تغير المشهد الأمني في أوروبا يستدعي تعديلات في سياسة «الاتحاد»

بوريل أمضى أكثر من عامين في إعداد «البوصلة الاستراتيجية» للتكتل

الوثيقة الجديدة تحدد مهلة زمنية لا تتجاوز نهاية العام الجاري لتشكيل قوة للتدخل السريع قوامها 5 آلاف جندي(رويترز)
الوثيقة الجديدة تحدد مهلة زمنية لا تتجاوز نهاية العام الجاري لتشكيل قوة للتدخل السريع قوامها 5 آلاف جندي(رويترز)
TT

تغير المشهد الأمني في أوروبا يستدعي تعديلات في سياسة «الاتحاد»

الوثيقة الجديدة تحدد مهلة زمنية لا تتجاوز نهاية العام الجاري لتشكيل قوة للتدخل السريع قوامها 5 آلاف جندي(رويترز)
الوثيقة الجديدة تحدد مهلة زمنية لا تتجاوز نهاية العام الجاري لتشكيل قوة للتدخل السريع قوامها 5 آلاف جندي(رويترز)

«الحرائق مشتعلة في جوارنا، من جبل طارق إلى أوكرانيا»، بهذه العبارات وصف المسؤول عن السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل المشهد الأوروبي الراهن خلال عرضه السياسة الأمنية الجديدة للاتحاد مساء الاثنين الماضي في وثيقة تحمل عنوان «البوصلة الاستراتيجية» أمضى أكثر من عامين في إعدادها.
لم يذكر بوريل في عرضه أمام وزراء الخارجية مصدر هذه الحرائق، لكن وثيقة الدفاع الأوروبي الجديدة التي ستبحثها، وتعتمدها، قمة هذا الأسبوع التي سيشارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن، تشير بوضوح إلى موسكو بوصفها الجهة التي تقف مباشرة وراء جميع الأزمات المسلحة على أبواب أوروبا، من جورجيا إلى أوكرانيا ومن سوريا إلى مالي وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتعتبر روسيا تهديداً مباشرا وطويل الأمد للأمن الأوروبي.
يقول بوريل إن الحرب في أوكرانيا أيقظت الضمائر الأوروبية، لكنه يوضح أن «البوصلة الاستراتيجية» ليست استجابة للغزو الروسي الذي بدأ في 24 الشهر الماضي، بل هي ثمرة الدراسات التي بدأت منذ عامين لوضع سياسة الأمن والدفاع الأوروبية الجديدة التي عرض مسودتها الأولى خريف العام الفائت، ونشرت «الشرق الأوسط» خطوطها العريضة. لكن المشهد الأمني في أوروبا تغير بشكل جذري في الفترة الأخيرة واستدعى تعديلات عميقة في السياسة الأوروبية بعد أن باتت «الاعتداءات الروسية تُشكّل تهديداً مباشراً لأمن المواطنين الأوروبيين»، كما جاء في النص الجديد للوثيقة التي تحدد مهلة زمنية لا تتجاوز نهاية العام الجاري لتشكيل قوة التدخل السريع الأوروبية المشتركة وقوامها 5 آلاف جندي على أن تجري مناوراتها الأولى مطلع العام المقبل. ويقول المسؤول عن السياسة الخارجية الأوروبية إن هذه الخطوة ليست سوى بداية ونواة للسياسة الدفاعية الجديدة «لكن من غير أن يعني ذلك تشكيل جيش أوروبي واحد، بل تعزيز التنسيق بين الجيوش الوطنية وزيادة الموازنات الدفاعية التي لا تتجاوز 1.5 من إجمالي الناتج المحلي والتي أصبحت غير كافية في الظروف الحالية».
وتدعو الوثيقة الاستراتيجية الجديدة المفوضية إلى إعداد اقتراح سريع لإعفاء الصناعات والمشتريات الحربية الأوروبية من ضريبة القيمة المضافة بهدف زيادة القدرات العسكرية وتفعيلها، علما بأن موازنات الدفاع الأوروبية حالياً تكاد تضاعف ثلاث مرات الموازنة الروسية وتوازي موازنة الدفاع الصينية.
ورغم أن «البوصلة الاستراتيجية» تشدد على أهمية الاستعداد لمواجهة تهديدات الإرهاب والتضليل الإعلامي والاعتداءات السيبرانية والحروب الهجينة، فإنها تعتبر هذه التهديدات أقل خطورة وأبعد مدى من الغزو الروسي لأوكرانيا وما تصفه بالاحتمالات الجدية لتوسيع دائرة المواجهات العسكرية داخل حدود الاتحاد الأوروبي. وإذ تعتبر الوثيقة أن الصين، التي تقف على حياد مشبوه في هذا النزاع وتدافع عن صداقتها الوطيدة مع روسيا، هي «خصم بنيوي يعزز بسرعة قدراته العسكرية وترسانته النووية»، تشير أيضا إلى أن بكين هي «شريك في التعاون ومنافس اقتصادي».
وتفرد السياسة الأوروبية الجديدة للأمن والدفاع باباً خاصاً للتعاون مع الولايات المتحدة، وتعتبر أن لا بديل عن واشنطن والحلف الأطلسي لضمان أمن أوروبا والدفاع عنها. لكنها في نفس الوقت تشدد على ضرورة «الاتجاه بشكل ثابت ونهائي نحو تحقيق قدرة عسكرية ذاتية كافية لمواجهة التهديدات والتحديات الأمنية الإقليمية، والمساهمة بشكل فاعل في إدارة الأزمات الدولية». إلى جانب ذلك رفعت المفوضية الأوروبية تقديراتها الأخيرة حول تدفقات اللاجئين من أوكرانيا، متوقعة أن يتجاوز عددهم 6.5 مليون في الأسابيع المقبلة إذا استمرت وتيرة المعارك على كثافتها الراهنة، وأن يصل إلى عشرة ملايين في حال التصعيد الذي ليس مستبعداً في ضوء التطورات الأخيرة.
وفيما تستعد المفوضية لإقرار توجيه أوروبي يسمح باستقبال النازحين من الحرب في أوكرانيا بلا حدود، وافق البرلمان البولندي على قانون يتيح للنازحين الذين يحملون الجنسية الأوكرانية بالإقامة ثمانية عشر شهراً قابلة للتجديد إلى ثلاث سنوات، مع الحق في الحصول على فرصة عمل والخدمات الصحية والتعليمية. ومن جهتها اتخذت الحكومة الإسبانية تدبيراً بمنح النازحين الأوكرانيين إقامة شرعية في مهلة لا تتجاوز 24 ساعة، ويشمل هذا التدبير الأجانب المقيمين في أوكرانيا بصورة غير قانونية. وأعلنت وزارة الداخلية الإسبانية أنها استحدثت مراكز في أربع مدن كبرى، هي مدريد وبرشلونة ومالاغا واليكانتي، لاستقبال أكثر من عشرين ألف نازح.
وفي إيطاليا التي تعيش فيها أكبر جالية أوكرانية داخل الاتحاد الأوروبي يزيد تعدادها على 240 ألف نسمة، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ الإنسانية حتى نهاية العام الجاري، ورصدت 400 مليون يورو لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين وتوفير تجهيزات لاستيعاب 80 ألفا منهم.
وأعلنت فرنسا عن تخصيص مبلغ 425 يورو شهرياً لكل نازح أوكراني، ومنحه حق الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، إضافة إلى السفر مجاناً في قطارات شبكة الخطوط الحديدية الوطنية.
وفي جولته الافتراضية على برلمانات الدول الغربية التي تدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي تحدث أمس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمان الإيطالي، محذراً من «أن الحرب على أوكرانيا هي بوابة بوتين إلى أوروبا»، وطالباً المزيد من الدعم العسكري لمواجهة القوات الروسية. ورد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي بالقول إن «إيطاليا تريد أوكرانيا في أوروبا». وتجدر الإشارة إلى أن إيطاليا هي أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا في أوروبا، وحليف تجاري استراتيجي لفلاديمير بوتين منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني الذي ما زال إلى الآن يلزم الصمت حيال الحرب الدائرة في أوكرانيا.



كيف غيّر وصول ترمب لسدة الرئاسة بأميركا العالم؟

TT

كيف غيّر وصول ترمب لسدة الرئاسة بأميركا العالم؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال الجلسة العامة لقمة حلف شمال الأطلسي شمال شرقي لندن يوم 4 ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال الجلسة العامة لقمة حلف شمال الأطلسي شمال شرقي لندن يوم 4 ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

يؤدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب، اليوم (الاثنين)، اليمين الدستورية بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. أما التأثير العالمي لولايته الثانية فقد بدأ يُشعر به بالفعل قبل انطلاق العهد الجديد. فمن القدس إلى كييف إلى لندن إلى أوتاوا، غيّر فوز ترمب الانتخابي وتوقع أجندة ترمب الجديدة حسابات زعماء العالم، حسبما أفادت شبكة «بي بي سي» البريطانية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال إلقائهما كلمة مشتركة بالبيت الأبيض في واشنطن بالولايات المتحدة يوم 28 يناير 2020 (رويترز)

اتفاق وقف النار في غزة

لقد أحدث دونالد ترمب تأثيراً على الشرق الأوسط حتى قبل أن يجلس في المكتب البيضاوي لبدء ولايته الثانية بصفته رئيساً. قطع الطريق على تكتيكات المماطلة التي استخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتحالف مع شركائه في الائتلاف القومي المتطرف، لتجنب قبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضعه سلف ترمب جو بايدن على طاولة المفاوضات في مايو (أيار) الماضي. ويبدأ ترمب ولايته الثانية مدعياً الفضل، مع مبرر معقول، في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفق «بي بي سي».

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال لقاء في الأمم المتحدة في نيويورك يوم 25 سبتمبر 2024 (رويترز)

قلق الحكومة البريطانية

ترمب وفريقه مختلفان هذه المرة، وأكثر استعداداً، وربما بأجندة أكثر عدوانية، لكن سعادة ترمب بإبقاء العالم في حيرة واضحة. فهذا الغموض المصاحب لترمب هو ما تجده المؤسسة السياسية البريطانية صادماً للغاية.

حصلت سلسلة من الاجتماعات السرية «للحكومة المصغرة» البريطانية، حيث حاول رئيس الوزراء كير ستارمر، والمستشارة راشيل ريفز، ووزير الخارجية ديفيد لامي، ووزير الأعمال جوناثان رينولدز «التخطيط لما قد يحدث»، وفقاً لأحد المصادر.

قال أحد المطلعين إنه لم يكن هناك الكثير من التحضير لسيناريوهات محددة متعددة للتعامل مع ترمب؛ لأن «محاولة تخمين الخطوات التالية لترمب ستجعلك مجنوناً». لكن مصدراً آخر يقول إنه تم إعداد أوراق مختلفة لتقديمها إلى مجلس الوزراء الموسع.

قال المصدر إن التركيز كان على «البحث عن الفرص» بدلاً من الذعر بشأن ما إذا كان ترمب سيتابع العمل المرتبط ببعض تصريحاته الأكثر غرابة، مثل ضم كندا.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعقدان اجتماعاً ثنائياً في قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان يوم 28 يونيو 2019 (رويترز)

صفقة محتملة

في الميدان الأوكراني، يواصل الروس التقدم ببطء، وستمارس رئاسة ترمب الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا. وهناك حقيقة صعبة أخرى هنا: إذا حدث ذلك، فمن غير المرجح أن يكون بشروط أوكرانيا، حسب «بي بي سي».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (حينها مرشحاً رئاسياً) يصعد إلى المنصة لإلقاء كلمة حول التعليم أثناء عقده تجمعاً انتخابياً مع أنصاره في دافنبورت بولاية أيوا بالولايات المتحدة يوم 13 مارس 2023 (رويترز)

سقوط ترودو في كندا

يأتي عدم الاستقرار السياسي في أوتاوا في الوقت الذي تواجه فيه كندا عدداً من التحديات، وليس أقلها تعهد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع الكندية.

حتى وقت قريب، بدا جاستن ترودو عازماً على التمسك برئاسته للوزراء، مشيراً إلى رغبته في مواجهة بيير بواليفير - نقيضه الآيديولوجي - في استطلاعات الرأي. لكن الاستقالة المفاجئة لنائبة ترودو الرئيسية، وزيرة المالية السابقة كريستيا فريلاند، في منتصف ديسمبر (كانون الأول) - عندما استشهدت بفشل ترودو الملحوظ في عدم أخذ تهديدات ترمب على محمل الجد - أثبتت أنها القشة الأخيرة التي دفعت ترودو للاستقالة. فقد بدأ أعضاء حزب ترودو أنفسهم في التوضيح علناً بأنهم لم يعودوا يدعمون زعامته. وبهذا، سقطت آخر قطعة دومينو. أعلن ترودو استقالته من منصب رئيس الوزراء في وقت سابق من هذا الشهر.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقائه الرئيس الصيني شي جينبينغ في قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان يوم 29 يونيو 2019 (رويترز)

تهديد الصين بالرسوم الجمركية

أعلنت بكين، الجمعة، أن اقتصاد الصين انتعش في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، مما سمح للحكومة بتحقيق هدفها للنمو بنسبة 5 في المائة في عام 2024.

لكن العام الماضي هو واحد من السنوات التي سجلت أبطأ معدلات النمو منذ عقود، حيث يكافح ثاني أكبر اقتصاد في العالم للتخلص من أزمة العقارات المطولة والديون الحكومية المحلية المرتفعة والبطالة بين الشباب.

قال رئيس مكتب الإحصاء في البلاد إن الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الصين في عام 2024 كانت «صعبة المنال»، بعد أن أطلقت الحكومة سلسلة من تدابير التحفيز في أواخر العام الماضي.

وفي حين أنه نادراً ما فشلت بكين في تحقيق أهدافها المتعلقة بالنمو في الماضي، يلوح في الأفق تهديد جديد على الاقتصاد الصيني، وهو تهديد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على سلع صينية بقيمة 500 مليار دولار.