«عَ أمل تجي»... يحط في لبنان بعد جولة عالمية

فيلم يحكي قصة مخرجه جورج بربري في سن المراهقة

خلال تصوير فيلم «ع أمل تجي» مع المخرج جورج بربري
خلال تصوير فيلم «ع أمل تجي» مع المخرج جورج بربري
TT

«عَ أمل تجي»... يحط في لبنان بعد جولة عالمية

خلال تصوير فيلم «ع أمل تجي» مع المخرج جورج بربري
خلال تصوير فيلم «ع أمل تجي» مع المخرج جورج بربري

بدأت صالات السينما في لبنان عرض الفيلم اللبناني «عَ أمل تجي»، الذي نافس في الدورة الـ71 لـ«مهرجان برلين». كما حصد عدة جوائز في بولندا وإسطنبول وهولندا ومدريد، كأفضل تصوير سينمائي وأحسن أول فيلم لمخرج، وجائزة النقاد وغيرها.
تتناول قصته المستوحاة من تجربة واقعية عاشها مخرجه جورج بربري وهو في سن المراهقة، مرحلة الانتقال من الشباب إلى الرجولة، وينطلق من موضوع جريء في حيثيات الجوانب العاطفية والتفاصيل التي ترافقها. مدة الفيلم 86 دقيقة وهو الأول لمخرجه وكذلك لمنتجتيه رين سمعان وكريستيل يونس عبر شركتهما «bee on set productions». أما فريق التمثيل فيتألف من عدنان خباز، وإتيان عسل، وإلياس سعد، وجان بول فرنجية، وفيروز أبو حسن، وثريا بغدادي.


4 شبان من بلدة البترون أبطال الفيلم

اختار بربري بلدته الأم البترون، لتصوير هذا العمل الأول له. ولجأ إلى أربعة شبان من البلدة نفسها كي يجسدوا أدوار أبطاله. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «عرفتهم منذ الصغر، فهم بمثابة إخواني الصغار، الذين تربيت وترعرعت معهم. كان عدنان خباز أول شخص اخترته ضمن هذه المجموعة، لأنني كنت دائماً معجباً بشخصيته المتحررة».
وعن قصة الفيلم يقول، إنها «مستوحاة من تجربة شخصية عشتها وتركت أثرها الكبير عليّ لمدة طويلة. كنت أجهل كيف باستطاعتي أن أتخلص من ندوبها النفسية والجسدية، فكنت أكتمها في داخلي بانتظار أن تنفجر يوماً ما، وأخرجها إلى النور فأتحرر منها».
تلمس تأثر جورج وهو يتحدث عن هذه التجربة التي عاشها عندما كان في سن المراهقة، حين ربطته علاقة ببائعة هوى، ولم يتمكن من التخلص من ذيول هذه الصلة بسهولة. يأخذ نفساً عميقاً تارة، ويتنهد مرات وهو يروي لنا القصة. ويعلق في سياق حديثه: «رغبت في التحدث عن هذه التجربة التي مررت بها، لأنها تتكرر مع شباب كثر، لكنهم لا يجرؤون على الإفراج عنها في أعماقهم. صحيح أن القصة جريئة، ولكنني أصررت على تناولها في فيلم كي تكون بمثابة عبرة لهذا الجيل».
صفحات غنية بالمشاعر والأحاسيس وبإطلالات على معاني الموت والحياة يدرجها بربري في عمله الأول. يتابع مشاهد الفيلم قصة تخرج عن المألوف بطبيعتها وبتفاصيلها. وتصله الرسالة الأساسية بصورة مباشرة عندما يستنبط منها حاجة المراهق للفضفضة والتحدث عن مشاعره العاطفية. ويقول بربري: «هناك عطل كبير يكمن في مجتمعنا لا نعطيه أهمية كبيرة، ألا وهو هذه العلاقة الصريحة والواضحة التي يجب أن يبنيها الأهل مع أولادهم. رغبت من خلال هذا الفيلم أن أحفز الأهل على التعاطي مع أبنائهم من الند للند، في عمر معين. فالتربية الجسدية وما يرافقها من مشاعر وتساؤلات واختبارات، يجب أن يتداول فيها الأهل مع أبنائهم. فالعبور من عمر المراهقة إلى عمر الشباب والرجولة بشكل عام، يلزمه هذا الجسر التربوي الذي نفتقده».


عدنان خباز أحد أبطال الفيلم

يتبع بربري أسلوب التحدث مع الذات عند أبطاله، لنتوقف عند أحلامهم المستقبلية، وكيف يتوقعون أن تكون حياتهم على المدى البعيد. ومن خلال هذه الوقفة مع الذات التي تمر في الفيلم على مراحل مختلفة، نستنتج أن أكثرية الناس ترتدي القناع أمام الآخرين كي تظهر أنها على أفضل ما يرام. ولكن عندما تخلعه وتنفرد بذاتها تدرك أنها تعيش الوهم. ويوضح بربري: «هذا ما رغبت في إيصاله لمشاهد الفيلم بالتمام. فليس علينا أن نقنع أنفسنا أننا سعداء في حياتنا، وفي المقابل نكتشف أننا نصارع أنفسنا ونعيش العكس، فقط من أجل إرضاء من هم حولنا. فالادعاء مشكلة كبيرة، ولا يجب أن تسكننا، لأننا يوماً ما سنشهد شظايا انفجارها تطالنا شخصياً».
ترك المخرج اللبناني الشاب مساحات حرة لأبطال عمله كي يترجموا رسائله كل على طريقته. «لم أرغب في أن يتقيدوا بما يقوله النص الذي كتبته، بل أن يضيفوا عليه تلقائياً رد فعلهم الطبيعي تجاه موقف ما. مرت سبع سنوات وأنا أحضر وأحلم في إخراج هذا الفيلم إلى النور، وكان من الطبيعي أن لا أسرق من أبطال العمل شخصيتهم الحقيقية، لأنها كانت بمثابة إضافة على أحداث الفيلم».
صحيح أن الفيلم يحكي عن تجربة حياتية يعيشها أربعة شبان فيتابعها المشاهد بحماس، إذ إن كلاً منهم يمثل نموذجاً عن الرجل اللبناني، ولكن الممثلة فيروز أبو حسن عرفت كيف تتألق بينهم وتبرز حرفيتها في الوقت المناسب. ويعلق بربري: «التعاون مع فيروز حلم قد يراود مخرجين كثيرين، فهي ممثلة محترفة تعرف كيف تخرج أحاسيسها ضمن أداء بديع يلامس مشاهدها. ومشاركتها في الفيلم جاءت بالصدفة، بعد محاولات حثيثة قمت بها لإيجاد ممثلة تلعب دورها ولم أوفق».
تخرج من «ع أمل تجي» وذهنك مشبع بأفكار وموضوعات مختلفة يتناولها الفيلم، من اجتماعية، وبيئية، وحالات إدمان. إضافة إلى أخرى تحكي كيفية تعاملنا مع المصابين بإعاقة معينة. كما يترك عند مشاهده الشعور بضرورة التحاور مع الآخر، وعدم رمي الأحكام المسبقة عليه جذافاً.
وبالنسبة للمخرج فهو يؤكد أنه لم يتردد ولا للحظة بالقيام بهذه التجربة السينمائية. فهي كانت حاجة وضرورة كي يخرج من أعماقه آثار تجربة قاسية خاضها. «استغرقت مني وقتاً طويلاً كي أتجاوزها، لأن الشباب بهذا العمر لا يدركون مدى خطورة بعض الأعمال التي يقومون بها. فكيف إذا كان هذا الأمر يتعلق بحالة نفسية سيئة عشتها لسنوات طويلة؟ وهي ناتجة عن موقف حصل معي ضمن قواعد أول علاقة عاطفية».
ويختم المخرج الذي بدأ كتابة فيلمه الثاني: «يشير اسم الفيلم (ع أمل تجي) إلى مدى تعطشنا للأمل. وهذه العبارة نستخدمها في كل مرة رغبنا خلالها أن نتخلص من الحرب ومن مشكلات النفايات والأزمات الاقتصادية وغيرها. وهنا نستخدمها للإشارة إلى أملنا الكبير في أن نرنو إلى ما نحلم به، وهي تمنيات بالتغيير، علها تطال بلدنا لبنان أيضاً».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».