولته الشهيرة: «إن الحرب هي السياسة بوسائل أخرى».
يعود كلاوزفيتز للحديث عن نقطة الذروة في العمل العسكري، أو بالأحرى الامتداد الأقصى. نُطلق عليها في عالمنا العربي: «القشة التي قصمت ظهر البعير»، أي بشكل عام، لكل بُعد في الحرب حدوده القصوى. إذا تم تجاوز هذه الحدود فستزداد المخاطر، وتصبح الهزيمة أمراً لا مفر منه.
إذاً، الحرب عمل عنفي غير مستمر في الزمان والمكان. ولأن الحرب تخدم الأهداف السياسية، فلا بد من توقفها عند كل مفصل أساسي، لتقييم الأداء وإجراء الحسابات والتعديل إذا لزم الأمر.
فكيف نُقيم الحرب الدائرة في أوكرانيا بعد شهر تقريباً على بدء شرارتها؟
بدأت روسيا حربها بالحركية، المناورة مع السعي لتسريع الاندفاع عبر الإنزالات الجوية قرب العاصمة كييف لنخبة من المظليين.
بدأ الهجوم على ثلاثة محاور: شمالاً إلى كييف؛ شرقاً إلى إقليم دونباس؛ وجنوباً انطلاقاً من شبه جزيرة القرم إلى مدينة خرسون.
تعثر الهجوم. وبدل حرب المناورة انتقل الجيش الروسي إلى حرب يُعتقد أن الجيش الأوكراني كان قد حضر لها، ألا وهي حرب المدن.
وبالانتقال إلى حرب المدن، يكون الجيش الأوكراني قد حقق ما يلي:
• إجبار الجيش الروسي على الانتقال من حرب الحركية والمناورة، إلى وضع الثبات.
• بدأ الجيش الأوكراني بشن هجومات عكسية (Counter Attacks) لمنع الجيش الروسي من تركيب أي منظومة حصار حول المدن تكون كافية للهجوم عند الجهوزية. تجسدت هذه الهجومات في غرب العاصمة كييف، في كل من إيربين وهوستوميل وبوتشا. بذلك يكون الجيش الأوكراني قد انتقل من وضع الثبات إلى وضع الحركية - المناورة المؤقتة. لكن لماذا مؤقتة؟
• حسب خصائص هذه الحرب، والخلل الكبير في موازين القوى، اعتمد الجيش الأوكراني المعادلة التالية: الدفاع الاستراتيجي والهجوم التكتيكي.
• بينما يعتمد الجيش الروسي مبدأ: الهجوم الاستراتيجي والدفاع التكتيكي.
• وفي هذه الحالة قد يمكن القول إن الحرب الآن هي في وضع المأزق (Stalemate)، أي عجز المُتحاربين عن تغيير هذا الانسداد، اللهم إلا إذا لجأ الأقوى بينهما إلى قلب الطاولة عبر سلاح غير تقليدي. ولهذا الأمر عواقب وخيمة.
إذا أجبر الجيش الأوكراني الجيش الروسي على القتال في حرب ليس مستعداً لها، ولم تكن أصلاً ضمن مخططاته الأساسية - على الأقل هكذا عكس المسرح الحربي.
وبهدف التعويض عن المناورة والحركية، بدأ الجيش الروسي يُكثف الغارات الجوية بنسبة أكثر من 50 في المائة. كما بدأ القصف عن بُعد بالصواريخ الباليستية والكروز، حتى وصل به الأمر إلى استعمال الصواريخ فرط الصوتية «كينجال» (Hypersonic).
من هنا إلى أين؟
يُعول الجيش الروسي على جبهتين يمكن تحقيق بعض الإنجازات فيهما:
• جبهة إقليم دونباس، حيث يوجد بعض التقدم والنجاحات التكتيكية للانفصاليين. وإذا سقط الإقليم، فقد يمكن للجيش الروسي الذهاب إلى العمق الأوكراني باتجاهين: نحو مدينة خاركيف شمالاً، أو غرباً باتجاه مدينة دنيبرو.
• وإذا أضفنا إلى هذا الإنجاز في إقليم دونباس، إمكانية سقوط مدينة ماريبول، فقد يمكن للرئيس بوتين القول إنه حقق نصراً محدوداً. فهل سيُشكل هذا النصر مخرجاً؟
كلا بالطبع، لأسباب عدة بينها:
• الرئيس بوتين يريد كل شيء (Maximalist).
• ولأن الحرب، كما قلنا آنفاً، تُخاض لأهداف سياسية. فكيف سيُترجم الرئيس بوتين هذا النصر العسكري المحدود إلى نصر سياسي، خصوصاً أن الترجمة الفعلية للنصر السياسي تتطلب موافقة الفريق الآخر (أوكرانيا)؟
وهنا نتذكر المقولة التالية: «الحرب يبدأها الأقوى، لكن الضعيف هو من ينهيها».


مقالات ذات صلة

الغرب يعاقب بيونغ يانغ لدعمها موسكو في حرب أوكرانيا

الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في بيونغ يانغ في 19 يونيو الماضي (أ.ب)

الغرب يعاقب بيونغ يانغ لدعمها موسكو في حرب أوكرانيا

استهدفت واشنطن وعواصم غربية النشاطات المالية لكل من كوريا الشمالية وروسيا بعقوبات جديدة هدفهما تعطيل تعاونهما العسكري ودعم بيونغ يانغ لحرب روسيا في أوكرانيا.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ازدياد القلق من أيّ دعم سياسي أو عسكري أو اقتصادي قد تقدّمه روسيا لبرنامج التسلّح غير القانوني لكوريا الشمالية (إ.ب.أ)

أميركا ودول أوروبية تندد بتوطيد العلاقات العسكرية بين موسكو وبيونغ يانغ

حذّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها من أن الدعم «المباشر» الذي تقدّمه كوريا الشمالية لروسيا في أوكرانيا يشكّل «توسّعاً خطراً» للنزاع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال اجتماع موسع لمجلس وزارة الدفاع في موسكو الاثنين (أ.ب)

بوتين يحدد أولويات بلاده... مواصلة الحسم العسكري وتعزيز التحالفات في مواجهة أميركا

أوجز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، مجريات العام الحالي على خطوط المواجهة في أوكرانيا وعدّه «عاماً تاريخياً».

رائد جبر (موسكو)
أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».