زيلينسكي يحث إسرائيل على حسم موقفها من الحرب

شاشة تنقل خطاب زيلينسكي للكنيست بساحة في تل أبيب أمس (إ.ب.أ)
شاشة تنقل خطاب زيلينسكي للكنيست بساحة في تل أبيب أمس (إ.ب.أ)
TT

زيلينسكي يحث إسرائيل على حسم موقفها من الحرب

شاشة تنقل خطاب زيلينسكي للكنيست بساحة في تل أبيب أمس (إ.ب.أ)
شاشة تنقل خطاب زيلينسكي للكنيست بساحة في تل أبيب أمس (إ.ب.أ)

في الوقت الذي حاولت فيه الحكومة الإسرائيلية وأعضاء الكنيست (البرلمان) من كل الأحزاب تقريباً، منح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أفضل شروط استقبال، طالبها الأخير بحسم خيارها من الحرب التي شنتها روسيا على بلاده.
وقال زيلينسكي إن «روسيا تشن حرب إبادة على أوكرانيا وشعبها، كما شنت النازية حرب إبادة على اليهود»، لكن إسرائيل «لا تساند» بلاده وتحجب عنها ما تحتاجه من أسلحة للدفاع عن النفس. وانتقد زيلينسكي جهود الوساطة الإسرائيلية بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال: «عدم الاكتراث يقتل. الحسابات والموازنات تقتل. يمكن أن تتوسط بين دول، ولكن ليس بين الخير والشر».
منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، خاطب زيلينسكي عبر الفيديو العديد من الهيئات التشريعية الأجنبية، من بينها النواب الأوروبيون والكونغرس الأميركي ومجلس العموم البريطاني و«البرلمان الألماني (بوندستاغ)».
وكان الكنيست الإسرائيلي قد رفض عقد جلسة خاصة للاستماع إلى خطاب زيلينسكي، بدعوى الخروج إلى عطلة. وتحت الضغط، وافق على الاستماع إليه عبر تطبيق «زووم». ومن مجموع 120 نائباً، شارك 100 نائب في متابعة الخطاب، بينهم رئيس الوزراء نفتالي بنيت، ووزير الخارجية يائير لبيد، ومعظم الوزراء. ولم تقاطعه بشكل رسمي سوى «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية بقيادة النائب أيمن عودة. وبُثّ الخطاب بشكل مباشر في القنوات التلفزيونية والإذاعية وفي «يوتيوب» والشبكات الاجتماعية. كما أقيمت مظاهرة بحضور ألف شخص في وسط تل أبيب، تكلم فيها السفير الأوكراني في تل أبيب.
ويأتي خطاب زيلينسكي في ظل تدهور الوضع الإنساني في المدن الأوكرانية المطوقة بالقصف الروسي. ويتحدر أكثر من مليون شخص من سكان إسرائيل البالغ تعدادهم 9.4 مليون نسمة من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وحاولت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني نفتالي بينيت الحفاظ على الحياد في النزاع الروسي - الأوكراني في ظل دفء علاقاتها مع الطرفين. وسعى بنيت إلى لعب دور الوساطة بين كييف وموسكو، وأجرى محادثات هاتفية منتظمة مع رئيسي البلدين. وفي 5 مارس (آذار) الحالي، اجتمع بنيت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين 3 ساعات. وانتقد بعض المسؤولين الأوكرانيين موقف إسرائيل المحايد.
وكانت إسرائيل قدمت مساعدات إنسانية لأوكرانيا، لكنها لم تتطرق إلى إرسال معدات عسكرية إلى الدولة المحاصرة. كما لم تنضم إسرائيل إلى العقوبات الغربية ضد موسكو.
وتحدث الرئيس الأوكراني لمدة ربع ساعة، وقال إن على البشرية أن تتذكر تاريخ «24 فبراير»؛ «ففي مثل هذا الوقت من سنة 1920 تأسس الحزب النازي الألماني الذي أباد الملايين، وفي سنة 2022 بدأت روسيا حربها على أوكرانيا». وعدّها «حرب إبادة» لأوكرانيا؛ «شعباً ودولة وحتى اسماً»، مشدداً: «يريدون القضاء على شيء اسمه أوكرانيا». واستخدم تعبير «الحل النهائي»، الذي استخدمه النازيون لوصف حرب الإبادة على اليهود في حينها، وقال: «استمعوا إلى خطابات الروس. إنهم يتحدثون عن حل نهائي لنا أيضاً».
وقال زيلينسكي إن «الحرب الروسية تمثل مأساة لأوكرانيا، ولليهود، والعالم أجمع»، وأضاف أن شعبه «يتشرد الآن في أنحاء العالم بسبب الغزو الروسي»، عادّاً أن «التهديد الذي تواجهه أوكرانيا يشبه التهديد الذي يواجه إسرائيل».
ووصل نحو 14 ألف أوكراني إلى إسرائيل منذ بدء الغزو الروسي. وتوقعت السلطات وصول 100 ألف شخص من أصل يهودي من أوكرانيا وروسيا. ويحق لهؤلاء المهاجرين الحصول على الجنسية الإسرائيلية بموجب ما يسمى «قانون العودة»، وقد يسعون إلى الاستقرار في إسرائيل بسبب النزاع.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي» لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك» بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟