«وصية الجويعي» من أقدم الوصايا في السعودية... وذريته تتابع تنفيذها

خصص ثلث ماله «أضحيات» للمؤسس الأول محمد بن سعود وأحفاده

وصية الجويعي المؤرخة عام 1299 للهجرة
وصية الجويعي المؤرخة عام 1299 للهجرة
TT

«وصية الجويعي» من أقدم الوصايا في السعودية... وذريته تتابع تنفيذها

وصية الجويعي المؤرخة عام 1299 للهجرة
وصية الجويعي المؤرخة عام 1299 للهجرة

تعد وصية عبد الرزاق بن محمد الجويعي، من أندر وأقدم الوصايا في تاريخ الدولة السعودية، وحملت الوصية تقديراً ومحبة لمؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود، وأبنائه، ومَن تعاون معه على تأسيس هذا الكيان الكبير الذي عُرف اليوم باسم «المملكة العربية السعودية»، شأنه في ذلك شأن كل أبناء الجزيرة العربية الذين وجدوا في هذه الدولة الفتية ملاذهم الآمن للاستقرار والعيش بأمان في ظل دولة تنظم حياتهم، وظلت هذه الدولة صامدة طيلة منذ أكثر من 140 عاماً وإلى اليوم، رغم تكالب الظروف من خلال مراحلها المختلفة لتسقط مرتين بفعلٍ خارجي وداخلي، لتقوم من جديد قبل أكثر من مائة عام وتصبح دولة أكثر قوةً ومَنَعَةً واستقراراً وتعلن اسمها دولة ثالثة.
ولعل ما يميز هذه الوصية التي خصصها الجويعي أنها مستمرة منذ 1299 للهجرة وحتى اليوم، ويقوم الأحفاد بمتابعتها، والعمل بما فيها. وتقوم الوصية على تخصيص عبد الرزاق الجويعي ثلث ماله للأضاحي: للإمام محمد بن سعود وابنه عبد العزيز وما تسلسل من ذريته، وأخرى للشيخ محمد بن عبد الوهاب وما تسلسل من ذريته.
وعن هذه الوصية يقول لـ«الشرق الأوسط» عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن الجويعي، أحد أفراد أسرة الجويعي والمهتم بتاريخ أسرته، معلومات عن قصتها التي تعد من النوادر والمدعومة بوثائق، أنه في مطلع سنة 1200 هجرية، وبالقرب من وادي قران في (شعيب قارة الجويعي) بمنطقة حريملاء ولد عبد الرزاق بن محمد بن عبد الله الجويعي، وقد عاصر والده الشيخ محمد الجويعي معارك الإمام محمد بن سعود وعاش الحركة السياسية في المنطقة وكان على علم واطّلاع واسع، ويعود ذلك لعمله في التجارة وتنقله الدائم في الديار النجدية، ولكن وافته المنية في سنة 1207 هجرية، فغادر عبد الرزاق مع والدته وهو صغير بالعمر إلى ديار أخواله في الزلفي، فعاش في كنفهم وتربى في بيت دين وعلم، فاشتغل بالتجارة وعمل في تجارة النخيل وامتلك في وقته أجزاء من مناطق كثيرة واشتهر بالصدقات، فكان يقوم بتوزيع التمور في الليل على بيوت المحتاجين وإذا أصبحوا وجدوها عند أبوابهم لا يعلمون من أحضرها، حتى عُرف من كان يقوم بهذا الفعل النبيل وشاع فعله بين أهل الزلفي، وقد كتب وصيته المشهورة والتي تعد من أندر وأقدم الوصايا في تاريخ الدولة السعودية الأولى، حسبما ذكر المؤرخ أحمد البسام، وكانت في أواخر عمره، حيث وُجدت نسخ متعددة يجدد فيها بين كل فترة زمنية في حياته، وجاء فيها ما نصه: «وأوصى بثلث ماله من جميع ما ترك بثماني ضحايا، وحدة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وما تسلسل من ذريته ما بقوا على هذا الدين، ووحدة منهن لمحمد بن سعود ولابنه عبد العزيز وما تسلسل من ذريته ما كانوا على هذا الدين» المؤرخة في عام 1299 هجري.
ولفت إلى أن هذه الوصية مستمرة إلى يومنا هذا وقد تسلسل في متابعتها ابنه سليمان ومن بعده ابنه صالح بن سليمان ومن بعده أخوه محمد بن سليمان الذي كان أحد رجالات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، فتابعها محمد بن سليمان حتى توفي في سنة 1406 هجرية عن عمر ناهز 105 سنوات، ثم انتقلت بعد وفاة محمد بن سليمان إلى ابنه سليمان بن محمد وقد استدعاه الملك سلمان بن عبد العزيز إبان إمارته لمنطقة الرياض وأثنى على الوصية وعلى محبة الشيخ عبد الرزاق وأبنائه وأحفاده الصادقة لولاة الأمر وحكامها على مر العصور وتابع تنفيذها، حتى توفي سليمان بن محمد عام 1435هـ وعمره 85 سنة رحمه الله، فانتقلت إلى أبنائه والناظر على تنفيذها حالياً ابنه إسماعيل بن سليمان الجويعي، ولم يتوقف ورثة عبد الرزاق الجويعي عن تنفيذها منذ 144 سنة حتى يومنا هذا.
وحول شخصية صاحب الوصية ذكر حفيده عبد العزيز الجويعي: «إن ما تميز به يتجلى في حكمته وهدوئه، وكان مجلسه عامراً بالضيوف وعابري السبيل وكان يغلب المصلحة العامة دائماً على مصالحة الخاصة، فسمح بالممرات التي تشق مزارعه لتسهيل عبور الماشية والتزود من مياه آباره سبيلاً للجميع وعدم الشق على الرعاة والتسهيل عليهم احتساباً للأجر من عند الله، وتتضح حنكته في وصيته للإمام محمد بن سعود وما تسلسل من ذريته لما يراه من خير عظيم في هذه القيادة العادلة، فعاقبة العدل كريمة ولن تجني هذه الأرض وقاطنيها إلا الخير والنماء، ولعلنا نعيش أجمل صور الخير والنماء في هذا العهد الميمون وهو امتداد لعهد التأسيس الذي عاشه عبد الرزاق الجويعي».
وزاد بالقول: «إن عبد الرزاق الجويعي توفي وعمره تجاوز 100 عام، وهو أول من دُفن في مقبرة الزلفي الشمالية القديمة، وما زالت أملاكه موجوده من النخيل والتي بها الوصايا حتى يومنا هذا، ويذكره كبار السن في الزلفي لمواقفه المتعددة في نصرة الحق والوقوف مع المحتاجين وحبه لولاة أمره، ولعل ذلك يَبرز من خلال تقسيمه لتركته في الوصية فقد وزّعها في مجالات الخير المتعددة ومنها (مدرسة تحفيظ القرآن ولليتامى والجامع ولطلاب العلم وللحج وللمحتاجين)».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».