شهر على الحرب... خسائر فادحة للروس وحصار المدن يواجه بهجمات مضادة

روسيا تواجه «أكبر تحد» في تاريخها

شهر على الحرب... خسائر فادحة للروس وحصار المدن يواجه بهجمات مضادة
TT

شهر على الحرب... خسائر فادحة للروس وحصار المدن يواجه بهجمات مضادة

شهر على الحرب... خسائر فادحة للروس وحصار المدن يواجه بهجمات مضادة

مع مرور شهر أمس، على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، بدا أن الوضع الميداني شهد تحولات لافتة. بعد مرور أكثر من أسبوعين تعثر خلالها تقدم الجيش الروسي في غالبية المحاور. وتكبد وفقاً لمعطيات أوكرانية خسائر فادحة لم يسبق أن واجهتها روسيا في حروب سابقة. ومع تواصل حصار المدن الأوكرانية الكبرى، وتعرضها لضغط عسكري متواصل، لم ينقذ التقدم البطيء في مناطق الجنوب الأوكراني وخصوصاً في ماريوبول التي أعلنت موسكو السيطرة على نحو 60 في المائة من أراضيها، سمعة الجيش الروسي، الذي أظهر تحركه في أوكرانيا وفقاً لخبراء عسكريين غربيين أنه «أقل خطراً بكثير مما كان الغرب يعتقد».
في هذه الظروف تحولت الأنظار نحو توقع مزيد من التصعيد الحربي الروسي في محاولة لإحراز «نصر سريع» في بعض المواقع، خصوصاً مع دخول عنصر الهجمات المضادة الأوكرانية على الترسانة العسكرية الروسية المهاجمة، وهو ما أظهره استهداف سفن حربية روسية في بحر آزوف أمس.
أمام هذا المشهد، بدأت تتعالى أصوات في روسيا تتحدث عن «مواجهة وجودية» تخوضها روسيا حالياً عبر الحرب الأوكرانية. وقال مستشار الرئيس الروسي فلاديمير ميدينسكي الذي يقود وفد بلاده إلى المفاوضات مع أوكرانيا، إن «الغرب الجماعي يدفع روسيا نحو تدمير نظامها السياسي».
وزاد أن «وجود روسيا بات على المحك اليوم» ملاحظاً أن «ما يحدث في العالم اليوم بالنسبة إلى روسيا هو التحدي الأكبر في التاريخ، وعلينا أن نتصرف بما يتناسب مع حجم هذا التحدي».
وحملت هذه العبارة تكرار مقولة رئيس الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين الذي كان قد أعلن في وقت سابق أن «مصير ومستقبل ومكانة روسيا العالمية يتحدد الآن»، مشيراً إلى أن بلاده لا يمكن أن تتراجع عن مواقفها أو أن تقبل الخضوع لسياسات الهيمنة التي يحاول الغرب فرضها عبر حزم العقوبات المشددة.

على هذه الخلفية، اتخذت التساؤلات حول اختفاء بعض الشخصيات الروسية البارزة عن المشهد السياسي والإعلامي في البلاد خلال الأسبوعين الأخيرين دلالات مهمة، خصوصا أن ذلك ترافق مع تزايد المعطيات عن تزايد الرغبة لدى بعض الشخصيات المهمة لتقديم استقالات من الوظائف الرسمية، وفي هذا السياق تسربت معطيات حول تقديم رئيسة البنك المركزي ايلفيرا أنابولينا استقالتها مرتين خلال الشهر الأخير، لكن الرئيس فلاديمير بوتين رفض طلبها وأعاد تأكيد ترشيحها مجدداً للمنصب إلى البرلمان. أيضاً اتضح أمس، أن أناتولي تشوبايس مستشار الرئيس الروسي لشؤون التنمية قدم استقالته بشكل مفاجئ وغادر البلاد مع أفراد عائلته إلى تركيا. ليكون أول مسؤول مهم في الكرملين يغادر منصبه ويترك البلاد. لكن الأبرز، جاء عبر الضجة التي أثيرت حول «اختفاء» وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف عن الأنظار منذ 11 مارس (آذار). ولم يتم تسجيل أي حضور مباشر في اجتماعات رسمية أو أي ظهور إعلامي للمسؤولين منذ ذلك الوقت، ما أثار تكهنات واسعة خصوصاً أنهما المسؤولان المباشران رسمياً عن مسار المعارك في أوكرانيا، فضلاً عن أنهما بحكم القانون الروسي المسؤولان اللذان يتحملان مع رئيس البلاد مسؤولية اتخاذ القرار حول أي قرارات عسكرية مصرية بما في ذلك على صعيد إمكان استخدام السلاح النووي.
هذا الغياب، لم يجد تفسيرا رسميا، خصوصا مع تعمد الكرملين في 18 مارس (آذار) الإعلان عن مشاركة شويغو في اجتماع لمجلس الأمن القومي، من دون أن ينقل أي صور للقاء تؤكد حضور الوزير خلاله.
وتكرر هذا الأمر أمس، من خلال إعلان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن شويغو حضر اجتماعا جديدا للمجلس، أبلغ خلاله بوتين وأعضاء مجلس الأمن بمسار العملية العسكرية. وكان لافتا مجددا أن الكرملين لم ينشر صورا للقاء خلافا للعادة. كما أن وكالات الأنباء الحكومية وضعت صورة قديمة لبوتين مع الخبر. وذكر بيسكوف، أنه حضر الاجتماع رئيس الحكومة ميخائيل ميشوستين، ورئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفيينكو، ورئيس مجلس الدوما فياتشسلاف فولودين، وباقي أعضاء المجلس الدائمين. و«خلال الاجتماع سرد وزير الدفاع سيرغي شويغو، التقدم الذي تم تحقيقه حتى الآن في العملية العسكرية الخاصة، وتقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين وضمان الأمن وإعادة عمل البنية التحتية الحيوية في الأراضي المحررة». وأضاف بيسكوف: «تم النظر بالتفصيل في سير عملية التفاوض مع أوكرانيا. وأعرب المشاركون عن الأسف للتلكؤ من الجانب الأوكراني». وفي وقت لاحق أمس، اضطر بيسكوف إلى الرد على أسئلة الصحافيين حول تفسير «اختفاء» شويغو فقال: وزير الدفاع ليس لديه وقت للظهور الإعلامي بسبب انشغاله البالغ في ظل استمرار العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
ونفى في الوقت ذاته، صحة معطيات رددتها وسائل إعلام حول احتمال أن يكون الوضع الصحي لشويغو تدهور بشكل مفاجئ. وقال الناطق الرئاسي إن هذه المعطيات «لا أساس لها».
في السياق ذاته، لفتت المعارضة الروسية إلى تزايد أعداد المعارضين الذين غادروا روسيا خلال الشهر الأخير اعتراضاً على الحرب على أوكرانيا أو بسبب الخشية من ملاحقات بعدما فرضت روسيا تدابير مشددة ضد «تداول معلومات تضليلية» في إشارة إلى أن معطيات تخالف البيانات الرسمية الروسية. ووفقاً لأطراف متطابقة داخل روسيا وخارجها، فقد غادر البلاد نحو 300 ألف شخص جزء كبير منهم من الصحافيين والكتاب والفنانين والشخصيات البارزة والناشطين في مجالات مختلفة. ولجأ الجزء الأعظم من هؤلاء إلى جورجيا وأذربيجان وتركيا.
وتصل عقوبة من يثبت أنه قام «بتضليل إعلامي» إلى السجن لمدة 15 سنة، وجاء الإعلان أمس، عن رفع قضية جنائية تحت طائلة هذا القانون ضد الإعلامي والناشط سيرغي كليوكوف ليكشف جانباً مهماً من خطورة القانون، إذ قدمت النيابة العامة إثباتات على الاتهامات الموجهة تستند إلى مكالمة هاتفية قال فيها المتهم إن أرقام ضحايا الحرب من العسكريين الروس أعلى من الرقم الرسمي. وكانت قضايا مماثلة رفعت ضد ناشطين روس كتبوا عبارات مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد مرور شهر على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يبدو المشهد في الداخل الروسي أكثر قلقا من أي وقت سابق، وسط انقسام اجتماعي واسع، وتدهور اقتصادي ومعيشي غير مسبوق. وفي ساحة المعركة تبدو موسكو عاجزة عن إحراز تقدم سريع، ما يهدد وفقاً لخبراء بأن يقرر الكرملين الذهاب بعيداً نحو تصعيد أوسع لحسم المعركة.


مقالات ذات صلة

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».