الحرب الروسية - الأوكرانية في مرآة المصريين... توازن وغلاء وفُكاهة

بوتين يتفوق على بايدن في «سوق الياميش»... ورغيف الخبز ضحية للمعارك

مزارع مصري يرعى حقلاً للقمح في محافظة القليوبية قبل موسم الحصاد (رويترز)
مزارع مصري يرعى حقلاً للقمح في محافظة القليوبية قبل موسم الحصاد (رويترز)
TT

الحرب الروسية - الأوكرانية في مرآة المصريين... توازن وغلاء وفُكاهة

مزارع مصري يرعى حقلاً للقمح في محافظة القليوبية قبل موسم الحصاد (رويترز)
مزارع مصري يرعى حقلاً للقمح في محافظة القليوبية قبل موسم الحصاد (رويترز)

صحيح أن تداعيات النزاع الروسي - الغربي تسللت بفجاجة من شاشات قنوات الأخبار إلى أسواق المصريين كما غيرهم من شعوب الأرض؛ لكن مرآة أبناء المحروسة عكست صورة الحرب بسمات خاصة تكاد تنطق بالمحددات السياسية والاقتصادية بل السيكولوجية للمصريين، الذين قرر بعضهم أن يعطي الغلبة المعنوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإطلاق اسمه على نوع بلح فاخر، مقابل تسمية نوع آخر أقل جودة باسم الرئيس الأميركي جو بايدن. وسباق تسعير مواجهات التسلح المنصوب في «سوق الياميش» المصرية، ليس بدعاً على سلوك شعب طالما عرف بأنه خفيف الظل و«ابن نكتة»، لكن تلك الفكاهة لم تصمد طويلاً أمام «موجة غلاء» قيل إنها ترتبط بالمواجهة بين روسيا وأوكرانيا أكبر مُصدري القمح إلى مصر، فكانت النتيجة أن سقطت بعض أرغفة الخبز كضحية للمعارك، قبل قرارات حكومية لتخفيض سعره. وبالنسبة لمحمد جلال، المصري الثلاثيني، الذي يقيم في منطقة الهرم بالجيزة ويعمل محاسباً، فإن «الحرب الروسية - الأوكرانية لا ناقة لمصر فيها ولا جمل، لكن الأمر لم يخلُ من شماتة نسبية في الجبهة الغربية بزعامة أميركا». أما عن أسباب جلال فيما وصفه بـ«الشماتة» فإنه يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسات واشنطن وحلفائها لم تثمر عربياً إلا التفكيك في العراق، والفوضى في سوريا وليبيا، واستمرار الاحتلال في فلسطين». ورغم أن رأي جلال في السياسات العالمية يجد بعض أنصار؛ فإنهم - ولسوء حظهم - لم يمتلكوا حق التصويت في «الجمعية العامة للأمم المتحدة» التي شجبت وفق رأي الأغلبية «العدوان الروسي على أوكرانيا»، وصوتت لصالح قرار 141 دولة (من بينها مصر)، فيما رفضته 5 دول، وامتنعت 35 دولة أخرى. ولقد عكست عملية تصويت مصر ضد «العدوان الروسي» جانباً من عملية «التوازن» التي تسعى إليها البلاد وسط مناخ دولي ملتبس، وهو دفع مندوبها في الأمم السفير أسامة عبد الخالق، مطلع هذا الشهر، إلى إصدار بيان يفند فيه الأسباب التي دفعت لذاك التوجه. وذكر مندوب مصر الدائم في نيويورك أن بلاده صوتت لصالح القرار «انطلاقاً من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة». ورغم تصويتها لصالح قرار إدانة روسيا، فإن مصر ضمّنت قرارها بنداً يدعو إلى «عدم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها بما يضمن نزع فتيلها وتحقيق الأمن والاستقرار»، مؤكدةً رفضها في الوقت نفسه «منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، التي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية».
ويبدو أن رفض مصر لفرض العقوبات خارج آليات النظام الدولي، وجد صدى لدى روسيا التي عبّر وزير خارجيتها عن إشادته بالدول التي سلكت النهج نفسه، وخص منها مصر والصين والهند.
وعلى مسار التوازن نفسه، جاء اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره الروسي، مؤكداً «دعم القاهرة للمساعي الدبلوماسية التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً من أجل الحد من تدهور الموقف». ومع الإقرار بأن الاقتصاد والسياسة يتأثران بالتبادل؛ فإن أرقام الأول تبدو أقل مطاوعة من ألفاظ الثانية، وهو ما ظهر بقوة في ارتفاع أسعار سلع عدة في السوق المصرية، على الرغم من محاولات التوازن السياسي، وكان من أبرز تلك الزيادات ارتفاع سعر الخبز الحر (غير المدعوم) بنسبة تراوحت بين 50 في المائة و100 في المائة، لكن الحكومة المصرية سرعان ما قررت التدخل استثنائياً لفرض تسعير جديد يعيد الأسعار إلى ما قبل «الحرب»، وقالت إنه سيمتد 3 أشهر قد تتجدد. ومع إشارة جلال إلى أن «تداعيات زيادة الخبز تتعلق بالاستغلال المحلي»، فإنه يعود ويتساءل عن مصير «بقية السلع التي تأتي من الخارج». وما بين محددات السياسة والاقتصاد وسخرية «أسواق الياميش»، وجميعها فرضت نفسها على مرآة المصريين للحرب، يأتي المحدد الإعلامي في متابعة التطورات. ويقدر الخبير الإعلامي والصحافي المصري، الدكتور أسامة السعيد، أن «الموقف المتوازن سياسياً للقاهرة في الأزمة مراعاة لمصالحها، لم يكن مدعوماً بإمكانات أو قدرات إعلامية تحقق ذلك المسعى»، مشيراً إلى أن الاعتماد على تدفق المعلومات القادمة من وكالات ووسائل الإعلام الغربية المتهمة بالانحياز والعنصرية في بعض الأحيان، جعل جانباً غير قليل من التغطية الإخبارية المصرية والعربية في وضع لا يحقق التوازن. ونوّه السعيد في حديث إلى «الشرق الأوسط» بأن هناك «حاجزاً لا يمكن إغفاله، ويتعلق بندرة الصحافيين المحليين الذي يجيدون اللغة الروسية، وبالتالي باتت المعالجات أسيرة إما للدعائية في وسائل الإعلام المملوكة للحكومة الروسية، أو عرضة للانحياز عبر الأقنية الإخبارية الوسيطة (الغربية في معظمها) التي تقدم ترجمة ليست بالضرورة كاملة لما يدور على الجانب الآخر من الحرب». ويخلص السعيد إلى أن هناك ما يمكن وصفه بـ«تعاطف واضح من المحللين مع موسكو، مع التركيز على انتقاد الازدواجية الغربية في التعاطي مع أزمات اللاجئين عند مقارنة ما جرى مع لاجئي أوكرانيا، مقابل لاجئي سوريا وغيرهم من البلدان العربية».


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صحافيون يلتقطون صوراً لبقايا صاروخ استهدف منطقة دنيبرو في مركز لتحليل الطب الشرعي بمكان غير محدد بأوكرانيا الأحد (أ.ب)

موسكو تؤكد عزمها الرد على التصعيد الأميركي «غير المسبوق»

أكدت موسكو، الأحد، عزمها الرد على ما سمّته التصعيد الأميركي «غير المسبوق»، فيما دعا الرئيس الأوكراني إلى تعزيز الدفاعات الجوية لبلاده بعدما أسقطت وحدات الدفاع…

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا القوات الروسية تتقدم بأسرع وتيرة بأوكرانيا منذ بدء الغزو في 2022 (تاس)

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

قال مدونون ووسائل إعلام روسية إن موسكو أقالت جنرالاً كبيراً في أوكرانيا لتقديمه تقارير مضللة عن تقدم في الحرب، بينما يحاول وزير الدفاع إقصاء القادة غير الأكفاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

الكرملين: عقيدتنا النووية المحدَّثة إشارة إلى الغرب

قال الكرملين، الأحد، إن موسكو يجب أن ترد على التصعيد غير المسبوق الذي أثارته واشنطن، بسماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى قلب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).