قلب بيروت ينبض مجدداً مع «هوريكا 2022»

زيارة المعرض متاحة على الأرض ورقمياً

الجناح الإندونيسي المشارك في المعرض
الجناح الإندونيسي المشارك في المعرض
TT

قلب بيروت ينبض مجدداً مع «هوريكا 2022»

الجناح الإندونيسي المشارك في المعرض
الجناح الإندونيسي المشارك في المعرض

منذ أبريل (نيسان) من عام 2019 غاب معرض «هوريكا» للضيافة والمواد الغذائية عن خريطة نشاطات بيروت، كغيره من الأحداث التثقيفية والفنية والسياحية. فالأزمة الاقتصادية واندلاع «ثورة تشرين»، إضافةً إلى انتشار جائحة «كورونا» حالت دون ذلك.
هذه السنة وابتداءً من 22 مارس (آذار) ولغاية 25 منه، ينطلق معرض «هوريكا» بنسخته الـ27، ولكن هذه المرة تحت عنوان «هوريكا كونكتس». هذا الحدث الذي كان ينتظره اللبناني في موعده سنوياً للاطلاع على أحدث الخدمات السياحية وأساليب الضيافة ونزعات الطعام، اتخذ وجهة مغايرة في نسخته الحالية. فهي تسلط الضوء على مبادرات ومساهمات تصبّ في دعم الصناعات اللبنانية وتشجيعها.
ومن خلال الـ200 مشارك، سيتاح لزائره التعرف إلى التغييرات التي طرأت على الأسواق اللبنانية، بهدف تأمين الاكتفاء الذاتي من خلال صناعات لمنتجات مختلفة.

وزير السياحة وليد نصار خلال تجوله في معرض «هوريكا»

وإذا ما تجولت في أركان المعرض، الذي اختُصرت مساحته بشكل لافت، تكتشف صناعات لبنانية تفاجئك في مجال الألبان والأجبان والنكهات والعسل والبذور الزراعية وغيرها. وترى جومانة دموس سلامة، المديرة العامة لشركة «هوسبيتاليتي سرفيسيز»، المنظِّمة للمعرض، أنّه كان لا بدّ من إجراء هذا التغيير على قالب المعرض، في ظل تبدلات كثيرة شهدها مجتمعنا اللبناني. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كما تلاحظين فإن اسم المعرض يشير إلى محتواه، إذ رغبنا أن نولد شبكة علاقات مع شركات ومؤسسات وأصحاب مبادرات لتشجيع الصناعة اللبنانية». وتتابع: «علّمَنا والدي نهاد دموس، عراب السياحة في لبنان، الذي غادرنا منذ فترة قصيرة، أن (هوريكا) يهدف إلى الحفاظ على اللمّة السياحية والفندقية في بلدنا. من هذا المنطلق، وعلى الرغم من كل الصعوبات والظروف التي نواجهها، قررنا إقامة المعرض الذي تحول هذه السنة إلى منتدى (فوروم). فنحن شركة (هوسبيتاليتي سرفيزيس) أخذنا على عاتقنا مهمة جمع أركان القطاع السياحي، ومن خلال أفكار جديدة وبناءة، تسهم في إجراء التغيير المطلوب».
ومن الصعوبات التي واجهتها سلامة لإقامة هذا الحدث، تراجُع الميزانية المالية بشكل ملحوظ. وكذلك خوض عملية تحفيز المبادرات للمشاركة بعد فترة ركود طويلة، وفي ظل أزمة اقتصادية تعاني منها.
ومن الجهات الداعمة لتمكين الصناعات اللبنانية وتشجيعها سفارات أجنبية كإيطاليا وإندونيسيا وسيلان، إضافةً إلى منظمات أميركية تهتم بتقديم المساعدات المالية للمزارعين والمصانع.
تقول ساري خشوف التي تمثل إحدى الشركات الداعمة للزراعة في مختلف المناطق اللبنانية، إنّها ضمن برنامج «أغريتيك» التابع لمؤسسة «بيريتيك» تسهّل تمويل مشاريع زراعية جماعية. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «إن أبوابنا مفتوحة أمام أي مشروع زراعي يحتاج إلى تمويل وعملية تسويق».
أما بيوتي جعيتاني، من مؤسسة «رينيه معوض» فقالت لـ«الشرق الأوسط»: «إن مشروعنا يرتكز على المشاركة الاقتصادية للمرأة في الشمال وجبل لبنان. وهو مشروع تموله كندا، وينفذ بالتعاون مع (يو إن دي بي) ومؤسسة (رينيه معوض) مع عدة شركاء آخرين. ندرّب الأفراد وندعم التعاونيات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمبتدئة». وتعرض جعيتاني مجموعة منتجات من بلدة كفردبيان تحمل اسم «أطايب»، أخذت دعماً من مؤسسة «معوض». فيتذوق زائر الاستاند مربيات على أنواعها، وكذلك بعض الأطعمة المالحة.
أما «دايزي» التي تشارك في المعرض من خلال السفارة الإندونيسية في لبنان فتحدِّثك عن نكهات من بلادها تدخل في صناعة الحلويات والطعام والقهوة. وتضيف: «ليست المرة الأولى التي تشارك فيها السفارة الإندونيسية في (هوريكا)، إنّما الأولى لي. ونركز هنا على طعمات مختلفة لثمار وأشجار ونباتات وأكلات من بلادنا، كجوز الهند والبن وأصناف النودلز وغيرها».
افتتح «هوريكا كونكتس» الذي يجري تحت عنوان «نحو بناء جسور جديدة» بحضور وزير السياحة وليد نصار، الذي ألقى كلمة، شكر فيها القيمين على هذا الحدث مثنياً على الجهود المبذولة لإنجاح هذا العمل. وأعلن خلالها أنّه طلب من وزارة التربية الموافقة على إطلاق اسم نهاد دموس على المجّمع المدني للسياحة والضيافة تكريماً له.
ومن ناحيته أشار الوزير الأسبق محمد شقير، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنّه يشدّ على أيادي منظِّمي هذا الحدث الذي يعيد بيروت إلى موقعها المشهورة به في قطاع الخدمات والسياحة والصناعة اللبنانية. ويضيف في سياق حديثه: «ما لفتني هي التعددية المناطقية الحاضرة في هذا المعرض. فعلى الرغم من اختصار مساحته، إذ يأتينا بأصغر من تلك التي عوّدنا عليها في نسخه السابقة، فإنّه ينبض بأفكار ومبادرات تمكينية، تنعكس إيجاباً على صناعاتنا. فالمهم أن نبدأ من جديد، لنلغي الصورة السلبية عن مدينتنا».
ومن سيلان تعرض سفارتها في لبنان، عدة أصناف من الشاي الأسود والمبهّر بنكهات الفاكهة والزعفران وغيرها. ويتحدث ناظلي، المشرف على المنصة الإندونيسية المشاركة في هذا الحدث لـ«الشرق الأوسط»: «بلدنا مشهور بأنواع الشاي الممتاز الذي ينتجه، ونحن هنا للإضاءة عليها والتسويق لها».
وتؤكد ندى بركات، التي تمثل مبادرة «مزيج» في المعرض، أنّ هذا المشروع الذي يقام بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، يجمع تحت سقفه 26 مصنّعاً للصعتر اللبناني. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «أطلقنا اسم (مزيج) على هذا المشروع لأنّه يُظهر هوية لبنان التعددية، ويشمل مختلف المناطق اللبنانية.
وهذا المشروع ممول من الحكومة الإيطالية، ومنفَّذ بالشراكة مع وزارتي الصناعة والزراعة، وهدفه دعم هذه الزراعة وتقدير مهارات العاملين فيها، من أجل تصديرها ضمن ابتكارات جديدة طرأت عليها».
ومن الصناعات اللبنانية الجديدة التي تتعرف عليها في «هوريكا كونكتس» عبوات طعام خاصة بالأطفال، مصنوعة من منتجات لبنانية. وتضم باقة من الطعمات والنكهات اللبنانية كاللوبياء بالزيت والحمص والكوسى والعدس، إضافةً إلى أطعمة مصنوعة من فاكهة لبنان.
وخلال تجوالك في المعرض تتعرف إلى صناعات لبنانية كثيرة كصناديق الكرتون المستخدمة خصوصاً في خدمة الدليفري، إضافةً إلى أنواع من العسل البري، المغذى بالسنديان ونبات الصعتر. وكذلك تكتشف نكهات جبن أجنبية صُنعت في بلدة أهمج من خلال مؤسسة «الوادي الأبيض». ومن بينها «توم» و«كونتيه» وأخرى من ريكوتا وأجبان بيضاء لبنانية.
تجدر الإشارة أنّ إمكانية زيارة هذا المعرض في مركز بافيون (بيال) وسط بيروت، هي متاحة أيضاً رقمياً عبر موقع «Horecashow.com».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».