حروب العرب ضد الغزو الأجنبي في عصر المماليك

استحدثوا نظاماً للحشد والتعبئة... وانتصروا على التتار والصليبيين

حروب العرب ضد الغزو الأجنبي في عصر المماليك
TT

حروب العرب ضد الغزو الأجنبي في عصر المماليك

حروب العرب ضد الغزو الأجنبي في عصر المماليك

في كتابه الصادر حديثا عن الهيئة المصرية للكتاب بعنوان «مجالس المشورة في مصر عصر سلاطين المماليك - من 1250 حتى 1517م» يكشف الدكتور عثمان علي عطا، كيف كانت تدار حروب العرب ضد الغزو الأجنبي في تلك الفترة، مؤكدا أن مجالس المشورة لعبت دورا بارزا على مدار التاريخ العربي الإسلامي. ويذكر أن الدولة الأيوبية قدمت أشهر الأمثلة في هذا السياق، حيث كون صلاح الدين الأيوبي مجلسا للمشورة ينعقد عند الضرورة، خصوصا في الأمور الحربية. وكان هذا المجلس يتكون من صلاح الدين رئيسا وعضوية إخوته وأولاده وأولاد أخيه وابن عمه والقاضي الفاضل والعماد الكاتب وابن شداد ورفاقه القدامى وأمراء جيشه. ونظرا لطبيعة الدولة الأيوبية الحربية كثرت المجالس التي عقدت في عهد صلاح الدين لمناقشة أمور الحرب مثلما حدث عام 1187م عندما حاصر صلاح الدين مدينة صور واستعصت عليه فعقد مجلس المشورة الذي قرر فيه رفع الحصار عن المدينة لكثرة القتلى والجرحى ولدخول فصل الشتاء، وكان هذا الرأي مخالفا لرأي صلاح الدين، ولكنه وافق على ذلك خضوعا لرأي الأغلبية من أعضاء المجلس.
ويلفت المؤلف إلى أن صلاح الدين كثيرا ما تنازل عن رأي أغلبية المجلس، فعندما عقد مجلس المشورة في عام 1189 م لمناقشة كيفية التصدي للقوات الصليبية بعد خروجها من صور للاستيلاء على عكا وكان رأي صلاح الدين مهاجمة الصليبيين قبل اقترابهم من عكا، ولكن أعضاء المجلس رفضوا وفضلوا مهاجمتهم تحت أسوار عكا، واتضح خطأ هذا الرأي بعد أن ضاعت عكا واستولى عليها الصليبيون. ومثل ذلك حدث مع مدينة عسقلان التي قرر مجلس المشورة تدميرها في رمضان عام 1191 خوفا من استيلاء الصليبيين عليها مع أن صلاح الدين كان يرى دخولها وحفظها والدفاع عنها ولكنه اضطر لتدميرها رضوخا لرأي أمرائه.
ارتبطت المشورة بالدولة المملوكية منذ نشأتها. فبعد وفاة الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوك الدولة الأيوبية أصبح الأمراء المماليك متحكمين في مقاليد الأمور في مصر، وكان لهم دور كبير في مواجهة الحملة الصليبية السابعة على مصر وتحقيق النصر في معركة المنصورة التي ظهرت فيها بسالة المماليك، بخاصة قطز وبيبرس، ومن ثم أدركوا مكانتهم السياسية.
ويذكر الكتاب أن عدة عوامل جعلت الأمراء المماليك يلتزمون بالمشورة فيما بينهم التزاما صارما في بداية نشأة الدولة المملوكية مما ساعد على نمو المجالس واتساعها ومن أهم هذه العوامل: وجود فراغ سياسي في البلاد، فبعد موقعة المنصورة لم يحسن توران شاه تقدير الأمور جيدا فقد تجاهل الأمراء المماليك. وبعد أن قتلوه فوجئوا بخلو منصب السلطنة فأخذوا يتشاورون فيمن ينصبونه سلطانا، ولم يكن من اليسير تعيين أحدهم في هذا المنصب حينئذ فبحثوا عن شخصية يرضى بها الجميع فعينوا شجرة الدر باعتبارها زوجة الملك الصالح ووالدة ابنه خليل. وأيضا من أبرز عوامل نشأة مجالس المشورة في هذا السياق محاولة البيت الأيوبي في الشام استعادة السلطة في مصر، وهذه المحاولات جعلت الأمراء المماليك يشعرون بخطر القضاء على دولتهم الوليدة لذا كانوا يحرصون على التماسك والتشاور فيما بينهم لمواجهة ذلك الخطر الداهم وحاولوا تفادي ذلك بشتى الطرق السياسية والحربية. كما شكل هجوم التتار على البلاد عاملا مهما في هذا السياق. فبعد أن استقرت الأمور قليلا ظهر عامل آخر قوى مبدأ المشورة ألا وهو هجوم التتار وإدراك المماليك أنهم لن يستطيعوا التصدي لهم بمفردهم فعملوا على إشراك الشعب المصري في الأمور وأدخلوا في مجلس المشورة القضاة وعلماء الدين بعد أن كانت عضوية مجلس المشورة مقتصرة على الأمراء المماليك فقط، ويتضح ذلك عندما علم سيف الدين قطز بهجوم التتار على البلاد الشامية عام 1258م فجمع الأمراء والقضاة والعلماء وتشاوروا في كيفية مواجهة التتار خاصة مع عدم وجود الأموال اللازمة في خزانة الدولة للإنفاق على الجيش فأجاز الشيخ عز الدين بن عبد السلام فرض ضريبة على الشعب بشرط أن يتجرد الأمراء المماليك من أموالهم أولا، وقاد قطز الجيش وانتصر على التتار عام 1260م في معركة «عين جالوت» الشهيرة. كما طهر المدن الشامية من الجاليات التتارية. ويذكر الكتاب أنه بعد وفاة قطز مقتولا عمل الظاهر بيبرس أحد قادته العسكريين على إضفاء شرعية على حكم المماليك بإحياء الخلافة العباسية في القاهرة بعد سقوطها في بغداد وبالفعل نجح بيبرس في ذلك عندما أحضر شخصا من بني العباس هو أبو القاسم أحمد في عام 1260م وبعد أن عقد مجلسا أثبت فيه صحة نسب هذا الشخص إلى بني العباس بويع له بالخلافة ولقب بالمستنصر. وحاول الخليفة الجديد المستنصر استعادة العراق من التتار ولكنه قتل فاستقدم الظاهر شخصا آخر من بني العباس وعقد مجلسا للتثبت من نسبه كما عقد للمستنصر قبله وتمت مبايعته بالخلافة ولقب بالحاكم بأمر الله، وهذا يدل على تصميم بيبرس على استمرار الخلافة في القاهرة، ومنذ ذلك اليوم أصبحت القاهرة مقرا للخلافة العباسية، وأصبح حكم السلاطين المماليك حكما شرعيا بعد تفويضهم بالسلطنة من الخلفاء العباسيين.
وبإقامة الخلافة في القاهرة أصبح للخليفة العباسي مكانة عظيمة لدى الشعب المصري وصار السلاطين المماليك يحرصون على الحصول على تفويض منه عند توليهم السلطنة وموافقته، وأصبح حضور الخليفة مجالس تولية السلاطين وولاية العهد قاعدة متبعة منذ عهد بيبرس وحتى آخر سلاطين الدولة المملوكية طومان باي 1516م.
وأدى استحداث بعض الوظائف الجديدة في الدولة إلى زيادة أعضاء مجالس المشورة، ومن ذلك ما قام به بيبرس عام 1265م من تطوير النظام القضائي حين عين أربعة من القضاة يمثلون المذاهب الأربعة بعد أن كان الوضع منذ أيام صلاح الدين أن يقتصر ذلك المنصب على قاض واحد على المذهب الشافعي وأصبح القضاة الأربعة منذ ذلك القرار يحضرون مجالس المشورة وأصبح لهم دور مؤثر في قرارات المجالس، خاصة تولية السلاطين أو عزلهم أو فرض ضريبة جديدة أو التصرف في أموال الأوقاف.
كان لكل عضو مكانه المعروف وجلوسه حسب رتبته في المجلس، كما كان مجلس الجيش أو مجلس الحرب من نظم الدولة المملوكية أيضا، وكان يجتمع برئاسة السلطان وأتابك (قادة) العسكر ويحضره الخليفة وقضاة المذاهب الأربعة والأمراء، وكان سلاطين المماليك يحرصون على عقد هذا المجلس للتشاور فيما بين كبار رجال الدولة من الأمراء والساسة وعلماء الدين في مسائل مصيرية، بخاصة قبل الإقدام على الحرب لجعل إعلان الحرب أمرا مشروعا أو عند سماعهم بتحرك الأعداء نحو بلادهم لاتخاذ إجراءات وقائية قوية تعوق العدو قبل أن يتمكن من الاقتراب من بلادهم.
ويذكر المؤلف أن الدولة المملوكية واجهت العديد من الأزمات الاقتصادية مما أدى إلى التدهور المالي في خزانة الدولة وحاجتها إلى الأموال. وكان الحكام يلجأون إلى اختراع طرق للاستيلاء على بعض أموال الناس وحاولوا إشراك القضاة في تقريرها حتى تكتسب صفة الشرعية، ومن هذه الطرق محاولة فرض ضرائب على الشعب بطريقة استثنائية، فضلا عن الضرائب الثابتة مما أدى إلى إرهاق الشعب بهذه الضرائب. وكانوا أيضا يلجأون إلى الاستيلاء على أموال الأوقاف أو للمصادرات، وكان مجلس المشورة له مواقف مختلفة تجاه هذه الطرق الملتوية وغير الشرعية، حيث كان يتصدى لهذه المحاولات التي كانت ترهق الشعب، ففي بعض الأوقات كان يرفض إفتاء السلطان بالاستيلاء على الأوقاف رفضا مطلقا، وكان الحكام يلتزمون بآرائهم ولا يتعرضون للأوقاف مثلما حدث عام 1387 م عندما دعا السلطان برقوق المجلس للاجتماع وحضر القضاة الأربعة والأمراء ودار النقاش حول كيفية تدبير المال اللازم لمواجهة خطر تيمورلنك بهجومه على البلاد واقترح السلطان الاستيلاء على الأوقاف وهي الأراضي الخراجية (الزراعية) وإعادتها للدولة وفك وقفها، لكن المجلس لم يوافق وبعد مناقشات ومنازعات وافق المجلس على أن يأخذ المحصول لمدة عام فقط، فالتزم برقوق ويبدو أن المجلس وافق نظرا لما يحيط الدولة من أخطار خارجية مع عدم وجود أموال في خزائنها.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»
TT

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون. يحمل الكتابان العنوانين «حكايات من العراق القديم»، و«ملوك الوركاء الثلاثة»، وترجمهما الإعلامي والكاتب ماجد الخطيب، المُقيم في ألمانيا. وسبق أن نُشر الكتابان في لندن سنة 2006، وجذبا انتباه القراء بصياغتهما المعاصرة التي «تُقدم النصوص الرافدينية القديمة بشكل جذاب إلى جمهور واسع خارج دائرة المؤرخين والباحثين المتخصصين»، حسب رأي الشاعر الراحل سعدي يوسف في حوار معه بمجلة «بانيبال».

صدر الكتابان في طبعة أنيقة، بالورق المصقول، وغلافين ملونين، حافظا على تصاميم ورسومات وصور الكتابين الأصليين؛ تحقيقاً لرغبة الكاتبة فران هزلتون.

تُقدم لنا الباحثة في الكتابين حكايات وأساطير من العراق القديم؛ يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 4000 سنة. هي قصص نقلها الخبراء الإنجليز عن الألواح الطينية المكتوبة بالحروف المسمارية مباشرة من الأرشيف البريطاني الخاص ببلاد ما بين النهرين.

تكفي نظرة إلى عدد الأساتذة الذين أسهموا في ترجمة هذه النصوص من المسمارية إلى الإنجليزية، عن الألواح الطينية القديمة، لمعرفة الجهدين، الأدبي والفني، الكبيرين اللذين بذلتهما فران هزلتون في كتابة هذه النصوص، وتنقيحها وردم الثغرات في بعضها.

واعترافاً بهذا الجهد، قدَّمت المؤلفة شكرها في مقدمة الكتاب إلى قائمة من الأساتذة هم: البروفسور ثوركيلد جاكوبسون، والدكتور جيرمي بلاك، والدكتور غراهام كننغهام، والدكتورة إليانور روبسون، والدكتور غابور زويومي، والدكتور هرمان فانستفاوت، والبروفسور أندرو جورج، والدكتورة ستيفاني دالي والبروفسور بنجامين ر.فوستر.

يحتوي الكتاب الأول «حكايات من العراق القديم» على 13 حكاية وأسطورة سومرية وأكدية، تكشف للقارئ كثيراً من جوانب الحياة في بلاد الرافدين في تلك الأزمنة الغابرة، وتوضح لنا كيف كان الناس يعيشون، وعلاقتهم بالآلهة، وجوانب تفصيلية من الحياة الروحية والثقافية في أور ونيبور وأرتاتا وأريدو وكيش وشوروباك... إلخ.

كتبت الباحثة في تاريخ العراق القديم، ستيفاني دالي، في مقدمة الكتاب قائلة: «تخبرنا هذه الحكايات بالكثير عن المجتمع في ميزوبوتاميا في بواكيره الأولى. يحكم الملك الجالس على عرشه في القصر بصولجان يرمز إلى سلطته، ويبعث رسله للحوار حول صفقات تجارية، تعززهم تهديدات باستخدام القوة. كان الملوك والآلهة ما انفكوا يقيمون على الأرض، لأنهم لم ينسحبوا بعد إلى السماء، وكانت شهيتهم -وغضبهم ومتعتهم بالطعام والشراب، ورغباتهم وغرورهم- مماثلة لمثيلاتها بين الفانين، رغم أن معبوداً فقط قادر على تقرير مصائر المدن، والتصرف بصفته راعياً للملك في هذه المدينة أو تلك».

يتناول الكتاب الثاني قصص ملوك الوركاء الثلاثة إينْمركار ولوغالبندا وجلجامش؛ أي الجد والأب والحفيد. تحكي قصة إينمركار كيف أن هذا الملك أخذ حفنة من الطين النقي في يده وعجنه على شكل لوح، ثم سطر عليه رسالته إلى أينسوغريانا ملك مدينة أرتاتا الواقعة في الجبال القريبة (ربما إيران). هي أول إشارة في الأدب المكتوب إلى «كتابة رسالة»، ويعتقد العلماء، لهذا السبب، أن الكتابة اكتشفت في زمن هذا الملك.

ومن اللافت أيضاً في الكتابين التماثل الغريب بين بعض هذه الحكايات وحكايات «ألف ليلة وليلة»، رغم الفارق الزمني الكبير بين الاثنين. موضوعات السحر والآلهة، والسرد على لسان الطير، والطيران على ظهر نسر ومؤامرات النساء والخدم... إلخ. وتسرد إحدى القصص يوم نزول إنانا (عشتار) إلى الأرض، وقضاء ليلتها مع الملك، ومن ثم تصف الموكب الذي يجتاز شارع الموكب وبوابة عشتار، على هذا النحو:

«يظهر في البداية الفتيان الوسام، الذين يزينون شعورهم المصففة بالأطواق، ثم تأتي العجائز الحكيمات، فترافق الملك أكثرهن حكمة في موكب إنانا، ثم يأتي الطبالون يقرعون الطبول بعصي مقدسة، ويستعرضون في الموكب لإنانا. ثم يأتي الجنود بسيوفهم وحرابهم المشرعة يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذين عباءاتهم بوجهين أحدهما أنثوي والآخر ذكري، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذي يتنافسون في الدوران والالتفاف والمناورة بمباخر من كل الألوان، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي الأسرى مقيدين بأطواق العنق الخشب ينشدون نشيدهم، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم تأتي بنات المعابد بشعورهن المتوجة، يستعرضن في الموكب لإنانا، ثم يأتي الكهنة يرشون الدم يميناً ويساراً من خناجر مغموسة بالدم، يستعرضون في الموكب لإنانا».

بأسلوب سلس؛ يجمع بين الفكاهة والمفارقة، يُقدم الكتابان حكايات وأساطير من تاريخ العراق القديم، شكّلت جذباً لجمهور واسع من القراء خارج دائرة المؤرخين والمختصين.

يشار إلى أنه بالتعاون مع جمعية «ZIPAG» سردت فيونا كولينز وتارا جاف وبديعة عبيد هذه القصص في كثير من الأمسيات التي أقامتها جمعية «إنهدوانا» في بريطانيا. وترى الناقدة ستيفاني ديلي، من معهد الاستشراق البريطاني، أن هذه الحكايات السومرية تمتعت بالقدرة على إسعاد قراء العصر الحديث بفكاهاتها ومفارقاتها ورؤيتها البراغماتية لأفعال الخالدين والفانين، التي يشتبك فيها الخير والشر. وتتساءل: كانت استجابة الجمهور الحديث مدهشة، رغم فارق العصور والثقافات الهائل، كيف يمكننا تفسير هذا التعاطف الذي يتجاوز كل الحدود؟ تكمن بعض الأجوبة في الثيمة الأساسية، التي تتعلق بالحياة والموت المُعبر عنها في الاستعارة الأسطورية؛ حيث تجسد الآلهة قوى الطبيعة، مثل الخصوبة والعقم والدهاء والغباء.

كتبت فران هزلتون في مقدمة الكتاب أن النسخة الأولى من «حكايات من العراق القديم صدرت سنة 2006، وكانت إشادة بأسلافنا الثقافيين المشتركين: قصصيي العراق القديم. ستسهم هذه الطبعة، كما أتمنى، في الإشادة ليس بحكواتيي العراق القديم فحسب، وإنما أن تصبح أيضاً أداة بيد الذين ارتضوا تحدي أن يصبحوا ساردي حكايات رافدينية حديثين».