تردد أميركي حول منطقة آمنة في سوريا.. والمعارضة تلح وتركيا تنفي وجود خطط

ديمبسي: القوات الأميركية قادرة على إقامة مثل هذه المنطقة.. إلا أن الأمر يتطلب قرارًا سياسيًا كبيرًا

مقاتلان من {تجمع العزة} بريف حماه وسط سوريا يطلقون النار على طائرة تابعة للنظام أول من أمس (رويترز)
مقاتلان من {تجمع العزة} بريف حماه وسط سوريا يطلقون النار على طائرة تابعة للنظام أول من أمس (رويترز)
TT

تردد أميركي حول منطقة آمنة في سوريا.. والمعارضة تلح وتركيا تنفي وجود خطط

مقاتلان من {تجمع العزة} بريف حماه وسط سوريا يطلقون النار على طائرة تابعة للنظام أول من أمس (رويترز)
مقاتلان من {تجمع العزة} بريف حماه وسط سوريا يطلقون النار على طائرة تابعة للنظام أول من أمس (رويترز)

عادت المطالبات بإقامة منطقة آمنة في سوريا إلى صدارة المحادثات في واشنطن حول الأوضاع في سوريا، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تبدو مترددة في المضي قدما لتنفيذ مقترح إقامة منطقة آمنة أو منطقة عازلة لتوفير المساعدات الإنسانية للسوريين، كما أن هناك تباينا كبيرا في مواقف كبار القادة العسكريين حول إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، وهو ما بدا واضحا في شهادة وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر وشهادة رئيس هيئة الأركان المشتركة (المنتهية ولايته) الجنرال مارتن ديمبسي أول من أمس أمام لجنة فرعية بمجلس الشيوخ لمناقشة الميزانية المقترحة لوزارة الدفاع لعام 2016.
غير أن المعارضة السورية من طرفها، ترى أنّ كل المعطيات السياسية والعسكرية تشير إلى أنّ هناك توجّها دوليا نحو اتخاذ قرار بفرض منطقة آمنة في سوريا، وكان اللقاء الأخير بين رئيس الائتلاف خالد خوجة ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، الأسبوع الماضي، إيجابيا وممهدا لهذا الأمر، وفق ما أشار إليه نائب رئيس الائتلاف هشام مروة، لكن تركيا نفت لـ«الشرق الأوسط» وجود «خطط جدية بهذا الشأن».
وأكد وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر في إجابته على أسئلة أعضاء اللجنة بمجلس الشيوخ، أن إقامة منطقة إنسانية آمنة في سوريا يتطلب عملية قتالية كبيرة تقوم فيها القوات الأميركية بقتال المتطرفين والنظام السوري معا. وأوضح كارتر أن إقامة منطقة عازلة والحفاظ عليها يتطلب أن تدخل الولايات المتحدة في عمليات قتالية من أجل الحفاظ عليها، ولهذا فإن هذه المسألة يصعب التفكير فيها. وحذر كارتر من أن حكومات دول في المنطقة قد لا يكون في حساباتها المساهمة في إقامة مثل هذه المنطقة الآمنة، وقال: «مع عدم وجود دعم عسكري من جيران سوريا، فإن الولايات المتحدة ستحتاج إلى إنشاء المنطقة والدفاع عنها من الناحية العملية.. وهذه مهمة قتالية كبيرة»..
وقال السيناتور الديمقراطي ديك دوربان أحد أعضاء اللجنة الذي يساند إقامة منطقة آمنة في سوريا «رغم أن ما يحدث في سوريا قد لا يبدو عملية إبادة بالمعنى القانوني الكلاسيكي، فإن الأزمة الإنسانية في سوريا هي الأكبر في وقتنا الحالي ولا تبدو لها نهاية في الأفق». وطالب السيناتور دوربان بأن تنسق الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة وغيرها من الدول لتنفيذ فكرة إنشاء منطقة آمنة.
على الطرف الآخر أشار رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي أن القادة العسكريين يخططون منذ فترة لأي حالات طارئة، ووضعوا خططا طارئة لإقامة مثل هذه المناطق الآمنة بالتشاور مع نظرائهم الأتراك. وقال ديمبسي «أستطيع أن أقول لكم بأنه من الجانب العسكري، فإن القيادة المركزية الأميركية جنبا إلى جنب مع القيادة الأوروبية ونظرائنا الأتراك كانوا يخططون لمثل هذه الطوارئ لبعض الوقت». وأكد ديمبسي أن القوات الأميركية قادرة على إقامة مثل هذه المنطقة العازلة في سوريا وأن إقامتها تعد عملية عسكرية، إلا أن الأمر يتطلب قرارا سياسيا كبيرا. وشدد ديمبسي أنه لتحقيق قرار بإقامة منطقة آمنة، يتطلب الأمر أن يشارك في تنفيذه شركاء إقليميون.
وقال الناطق بلسان الخارجية التركية طانجو بيلغيتش لـ«الشرق الأوسط»، بأنه لا جديد بعد بشأن إقامة مناطق آمنة في شمال سوريا، لكنه أشار في المقابل إلى أن موقف بلاده واضح في هذا الشأن، إذ طالبت أنقرة بهذا الأمر منذ فترة طويلة، ولو نفذ لكانت أمور كثيرة تغيرت الآن.
وكانت تركيا قد طرحت الفكرة في عدة لقاءات مع مسؤولين أميركيين وبريطانيين، وساندت فرنسا الفكرة لحماية اللاجئين السوريين. كما أبدى حلف الناتو استعداده لمناقشة الفكرة وإمكانيات تنفيذها لإنقاذ المدنيين السوريين.
وأثار خالد خوجة رئيس الائتلاف السوري المعارض خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في واشنطن الأسبوع الماضي، إقامة مناطق آمنة في سوريا، معلنا أن سبب زيارته هو طلب مساعدة الولايات المتحدة في إقامتها في المناطق المحررة في سوريا. وفي الكونغرس أيضا تصاعدت المطالبات لإقامة منطقة آمنة في سوريا لحماية السوريين. وطالب السيناتور جون ماكين مرارا بوجوب إنشاء منطقة آمنة لحماية المدنيين السوريين.
ودعا أربعة أعضاء بمجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في خطاب إلى الرئيس أوباما في 22 أبريل (نيسان) الماضي، إلى العمل مع الحلفاء لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، من دون تأخير. وهدف هذه المناطق هو توفير الحماية الضرورية للمدنيين السوريين النازحين، وتأمين عبور آمن للإمدادات الإنسانية التي يحتاجها السوريون بشكل ملح.
وكرر خوجة، يوم أمس، مطالبته بإنشاء مناطق آمنة، مؤكدا «أن إنشاء مثل هذه المناطق ضرورة من أجل تشكيل إدارة مدنية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لا سيما بعد الانتصارات الكبيرة التي أحرزها الثوار في شمال سوريا وجنوبها». وفي حديث له مع صحيفة «حريات التركية» قال خوجة، بأن هدف الثورة حاليًا هو تشكيل مناطق آمنة قبل التوجه لحصار دمشق، مشيرا «إلى أنّه بعدما كان الثوار مهددين بالحصار في حلب، باتوا اليوم هم من يحاصرون قوات النظام هناك».
ورأى مروة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي لجهة أنّ هناك خططا جاهزة لتنفيذ خيار المناطق الآمنة، يعني تصعيدا أميركيا ويعكس جدية في التعامل مع هذا الموضوع ورسالة واضحة للرئيس السوري بشار الأسد.
واعتبر مروة أنّه وفي ظل التردّد الأميركي بشأن التدخّل العسكري يأتي قرار المنطقة الآمنة كحلّ وسطي لمواجهة استمرار النظام في حربه وقصفه المدنيين بالطيران، مشيرا إلى أنّ اللوبي العربي والحقوقي في أميركا يبذل جهودا في هذا الإطار، بعدما كان مطلبا أساسيا ومدعوما من قبل تركيا. وفيما رجّح مروة أن تكون المنطقة الآمنة في بعض مناطق الشمال والجنوب الخاضعة لسيطرة الجيش الحر، رأى أن هذا الأمر تحدّده التطورات والظروف الميدانية والعسكرية حيث من المفترض أنّ يمنع استهدافها من الطيران ومن قبل طرفي النزاع، النظام والمعارضة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم