لجوء روسيا إلى استخدام «الكيماوي» يتصدر ملفات «قمة الأطلسي»

باريس: زيلينسكي فتح الطريق لمفاوضات جدية لكن لا توافق بعد مع روسيا على المحددات

زيلينسكي يتحدث إلى النواب والشيوخ الفرنسيين في جلسة مشتركة أمس (أ.ف.ب)
زيلينسكي يتحدث إلى النواب والشيوخ الفرنسيين في جلسة مشتركة أمس (أ.ف.ب)
TT

لجوء روسيا إلى استخدام «الكيماوي» يتصدر ملفات «قمة الأطلسي»

زيلينسكي يتحدث إلى النواب والشيوخ الفرنسيين في جلسة مشتركة أمس (أ.ف.ب)
زيلينسكي يتحدث إلى النواب والشيوخ الفرنسيين في جلسة مشتركة أمس (أ.ف.ب)

سيناريو «التصعيد العامودي» في الحرب الروسية على أوكرانيا هو المفهوم الجديد الذي استخدمته مصادر رئاسية فرنسية أمس للحديث عن احتمال لجوء موسكو إلى استخدام السلاح الكيماوي على الأراضي الأوكرانية. وسيكون هذا الموضوع مادة في النقاشات المرتقبة اليوم وغداً في بروكسل في إطار القمتين الأطلسية والأوروبية اللتين سيشارك فيهما الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وفيما حذر الرئيس الأميركي جو بايدن أمس قبل سفره إلى أوروبا للمشاركة في القمم الثلاث «الأطلسية والأوروبية ومجموعة السبع» من أن لجوء موسكو إلى السلاح الكيماوي يمثل «تهديداً حقيقياً» بالتوازي مع تعبير المستشار الألماني عن مخاوفه «من تهديدات بوتين المقنعة باللجوء إلى السلاح الكيماوي»، فإن الغربيين ما زالوا حتى اليوم بعيدين عن تعيين ما يسمى بـ«الخطوط الحمراء» التي يتعين على روسيا الامتناع عن تخطيها، سواء أكان ذلك كيماوياً أو نووياً، وطبيعة الرد الغربي على ذلك. وجلّ ما صدر علناً تنبيه ينس ستولتنبرغ، أمين عام الحلف الأطلسي أمس، في مؤتمره الصحافي، في مقر الحلف، في بروكسل، من أن خطوة روسية من هذا النوع «ستعني تغيير طبيعة الصراع». إلا أنه حرص على البقاء في منطقة رمادية، بحيث امتنع عن تفصيل ما سيكون عليه ردّ فعل الحلف الأطلسي على تصعيد من هذا النوع، مكتفياً بالقول إن قادة الحلف الأطلسي يفترض أن يتفقوا على مزيد من الدعم لأوكرانيا للتصدي للتهديد النووي والكيميائي في مواجهة الغزو الروسي، وتعزيز القوات الحليفة في الجناح الشرقي للأطلسي. وترى مصادر دفاعية فرنسية أنه لا مصلحة للغربيين بتعيين «الخطوط الحمراء»، ولا بتحديد طبيعة الرد الغربي. إلا أن مصادر قصر الإليزيه قالت أمس، في معرض تقديمها للمنتظر من القمم الثلاث، إن المطلوب هو «المحافظة على قناة حوار مع الرئيس الروسي»، من أجل تجنب سيناريوهات من هذا النوع، مؤكدة أن الأوروبيين والأطلسيين سيدرسون «احتمالات التصعيد واللجوء إلى الأسلحة غير التقليدية».
بيد أن باريس التي ترأس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية شهر يونيو (حزيران) المقبل، تريد بالتوازي التركيز على الجهود التي من شأنها توفير مخرج من الحرب الدائرة حالياً. ولذا، فإن القادة الغربيين سيعمدون إلى تقييم الجهود الدافعة في هذا الاتجاه، في إطار المفاوضات المباشرة التي حصلت بين الطرفين الروسي والأوكراني، أو من خلال التشاور مع الأطراف التي تحاول القيام بوساطة بين موسكو وكييف. ويرى الغربيون أن الطريق إلى ذلك تمر من خلال وقف لإطلاق النار أو للأعمال العدائية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق والمدن المحاصرة قبل الدخول في جولة جديدة من المفاوضات. ويتطابق هذا الطرح مع ما يريده الأوكرانيون الذين يضيفون عليه شرط انسحاب القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا. وتعتبر باريس أن الرئيس زيلينسكي «فتح الطريق» لمفاوضات جدية، من خلال قبوله مبدأ حياد أوكرانيا، مقابل الحصول على ضمانات أمنية جدية وقبوله مناقشة وضعي شبه جزيرة القرم والجمهوريتين الانفصاليتين. ويفهم من كلام المصادر الفرنسية أن باريس يمكن أن تقبل ما يقبله الأوكرانيون ومؤسساتهم، مشيرة إلى أن ربط زيلينسكي موضوع دونيتسك ولوهانسك باستفتاء لا يعني أبداً أنه مستعد للتخلي عن وحدة أراضي أوكرانيا. وفي أي حال، ما زالت باريس لا ترى حتى اليوم وجود توافق على «المحددات» التي من شأنها تيسير حصول تقدم في المفاوضات. وما زالت فرنسا تتهم روسيا بـ«التظاهر» بالتفاوض، وليس التفاوض الفعلي. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الانتقادات التي وجّهها أمس سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، للجانب الأميركي الذي اتهمه بعرقلة المحادثات التي وصفها بـ«الصعبة» مع الوفد الأوكراني. وقال لافروف، في خطاب ألقاه أمس أمام مجموعة طلابية، إنه «من الصعب أن نتخلص من الانطباع بأن زملاءنا الأميركيين يمسكون بأيدي (الأوكرانيين)» الذين يعمدون إلى تغيير مواقفهم «تكراراً». وأضاف الوزير الروسي أن الأميركيين «يفترضون ببساطة أن إنهاء هذه العملية (التفاوضية) بسرعة ليس مفيداً لهم». وردّ رئيس الوفد الأوكراني المفاوض على ذلك بتأكيده أن الجانب الأوكراني «لديه مواقف واضحة ومبدئية»، مشيراً إلى أن المفاوضات ما زالت متواصلة عن بعد عبر الإنترنت. وإذا كانت القمة الأطلسية ستركز على الجوانب الأمنية والدفاعية وإظهار وحدة الحلفاء ودعمهم متعدد الأشكال لكييف والاستعداد للنظر بحاجاتها ومراجعة الإجراءات الضرورية لتعزيز الجناح الشرقي للحلف وصورة الأمن في أوروبا، فإن ملف العقوبات والاستجابة للحاجات الإنسانية ومواجهة تدفقات اللاجئين ومساعدة دول «الخط الأول»، ستكون بعهدة القادة الأوروبيين ورؤساء دول وحكومات مجموعة السبع. وأمس، استبعدت باريس فرض سلة جديدة من العقوبات في الوقت الحاضر على روسيا، وقالت المصادر الرئاسية إنه «من الضروري التحضر لجميع السيناريوهات الجديدة وقياس آثار العقوبات التي فرضناها على روسيا وقرارات بوتين السياسية والعسكرية»، مضيفة أن الأوروبيين «مستعدون لاتخاذ تدابير إضافية (عقوبات) إذا لم تتوقف الحرب». وسبق لمصدر دبلوماسي فرنسي أن أشار الأسبوع الماضي إلى أن انعدام أي تقدم على صعيد المفاوضات سيكون أحد الأسباب لفرض عقوبات إضافية، علماً بأن ثمة انقساماً في المواقف بين الأوروبيين بشأن العقوبة الرئيسية التي من شأنه إزعاج بوتين، وهي وقف مشتريات النفط والغاز من موسكو. وترى باريس أن العقوبات المفروضة على روسيا كانت لها، حتى اليوم، تبعات «ثقيلة»، إذ تراجع الاقتصاد الروسي بنسبة 8 في المائة، وخسر الروبل 30 في المائة من قيمته أمام العملات العالمية، وزاد التضخم بنسبة 20 في المائة، وجمدت نصف أصول البنك المركزي، وتصاعد الغلاء، وتراجعت القدرة الشرائية للروس... وكشف غبريال أنتا، الناطق باسم الحكومة، أن باريس جمدت أصولاً تزيد قيمتها على 800 مليون يورو تعود لرجال أعمال روس.
وأمس، تحدث الرئيس زيلينسكي إلى مجلس النواب والشيوخ الفرنسيين في جلسة مشتركة، في إطار توجهه إلى برلمانات غربية، «إضافة إلى إسرائيل واليابان» منذ بدء الحرب في 24 فبراير (شباط) الماضي. وفي كلمته، التي دامت نحو 15 دقيقة، وبدأت بدقيقة صمت بطلب من زيلينسكي، دعا الأخير فرنسا إلى أن تساعد بلاده في وضع حد للحرب الروسية، التي وصفها بأنها «حرب ضد الحرية والمساواة والإخاء»، وهي شعار الجمهورية الفرنسية. كذلك دعاها لمساعدة كييف في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الطلب الذي سبق أن ردّده كثيراً من المرات، فيما الأوروبيون لا يبدون مستعجلين للتجاوب معه. وأضاف الرئيس الأوكراني أن مواطنيه «ينتظرون من فرنسا أن تتولى القيادة، وأن تساعدنا على استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية». وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس ماكرون دأب منذ قبل انطلاق الحرب الأخيرة على التواصل شبه اليومي مع زيلينسكي الذي زاره في كييف في الثامن من الشهر الماضي. وإضافة إلى ما سبق، حثّ زيلينسكي الشركات الفرنسية التي ما زالت عاملة في روسيا على التوقف عن «دعم ماكينة الحرب» الروسية، والخروج من هذه السوق، مسمياً بالاسم شركة «رينو» لصناعة السيارات، ومخازن «أوشان» الكبرى، وكذلك مخازن «لوروا ميرلين» الناشطة في توزيع الحوائج المنزلية كافة. ولجأ زيلينسكي للغة التأثير العاطفي بقوله إنه ينبغي على الشركات المسماة وغيرها أن «تتوقف عن تمويل من يقتل الأطفال والنساء، ومن يلجأ إلى الاغتصاب». وكما في مداخلاته السابقة كافة، لاقى الرئيس الأوكراني استحساناً وتشجيعاً، برز في تصفيق البرلمانيين له وقوفاً.


مقالات ذات صلة

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».