«الناتو» يتجنب تحديد ردوده على انتهاك روسيا لـ«الخطوط الحمراء»

أمين عام «الناتو» ينس ستولتنبرغ قال إن «أي هجوم بسلاح كيماوي سيغير تماماً طبيعة النزاع» لكنه لم يكشف عن طبيعة الرد على خطوة روسية من هذا النوع (رويترز)
أمين عام «الناتو» ينس ستولتنبرغ قال إن «أي هجوم بسلاح كيماوي سيغير تماماً طبيعة النزاع» لكنه لم يكشف عن طبيعة الرد على خطوة روسية من هذا النوع (رويترز)
TT

«الناتو» يتجنب تحديد ردوده على انتهاك روسيا لـ«الخطوط الحمراء»

أمين عام «الناتو» ينس ستولتنبرغ قال إن «أي هجوم بسلاح كيماوي سيغير تماماً طبيعة النزاع» لكنه لم يكشف عن طبيعة الرد على خطوة روسية من هذا النوع (رويترز)
أمين عام «الناتو» ينس ستولتنبرغ قال إن «أي هجوم بسلاح كيماوي سيغير تماماً طبيعة النزاع» لكنه لم يكشف عن طبيعة الرد على خطوة روسية من هذا النوع (رويترز)

الرأي السائد في أوساط الحلف الأطلسي الذي هو الذراع الضاربة للغربيين أن لا أحد يعرف حقاً طبيعة مخططات الرئيس الروسي، وأين ومتى ستتوقف حربه على أوكرانيا، والأهم من ذلك كله الوسائل العسكرية التقليدية وغير التقليدية التي قد يلجأ إليها.
وبالمقابل، يتعرض الأطلسيون لضغوط مزدادة من قبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يريد مزيداً من الدعم بمختلف الأشكال، خصوصاً الدعم العسكري. وفي كلمته المسجلة لقادة الحلف الأطلسي في اجتماعهم ببروكسل صباح الخميس، طالبهم زيلينسكي بأن يعطوا بلاده 1 في المائة مما تختزنه مستودعاتهم من الدبابات والطائرات القتالية لتميكن قواته من مواجهة القوات الروسية. وتوجه مباشرة إلى الرئيس المجري فيكتور أوربان، المقرب من موسكو والرافض أن تمر في الأراضي المجرية الأسلحة المخصصة لأوكرانيا قائلاً له: «هل تعلم يا فيكتور ماذا يحصل في ماريوبول؟» المدينة المطلة على بحر آزوف التي تحاصرها القوات الروسية وقوات الانفصاليين منذ أسابيع من كل الجهات التي تعاني من القصف المدفعي والصاروخي بلا توقف. وتبين الصور الجوية والشهادات الدمار الواسع الذي لحق بالمدينة التي لم تستسلم حتى اليوم، وقد رفضت العرض الروسي بوقف العمليات العسكرية التي تستهدفها مقابل إلقاء سلاحها. وبالطبع، جاء الرد الأطلسي على زيلينسكي سلبياً، بحيث لن تحصل كييف على طائرات أو على دبابات من أعضاء الحلف، لأن ذلك ستعده موسكو «مشاركة في الحرب»، الأمر الذي يتجنبه الغربيون لاعتبارهم أن الأهم أن تبقى الحرب محصورة في أوكرانيا غير المنتمية للحلف وألا تتمدد إلى خارجها، لأن ذلك سيعني اندلاعها بين روسيا والحلف الأطلسي بما يفتح الباب لحرب قد تصبح نووية بالنظر إلى أن القوتين النوويتين الكبريين في العالم هما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
يبدو واضحاً أن النتيجة المباشرة للموقف الأطلسي أن الغربيين وضعوا لأنفسهم «خطاً أحمر» بخصوص درجة انغماسهم في الحرب الأوكرانية. وقد سبق لهم أن التزموا به مرتين: الأولى، عندما رفضوا انضمام كييف إلى الحلف والثانية عندما تجاهلوا طلبها بإقامة منطقة حظر جوي من شأنها أن تمنع الطائرات القاذفة والمقاتلة الروسية من التحليق في الأجواء الأوكرانية. وكترجمة لذلك، رفضت واشنطن العرض البولندي بتسلم 29 طائرة «سوخوي» تابعة للقوات الجوية البولندية لنقلها لاحقاً إلى القوات الجوية الأوكرانية من قاعدة جوية للأطلسي على الأراضي الألمانية مقابل تسلمها طائرات عسكرية أميركية الصنع. وبررت واشنطن الرفض بأن العملية «بالغة التعقيد». إلا أن السبب الحقيقي هو تخوف الإدارة الأميركية من الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع القوات الروسية. وخلاصة المراقبين الغربيين أن الحلف الأطلسي قد «وضع خطوطاً حمراء لنفسه»، لكنه لم يضع خطوطاً حمراء لروسيا. ولخص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الموقف الغربي بقوله أول من أمس: «نريد أن نوقف الحرب (على أوكرانيا) من غير أن نخوضها». وأكثر من مرة، أكد القادة الغربيون أنهم «ليسوا في حالة حرب مع روسيا».
في الأيام الأخيرة، تكاثرت توقعات الغربيين بخصوص احتمال لجوء الطرف الروسي إلى استخدام أسلحة دمار شامل، خصوصاً السلاح الكيماوي. وحتى اليوم، يتردد الحلف الأطلسي في تحذير موسكو من أن اللجوء إلى هذا السلاح أو غيره سيعده الغربيون «خطاً أحمر»، وأنه سيستدعي رداً من جانبه. وعبر أمين عام الحلف الأطلسي أن «أي هجوم بسلاح كيماوي سيغير تماماً طبيعة النزاع». بيد أن ينس ستولتنبرغ لم يأتِ على طبيعة الرد الأطلسي على خطوة روسية من هذا النوع التي ينظر إليها الغربيون بعين الجد. والدليل على ذلك، ليس فقط تصريحاتهم العلنية، بل أيضاً إقدامهم على توفير الوسائل الضرورية للجانب الأوكراني للتعامل مع أي هجوم بسلاح كيماوي، بيولوجي أو حتى نووي. ولما سئل الرئيس الأميركي في بروكسل، في مؤتمره الصحافي عن الرد الأطلسي على هجوم من هذا النوع، فضل الالتزام بالعموميات، إذ اعتبر أن «طبيعة الرد ترتبط بطبيعة السلاح المستخدم». أما الرئيس ماكرون فقد فضل أيضاً الابتعاد عن الوضوح لدى سؤاله عما سيقوم به الغربيون على هجوم روسي غير تقليدي. وبرأيه، فإن «الغموض الاستراتيجي والسرية أكثر فاعلية» من عرض طبيعة الردود.
حقيقة الأمر أن كثيراً من المراقبين الغربيين يرون أن الحلف الأطلسي لا يريد أن يكبل يديه بمواقف قد لا يتمكن من الالتزام بها، كما أنه يحرص على عدم استنساخ ما حصل في عام 2013، بعد أن اعتبر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لجوء النظام السوري إلى السلاح الكيماوي خطاً أحمر سيستدعي ردأ أميركياً وغير أميركي. والحال أن أوباما تراجع عن الوفاء بوعده. كذلك فعلت لندن ووجدت باريس التي كانت مصرة على معاقبة نظام الرئيس الأسد، نفسها في وضع حرج بعد تراجع حليفيها الأميركي والبريطاني. من هنا، بقيت هذه المسألة في إطار العموميات، لا بل إن الأمانة العامة للحلف الأطلسي أو أياً من أعضائه الرئيسيين لم يصدر تحذيراً رسمياً وعلنياً للسلطات الروسية بشأن اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل وطبيعة الرد الغربي عليها، بل اكتفوا بالقول إن تحولاً من هذا النوع «لن يبقى من غير رد». وكان زيلينسكي قد أكد أول من أمس عدم استبعاده استخدام روسيا للسلاح الكيماوي في حربها على بلاده.
مقابل الغموض الذي يحيط بـ«الخطوط الحمراء» ذات الصلة باستخدام أسلحة الدمار الشامل، فإن قادة الحلف كانوا بالغي الوضوح فيما خص استهداف أحد أعضائه من خلال التأكيد على تفعيل المادة الخامسة من شرعة الحلف، الأمر الذي لا ينسحب على أوكرانيا ومن خلال تعزيز الحضور العسكري على الجبهة الشرقية وإرسال قوات وتعزيزات إلى البلدان القريبة من خط المواجهة مع روسيا. وبكلام آخر، فإن الاستراتيجية الغربية مزدوجة: من جهة، التركيز على زيادة الضغوط الاقتصادية والمالية والتجارية على روسيا لخنق اقتصادها والاهتمام بالمسائل الإنسانية ورعاية اللاجئين بالتوازي مع تعزيز القوات الأوكرانية بالأسلحة الدفاعية، خصوصاً الصواريخ المضادة للدروع والطائرات. وغرضهم من ذلك تمكين القوات الأوكرانية من «احتواء» الهجوم الروسي وعدم تمدده خارج أوكرانيا وتلافي أي احتكاك مباشر مع القوات الروسية، آملين في أن تكون هذه الخطة كافية لدفع الرئيس بوتين لتغيير حساباته والتفاوض بجدية لإنهاء الحرب. والوجه الثاني لهذه الخطة إبراز أنياب الأطلسي وتأكيد استعداده للرد على أي هجوم ضد أي من أعضائه. أما طبيعة رد الحلف على لجوء روسيا إلى أسلحة الدمار الشامل على المسرح الأوكراني فقد بقي حتى اليوم في منطقة «رمادية»، ولا ينتظر أن تتوضح المواقف لما في ذلك من رهانات بعضها غير مضمون النتائج.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
TT

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)

أعلن قادة مجموعة الدول السبع الكبرى في بيان، الخميس، إنهم على استعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت مجموعة السبع أن الانتقال السياسي بعد نهاية الحكم الاستبدادي، الذي دام 24 عاماً لبشار الأسد، يجب أن يضمن «احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

وطالبت المجموعة أيضاً بضرورة «محاسبة نظام الأسد».

وأضاف البيان: «ستعمل مجموعة السبع مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير، وتكون نتاج هذه العملية، وتدعمها بشكل كامل».

كما دعا القادة «كل الأطراف» إلى «الحفاظ على سلامة أراضي سوريا، ووحدتها الوطنية، واحترام استقلالها وسيادتها».