إجماع يمني على ضرورة كسر الحوثيين عسكرياً

TT

إجماع يمني على ضرورة كسر الحوثيين عسكرياً

بالتزامن مع تصعيد هجومي إرهابي استهدف منشآت حيوية مدنية سعودية، خرج زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي ليبشر أتباعه في خطبة متلفزة بعام ثامن من الحرب والإرهاب العابر، معرضاً عن كل دعوات السلام الأممية والإقليمية، بما في ذلك تجاهله للمشاورات اليمنية- اليمنية التي يرتب مجلس التعاون الخليجي لاستضافتها.
لم يكترث الحوثي لحجم المأساة التي تسببت فيها جماعته على اليمنيين خلال السنوات الماضية، على كل الأصعدة الإنسانية والاقتصادية والثقافية؛ بل طلب من أنصاره الاستمرار في الجبايات والحشد والتعبئة العسكرية، محدداً شروطه لإنهاء الحرب بتسليم اليمن لحكم ميليشياته، وعدم تدخل تحالف دعم الشرعية في الشأن اليمني؛ بحسب خلاصة خطبته.
وفي ظل هذه المعطيات، يسود في الشارع اليمني يقين مطلق بأن الجماعة الحوثية لن تتوقف أبداً عن التصعيد العسكري؛ سواء في الداخل أو من خلال الهجمات الإرهابية العابرة واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتهديد عصب الاقتصاد العالمي كما حدث مع منشأة «أرامكو» في جدة، في هجمات الجمعة الماضي.
اليقين اليمني إزاء تنامي الأعمال الإرهابية للميليشيات الحوثية، يقابله أيضاً يقين بأن السلام المنشود بموجب المرجعيات المتفق عليها ليس في حسبان الميليشيات الحوثية، ولا في ذهن الراعي الإيراني لهذه الجماعة التي تراهن على قوة السلاح لإخضاع اليمن لحكمها العنصري، وهو ما يجعل أغلب متابعي المشهد يجزمون بأن كسر الميليشيات الحوثية عسكرياً، ونزع سلاحها، هو البوابة التي ستوصل الجميع إلى ردهات السلام.
في هذا السياق، يقرأ الكاتب والإعلامي اليمني أحمد عباس، التصعيد الحوثي المستمر، إذ يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه «في كل مرة يتم فيها دعوة الميليشيا الحوثية للسلام والحوار، يكون ردها رداً سلبياً؛ إذ تقرأ الرسائل بطريقة خاطئة».
ويقول عباس: «بعد الدعوة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي للميليشيا لحضور مشاورات الرياض المرتقبة، كان ردها هو التصعيد العسكري، وقصف الأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية، وكذلك المنشآت النفطية، غير آبهة بما يمثله ذلك من تهديد للاقتصاد العالمي؛ لأنها تدرك تماماً أن أقصى ما ستتعرض له من المجتمع الدولي هو الإدانات الخجولة».
ويقرأ عباس هذا التصعيد الحوثي من زاوية أخرى؛ حيث تنتظر إيران اتفاقاً نووياً يفك قيودها الاقتصادية، ويطلق يدها في المنطقة، ويعتقد أنها «حرضت ذراعها الحوثية في اليمن لتواصل الضغط لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه في ملفها النووي، الذي لولا الحرب الروسية في أوكرانيا لكان قد تم التوقيع النهائي عليه. وهنا نلاحظ أن الهجمات تركز على خزانات النفط، وهي بذلك ترسل رسالة للمجتمع الدولي بأن النفط الإيراني جاهز لتعويض النقص الذي تسبب فيه فرض حظر على النفط والغاز الروسيين».
ويؤكد الكاتب والإعلامي اليمني أحمد عباس، أن الرهان على المجتمع الدولي رهان خاسر، وأنه لا بد من وجود آليات جديدة ووسائل ضغط حقيقية من قبل الشرعية اليمنية والتحالف الداعم لها؛ لأن خطر الجماعة الحوثية -بحسب تعبيره- «لا يمكن كبحه، ولا الحد منه إلا عن طريق التخلص منه واجتثاثه».
ومع التوقيع المنتظر على الاتفاق النووي الذي بات قريباً، يتوقع عباس أن إيران «ستتحرر اقتصادياً، وتزيد من دعمها لكل أذرعها، وعلى رأسها الذراع الحوثية التي سيتضاعف خطرها على اليمنيين وعلى كل دول المنطقة، لدرجة توجب على الجميع التفكير بطريقة مغايرة تمكن من التخلص من هذا السرطان وبتره إلى الأبد»؛ وفق قوله.
أما الإعلامي والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، فيعتقد أن التصعيد غير المسبوق من قبل الحوثيين ضد إمدادات الطاقة، يتعلق «بالضغوط الغربية على مصدِّري النفط لزيادة الإنتاج، نتيجة للأزمة التي تشهدها الأسواق الغربية، وعدم الرد الحازم من قبل المجتمع الدولي، وهو ما شجع الحوثيين أكثر على ارتكاب مزيد من تلك الهجمات».
ويرى الطاهر في تعليقه لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين «يرفضون أي حوار في الرياض ويتجاهلون المكونات السياسية اليمنية الأخرى، وأنهم يحاولون أن ينقلوا الحوار ليكون مع التحالف الداعم للشرعية مباشرة، في مسعى لتصوير أن الحرب قائمة بين اليمن وبين هذه الدول، وليس بين الشعب اليمني وبين جماعة انقلبت على الشعب، وتعيث في أرضهم فساداً خدمة للأجندة الإيرانية».
ويؤكد الطاهر أن احتواء التصعيد الحوثي لن يكون إلا بتحييد الخطر، وإشغال الجماعة في الداخل اليمني «من خلال إطلاق عملية عسكرية برية بغطاء جوي كثيف، على غرار العمليات العسكرية البرية التي نُفذت في شبوة وحريب في يناير (كانون الثاني) الماضي».
ويضيف: «عندما توقف العمل العسكري بشكل كامل، صعَّد الحوثي من عملياته العسكرية على ممر الملاحة الدولية، ومن ثم منابع النفط، ومن ثم فهو لا يمكن أن يتوقف أو يعود للسلام ما لم يتم كسره».
الصحافي اليمني والمحلل السياسي وضاح الجليل، يقرأ التصعيد الحوثي على أنه «تحدٍّ للمجتمع الدولي، في ظل أزمة الطاقة القائمة بسبب الحرب في أوكرانيا»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو كما لو أنهم (الحوثيون) يوجهون رسائل ابتزاز إلى الجميع؛ مطالبين كافة الأطراف بتقديم التنازلات لهم، والاعتراف بهم، وتمكينهم من مشروعهم».
ويضيف الجليل: «لكن هذا ليس كل شيء، فهذه الأعمال العدائية تقف إيران خلفها بالتأكيد، لتأكيد سطوتها وحضورها وقدرتها على إيذاء مصالح الجميع، ولا مبالاتها بما يعانيه العالم من أزمات».
وإضافة إلى امتناع إيران عن المساهمة في حل أزمة الطاقة -كما يقول الجليل- فإنها «تريد أن تشير إلى أنها لن تسمح لدول الخليج بحل هذه الأزمة، وأن لديها القدرة والإمكانية لاستهداف كل المنشآت النفطية في المنطقة، حتى يكون كل من في المنطقة قد قدم لها التنازلات ومكَّنها من مصالحها التوسعية».
ولا يستبعد الجليل وجود ما يصفه بـ«ضوء أخضر» من قبل الأطراف الدولية الفاعلة والمتداخلة في الأزمة الروسية- الأوكرانية، والتي أرادت من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة زيادة إنتاجهما من النفط للتخفيف من حدة الأزمة، ويقول: «هذه الأطراف نفسها استغلت الورقة الحوثية لابتزاز الدولتين الخليجيتين، وقدمت دعماً لوجستياً للحوثيين، ومكنتهم من التوسعة والنفوذ وامتلاك القدرات النوعية لاستهدافهما»، وهو ما يُظهر وفق قوله: «تناقضاً صارخاً لا يعطي أهمية للتحالف العريق بين هذه الدول ودول الخليج والمصالح المتبادلة».
وعن الحل الأمثل -من وجهة نظر الجليل- في وجه التصعيد الحوثي، فيكمن في «التصدي الحازم والحاسم للحوثيين، ومن خلفهم إيران، وعدم السماح لهما بهذا العبث، وإطباق الخناق على هذه الميليشيات وعزلها، وعدم التعاطي معها، وتصنيفها جماعة إرهابية، وسحب كامل الامتيازات التي تحصل عليها حالياً من خلال المنظمات والهيئات الأممية العاملة في مناطق سيطرتها، وتمكين الدولة اليمنية وحكومتها من استعادة السيادة على أراضيها ومؤسساتها».


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.