لا نهاية قريبة لظاهرة التشدد الهندوسي الشعبوي في الهند

في ضوء انتصارات «بهاراتيا جاناتا» الانتخابية الأخيرة

لا نهاية قريبة لظاهرة التشدد الهندوسي الشعبوي في الهند
TT

لا نهاية قريبة لظاهرة التشدد الهندوسي الشعبوي في الهند

لا نهاية قريبة لظاهرة التشدد الهندوسي الشعبوي في الهند

تمكّن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند من الخروج منتصراً في أربع ولايات هندية من أصل خمس شهدت الانتخابات المحلية في الفترة الأخيرة. وكان ينظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها اختباراً لشعبية رئيس الوزراء القومي اليميني ناريندرا مودي قبل الانتخابات العامة المقرّرة في 2024، عندما يسعى للحصول على فترة ولاية ثالثة.
حزب بهاراتيا جاناتا، رأس اليمين القومي الهندوسي الهندي، احتفظ بالسلطة في أربع ولايات - أوتار براديش (أكبر ولايات الهند من حيث عدد السكان) وأوتارانتشال وغوا ومانيبور. ونال الحزب أكبر عدد من الأصوات داخل الولايات الأربع من بين الأحزاب السياسية المشاركة في السباق الانتخابي. وبالنظر إلى العوامل التي بدا أنها تقف ضد الحزب خلال العامين الماضيين، ولقد تنوعت ما بين حركات مناهضة لمودي ومظاهرات جماهيرية تعترض على ظروف اقتصادية صعبة، اكتسب هذا الفوز أهمية كبيرة. بل، جاء ميل الناخبين تجاه التصويت لصالح مَن يشغل السلطة ليثير حيرة علماء السياسة.
وفي حين رأى البعض أن الانتصارات الانتخابية التي حققها بهاراتيا جاناتا «شهادة على إيجابية السياسات التي انتهجها مودي»، واعتبروا أن النتائج تُعد بمثابة استفتاء في منتصف فترة الولاية الثانية لرئيس الوزراء، قلل آخرون - في المقابل - من شأن فوزه، معتبرين أنه جاء نتيجة طبيعية لحالة الاستقطاب التي تسود البلاد.
ومن ثم، كيف تغيّر هذه النتائج الديناميكيات السياسية والاجتماعية على أرض الواقع؟ وما تداعياتها لعام 2024 عندما تعقد الهند انتخابات عامة؟

خلال السنوات الأخيرة، اكتسبت الحركات القومية المستوحاة من الدين مكانة بارزة في العديد من البلدان حول العالم، ولم تكن الهند – كبرى ديمقراطيات العالم – بمنأى عن هذه الظاهرة.
والحقيقة، أنه كثيراً ما شهدنا التركيز على مصطلح «القومية الهندوسية» في كل من وسائل الإعلام الهندية والغربية، وكثيراً ما وصف رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه اليميني القومي الحاكم بأنهم يروّجون لأجندة قومية هندوسية.
لقد كانت العقيدة المميزة لحزب بهاراتيا جاناتا منذ عام 1989 «هندوتفا»، وهي آيديولوجية سياسية تروّج لما تعتبره «قيم» الديانة الهندوسية باعتبارها حجر الزاوية للمجتمع الهندي وثقافته. وبالطبع، تنسجم شخصية مودي للغاية مع آيديولوجية «هندوتفا» الأساسية لحزب بهاراتيا جاناتا. ونتيجة لاعتماد حزب بهاراتيا جاناتا المستمر على آيديولوجية «هندوتفا» العدوانية، تمكن من تحقيق نجاحاته الانتخابية في الماضي.
ومع أن استطلاع رأي أجراه معهد «بيو» عام 2021 حول «الدين في الهند»، أظهر أن التسامح تجاه الأديان الأخرى ما زال قوياً داخل المجتمع الهندي، غدا واضحاً الآن أن عدداً أكبر من الغالبية (الهندوس) يرون الآن أن الدين يشكل جوهر هويتهم، ويدعمون الدعوات لـ«دولة هندوسية».

- أديتياناث... وجه التطرف الجديد
الجدير بالذكر هنا، أن ولاية أوتار براديش، أكبر ولاية هندية وقلب ما يسمّى بـ«الحزام الهندي»، تعدّ موطناً لأكثر عن 220 مليوناً من سكان الهند البالغ عددهم 1.32 مليار نسمة. ويخرج من هذه الولاية أكبر عدد من أعضاء البرلمان الوطني (80) على مستوى البلاد. كذلك، تجدر الإشارة إلى أن حاكم الولاية، يوغي أديتياناث، الذي فاز للتو بولايته الثانية في المنصب، راهب هندوسي تحوّل إلى سياسي. ويرى بعض النقاد السياسيين، أن أديتياناث «خليفة» محتمل لمودي على الصعيد الوطني. وللعلم، تشير الأرقام إلى أن 80 في المائة من سكان ولاية أوتار براديش من الهندوس، مقابل نحو 20 في المائة من المسلمين، وهو ما يشبه تقريباً التركيبة السكانية في باقي الهند.
انتصار حزب بهاراتيا جاناتا داخل ولاية أوتار براديش يوصف بأنه «تاريخي»، وخاصة أنه يأتي معززاً بفوز حاكم الولاية أديتياناث بفترة ولاية ثانية على التوالي، وهذه هي المرة الأولى التي يحقق فيها حاكم للولاية هذا الإنجاز منذ 36 سنة.
وتعليقاً على ما حصل، صرح رافيش كومار، كبير المحرّرين لدى شبكة «إن دي تي في» التلفزيونية الهندية، بأنه «ظهر أديتياناث بمثابة الوجه المعبّر عن اليمين الهندوسي. وخلال فترة ولايته، اتبع سياسات تروّج لفكرة التفوّق الهندوسي، وغيّر أسماء المدن والبلدات التي تحمل طابعاً إسلامياً بأسماء هندوسية، ووجّه بمراجعة الكتب المدرسية لتبييض تاريخ المغول ووافق على قانون يحظر «جهاد الحب» - الممارسة المزعومة المتمثلة في تحويل النساء الهندوسيات إلى الإسلام من خلال الزواج برجال مسلمين. وتمثل هذه الأمور عناصر صورته السياسية. ثم إن أوتار براديش تمثّل قلب هندوتفا باعتبارها موطناً للعديد من المواقع الهندوسية المقدسة، والتي عملت من نواحٍ كثيرة كمركز للسياسة الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا. ولقد عزّز احتفاظ حزب بهاراتيا جاناتا بهذه الولاية، المستقبل السياسي الشخصي لأديتياناث، مع التزام الولاية نوعاً حازماً للغاية من القومية الهندوسية.
وأضاف كومار، أنه منذ إعادة انتخاب مودي المفاجئة عام 2019، ضاعف أديتياناث من جهوده لخدمة مشروع الغالبية الهندوسية لإعادة صياغة جمهورية الهند العلمانية لتصبح دولة هندوسية... وهو أمر يطرح التساؤل الآن: ما الاستنتاجات الأولية التي يمكن استخلاصها من هذه الانتخابات؟
ما زال ناريندرا مودي السياسي الأكثر شعبية في الهند، وهو يُعد وجه حزبه وصوته، بل يعدّ المحرك الأساسي وراء الكثير من الجاذبية التي يتمتع بها الحزب. وبطريقة ما، فإن جزءاً من أي تصويت لصالح أي مرشح من حزب بهاراتيا جاناتا يأتي بمثابة تصويت له. وللعلم، هذه المرة الأولى التي يكون فيها للقوميين الهندوس زعيم معروف بهذا الشكل؛ ولذا فهم حريصون جداً على إبقائه رئيساً للوزراء، والواضح أنه سيظل زعيماً رئيسياً للحزب لسنوات عديدة مقبلة.
من ناحية أخرى، كتب سلمان خورشيد، وزير الخارجية الهندي الأسبق، وهو عضو في حزب المؤتمر الهندي، الذي هو الآن حزب المعارضة الرئيس، في كتابه «(شروق الشمس فوق أيوديا): القومية في عصرنا»، عن تراجع العلمانية في الهند. وعقد مقارنة بين هندوتفا - القومية الهندوسية - التي ازدهرت في عهد مودي و«الجماعات المتطرفة» مثل «داعش». ولكن على الفور جرى رفع دعوى قانونية من قبل رئيس «هندوسينا»، فيشو جوبتا، لوقف نشر الكتاب وبيعه وتوزيعه.
في أي حال، يمكن إرجاع جذور الصراع الديني المعاصر في الهند إلى عام 1947 عندما أعادت بريطانيا - تحت ضغط القادة السياسيين المسلمين الذين أرادوا دولة ذات غالبية مسلمة - ترسيم حدود مستعمرتها. ومن رحم هذا التقسيم لشبه القارة الهندية، ولدت دولة باكستان. إلا أنه نظراً لأن رسم الحدود الجديدة جرى على عجل، تركت هذه العملية العديد من المسلمين والهندوس على الجانب «الخطأ» من الحدود؛ ما أدى إلى موجة من أعمال العنف والإرهاب والتهجير المتبادل أودت بحياة مليون شخص وشردت 14 مليوناً آخرين.
ومع ذلك، بقي ملايين المسلمين يعملون من أجل بناء الهند كدولة مستقلة، وحرص رئيس وزراء الهند الأول جواهر لال نهرو على كبح جماح القومية الهندوسية لصالح رؤية أكثر مساواة للبلاد. وحقاً، لم تبدأ العلمانية في التآكل حتى ثمانينات القرن الماضي، إبان فترات حكم رئيسة الوزراء أنديرا غاندي (ابنة نهرو) وابنها راجيف اللذين اغتيلا على يد مسلحين من الأقليات الدينية والعرقية - السيخ والتاميل على التوالي - الأمر الذي مهّد الطريق أمام حزب بهاراتيا جاناتا لاستغلال التوترات الدينية في البلاد.

- استقطاب الأقليات
باحثون سياسيون يرون، أن الصعود السياسي لحزب بهاراتيا جاناتا يمثل اتجاهاً مثيراً للقلق، ويعبّر عن نهج جديد وقوي من القومية الهندوسية يؤدي إلى اضطهاد الأقليات في أكبر دولة ديمقراطية في العالم. ويقول منتقدو حزب بهاراتيا جاناتا، إن الحزب تعمّد خلق حالة من الاستقطاب داخل المشهد السياسي على أسس طائفية وتهميش الأقليات، مستشهدين بقوانين «المواطَنة الجديدة» المثيرة للجدل، وحظر الحجاب، بل لقد وصل الأمر حد إطلاق سياسيين خطابات يهاجمون خلالها المسلمين.
من ناحيته، يزعم بهاراتيا جاناتا أنه صادق مع شعاره الشامل «دعم الجميع، وتنمية الجميع»، وأنه ليس ثمة مكان لسياسات الاسترضاء. ومن ثم، يتهم بهاراتيا جاناتا، خصمه حزب المؤتمر - وهو الحزب العلماني الجامع الذي أنجز استقلال الهند - بمعاملة المسلمين «كبنك للأصوات الانتخابية، وليس كمواطنين في الهند».
وهنا يلاحَظ أنه جرى استقبال التصريح الأخير لرئيس الوزراء ناريندرا مودي بأن على الحكومة أن تكسب ثقة الأقليات وتخرق «أسطورة الخوف» بطريقتين مختلفتين. إذ إنه لا يزال قسم من المراقبين السياسيين غير مقتنعين بهذا التأكيد، وهم يجادلون بأن سياسة الهندوتفا العدوانية قد همشت الأقليات بالفعل. ويرون أنه إذا كانت حكومة مودي جادة حقاً بشأن انعدام الثقة هذا، فعليها فعل المزيد من الجهود.
في المقابل، استقبل البعض تصريح مودي بروح متفائلة، ورأى أن على الأقليات، وبخاصة المسلمون، «تقدير» لفتة مودي «الإيجابية»، و«العمل على استكشاف إمكانيات الحوار البنّاء». غير أن هذا الكلام يأتي بينما تتحدث المنظمات اليمينية في البلاد، صراحة، عن رؤيتها لتحويل الهند العلمانية إلى دولة هندوسية. ويخشى النشطاء أن يسمح بهاراتيا جاناتا، في هدوء، للأمور بالتحرك في هذا الاتجاه؛ ما قد يعني تقليص حقوق المسلمين وتفاقم أعمال العنف الطائفي.
في هذه الأثناء، وجدت المحكمة العليا في الهند نفسها مضطرة إلى التدخل خلال العام الماضي في ديسمبر (كانون الأول)، عندما وجه رجال دين هندوس متشددون دعوة مفتوحة ضد الأقليات. وفتحت المحكمة العليا تحقيقاً حول خطاب الكراهية ضد الأقليات. وفي هذا الصدد، قال عالم الاجتماع البارز شيف فيزفاناثان معلقاً «إن خطر نظام الغالبية يكمن في أن الغالبية في الأصوات تصبح غالبية في صياغة القانون والنظام. وبالتالي، عندما تقوم بهذا الانتقال، فإنك بهذا تنتقل إلى الاستبداد».

- مخاطر التجييش الديني
في هذا الإطار، ينبغي التذكير بأن الهند موطن لأكثر عن 200 مليون مسلم. ويعتقد باحثون أن الصعود السياسي لحزب بهاراتيا جاناتا «يمثل اتجاهاً يثير القلق حيال وجود نمط قوي من القومية الهندوسية يسفر عن اضطهاد المسلمين في أكبر ديمقراطية في العالم». في المقابل، من المثير للاهتمام، أن رئيس الوزراء الهندي مودي التقى البابا فرنسيس، رأس الكنيسة المسيحية الكاثوليكية ودعاه لزيارة الهند، الدولة التي تضم ثاني أكبر عدد من المسيحيين داخل آسيا. وبينما غرّد عمر عبد الله، رئيس الوزراء السابق لجامو وكشمير التي تديرها الهند، في وقت قريب، قائلاً «لقد أكدت دوماً أنه ليس لدى بهاراتيا جاناتا أي نية لخوض أي انتخابات بأجندة أخرى غير الطائفية الصارخة والكراهية، مع كل السم الموجه إلى المسلمين»، وجه موهان بهاجوات، زعيم منظمة «راشتريا سوايامسيفاك سانغ» اليمينية الهندوسية المتطرفة، الذي يعتبره كثيرون «المرشد الآيديولوجي» لحزب بهاراتيا جاناتا، الهندوس من التحولات الدينية و«التغييرات الديموغرافية» المزعومة في الولايات الشمالية الشرقية للهند، والتي تضم أعداداً كبيرة من المسيحيين. وهذا مع الإشارة إلى أن تسع ولايات هندية على الأقل تخطط لسن قوانين مناهضة للتحول من دين إلى دين آخر. والواقع، أن العديد من المعارضين السياسيين لبهاراتيا جاناتا يؤمنون بأن خطاب الحزب القومي المتطرف القائم على إعلاء شأن القومية الهندوسية، يهدد بإزاحة العلمانية كأساس لدستور الهند. ويعزز هذا الأمر أنه صاحب مساعي بهاراتيا جاناتا لـ«تسييس» الدين الهندوسي في السنوات الأخيرة، انتهاجه - كحزب حاكم - سياسات أشد عدوانية يشكو أبناء الجالية المسلمة في الهند إنها تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

- التشدد الإسلامي المعاكس
ولكن، في الضفة المقابلة، يرى نفر من المحللين السياسيين يعتبرون خطابات بعض القادة المسلمين في السنوات الأخيرة بمثابة تأجيج للانقسام في الهند. وفي هذا المجال، يشير بعضهم إلى أنه في فبراير (شباط) الماضي، لجأ وارث باتان، رئيس مجلس اتحاد المسلمين في الهند والمشرع السابق المثير للجدل، إلى توجيه تهديد علني للهندوس. وحرض المسلمين بالقول «إن الوقت قد حان لمسلمي البلاد لكي يتحدوا ويحققوا الحرية». وأضاف، أنه «على الرغم من أن عدد المسلمين في البلاد يبلغ 200 مليون فقط، فإنه لا يزال بإمكانهم السيطرة على أكثر عن مليار هندوسي». وكان باتان قد حذر الهندوس علناً إزاء ضرورة الخوف من المسلمين، وذكرهم بـ«العواقب» إذا ما أقدموا على مواجهة المسلمين.
أيضاً، قال أوما عبد السلام، رئيس «الجبهة الشعبية الهندية» المتشددة، في بيان له بعد فوز بهاراتيا جاناتا في الانتخابات الأخيرة «جاء نتيجة الاستقطاب الطائفي الواسع النطاق المعتاد» الذي قام به الحزب، مضيفاً «اعتمد حزب بهاراتيا جاناتا بشدة على الطائفية لجذب الأصوات الانتخابية، وبهذا نجحوا في التغلب على مواجهة قضايا المعيشة والسياسة القائمة على القضايا التي نوقشت خلال الانتخابات. وهكذا حوّل بهاراتيا جاناتا انتباه الناس عن سوء الإدارة والقضايا التنموية الأساسية من خلال توحيد عقول الناخبين ونشر دعاية كراهية تستهدف ديانات الأقليات». وتابع سلام «ومن ناحية أخرى، أخفقت الأحزاب العلمانية في تقييم ومعالجة خطورة الوضع، بينما يشكل الاستقطاب الطائفي والكراهية والإبادة الجماعية تهديداً خطيراً لوجودنا كدولة. يجب على هذه الأحزاب العلمانية الآن أن تمعن النظر في الوضع القائم، وأن تتعلم الدروس من فشلها، وأن تعد لتغيير جذري في النهج الذي تتبعه فيما يتعلق بالعلمانية التي يتخيلها ويمارسها». وشدد على أنه ينبغي على هذه الأحزاب الآن على الأقل اتخاذ موقف هادف تجاه إنقاذ بلدنا وقيمه الدستورية من هجمة هندوتفا.
وما يستحق التنويه في هذا الاتجاه، أنه في عام 2019، حمّلت قناة إسلامية على «يوتيوب» تدعى «إم كيه» خطاب داعية متشدد، ظهر فيه يهدد علانية بشن «الجهاد» داخل الهند. وكان داعية متشدد آخر قد طلب من الدول الإسلامية في جميع أنحاء العالم جمع بيانات عن غير المسلمين في الهند الذين ينتقدون الإسلام ويقبضون عليهم عندما يصلون إلى بلادهم ويحاكمونهم بموجب قوانين مكافحة التجديف.


مقالات ذات صلة

آراء متشائمة إزاء مستقبل التسامح والتعددية

حصاد الأسبوع آراء متشائمة إزاء مستقبل التسامح والتعددية

آراء متشائمة إزاء مستقبل التسامح والتعددية

> يرى العالم السياسي الهندي سوهاس بالشيكار، أن ثمة جوانب رئيسة للتحوّل الجاري على صعيد الثقافة السياسية للهند المعاصرة، أبرزها: أولاً، أن الناخب الهندوسي العادي اليوم يميل، على ما يبدو، أكثر عن أي وقت مضى ليصبح جزءاً من كتلة الناخبين المؤيدة للهندوتفا، والتي جرت تعبئتها سياسياً. وأظهر حزب بهاراتيا جاناتا، على مدى العقد الماضي، مراراً وتكراراً قدرته على استقطاب فعّال للناخبين على أساس الهوية الدينية.

أولى «الشعبوية»... من شعار إلى برنامج حكم

«الشعبوية»... من شعار إلى برنامج حكم

بعدما بدأت شعاراً فقط، باتت «الشعبوية» الآن برنامج حكم يتسع على امتداد عدد من الدول الغربية المؤثرة، ويمتد صداه إلى دول أخرى. وتمثل آخر الحصاد الشعبوي بوصول بوريس جونسون إلى منصب رئيس الحكومة البريطانية مؤخراً، رغم أن حدثاً كهذا كان يبدو مستبعداً قبل عقد من الزمان؛ فأن يصل سياسي بمواصفات جونسون إلى قيادة إحدى أعرق الديمقراطيات الغربية لم يكن في الحسبان، فلا حزبه، حزب المحافظين، كان يتيح ذلك، نظراً لميل تقليدي في صفوفه إلى الاعتدال واتساع مساحة النقاش الداخلي، ولا بريطانيا كانت تُعرف عنها مسايرتها لسياسات هي أقرب إلى العنصرية والتماهي مع اليمين المتطرف، كما هي اليوم. وقبل وصوله إلى لندن، كان هذ

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم منظمة حقوقية متفائلة باتساع «مقاومة» الشعبوية

منظمة حقوقية متفائلة باتساع «مقاومة» الشعبوية

اعتبرت «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها السنوي لعام 2018، أن فوز الفرنسي إيمانويل ماكرون يشكل «المثال الأوضح لنجاح مقاومة الشعبوية» التي انتشرت في الكثير من دول العالم.

«الشرق الأوسط» (باريس)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.