سودانيون يشكون من انفلات أمني في الخرطوم ومدن أخرى

انتشار النهب المسلح يثير الرعب ويهدد بسيطرة «العصابات»

قوات أمنية في شوارع الخرطوم (أ.ف.ب)
قوات أمنية في شوارع الخرطوم (أ.ف.ب)
TT
20

سودانيون يشكون من انفلات أمني في الخرطوم ومدن أخرى

قوات أمنية في شوارع الخرطوم (أ.ف.ب)
قوات أمنية في شوارع الخرطوم (أ.ف.ب)

تواجه العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى ارتفاعاً كبيراً في الجريمة والانفلات الأمني مع انتشار السلاح بين أيدي كثير من المواطنين، ما أصبح يُشكّل هاجساً يومياً للمواطنين وحديثهم المستمر عن تزايد الظاهرة وقلقهم من تفاقمها، ليضاف هذا إلى معاناتهم المعيشية مع التدهور الاقتصادي.
وفجع السودانيون باستغاثة الصحافي الشهير بهرام عبد المنعم، الذي تعرض لعملية نهب مسلح بواسطة قوة ترتدي زياً رسمياً لأحد تنظيمات القوات الأمنية في وسط الخرطوم، استولت على هاتفه ومبلغ من المال كان بحوزته أثناء عودته من تغطية الاحتجاجات الشعبية. وأبلغه المعتدون أنهم «يستهدفون الصحافيين» لأنهم يصورون الاحتجاجات، ولم تفلح دورية الشرطة القريبة من الحادث في نجدته، بل نصحه أحد أفرادها بـ«المغادرة» وتجاهل الأمر.
ما حدث للصحافي وقصص عديدة مشابهة تدق نواقيس الخطر من انتشار الانفلات الأمني في البلاد. بهرام ليس وحده من تعرض لعمليات النهب المسلح، فقد أشار الكثيرون إلى أنه منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وعقب إجراءات قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، استشرت في الخرطوم عمليات نهب وسلب عديدة قام بها مسلحون بزي الشرطة أو زي عسكري آخر، وسط المدينة عقب تفريق مواكب الاحتجاجات مباشرة. وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وتسجيلات لعمليات السطو والنهب المسلح التي تشهدها البلاد، دون رد فعلي رسمي واضح حتى الآن.
ولا تقتصر عمليات السطو والخطف والسرقة على المسلحين في الأزياء العسكرية النظامية، بل تعدتهم إلى «مجموعات شبه منظمة» على دراجات نارية أو راجلة، تصطاد ضحاياها في الشوارع الجانبية والرئيسية، بل حتى اقتحام المنازل والمحال العامة، يخطفون الممتلكات مثل الهواتف الجوالة والنقود وحقائب الفتيات، وبعضهم يوقفون السيارات الخاصة والمركبات العامة ويستولون على ممتلكات ركابها أو قائدها تحت تهديد السلاح.
ونشر موقع صحيفة «الجريدة» المحلية «فيديو» قالت إنه صورته لعملية نهب مسلح حدثت بالقرب من مقرها في وسط الخرطوم، وصفته بـ«الصادم والدليل الدامغ» على ضلوع نظاميين في عمليات النهب المسلح. وأضافت «عدسة (الجريدة) رصدت عملية نهب أحد المواطنين بالقرب من مستشفى الزيتونة، من قِبل قوات مُشتركة بالزي الرسمي». وأوضحت أن صاحب السيارة أفاد بأن تلك القوات نهبت منه 200 ألف جنيه وثلاثة هواتف ذكية.
ولم تعلق الشرطة على رواية بهرام رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ضجت بها، وتناولتها تنظيمات الصحافيين واعتبرتها امتداداً لاستهداف الصحافيين على وجه الخصوص ضمن حملات الشرطة لاستهداف الناشطين بشكل عام. كما تضج المدينة ومجالسها بحكايات عن عمليات نهب واسعة طالت أنحاء متفرقة منها، بل رافق بعضها اعتداءات وعنف وضرب مبرح للضحايا، كما لم تنج المؤسسات العامة من هجمات المسلحين بالأزياء العسكرية.
وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي «فيديو» آخر لاعتداء قوات كانت تطارد محتجين احتموا بـ«المعمل القومي استاك»، وهو المختبر الطبي الرئيسي في البلاد، ويتبع وزارة الصحة، وأوسعوا العاملين والأطباء والكوادر الطبية ضرباً، قبل أن ينهبوا هواتفهم الجوالة ويكسروا المعدات الطبية. وقال عضو مجلس السيادة عبد الباقي عبد القادر، في نشرة صحافية، عقب لقائه كوادر المختبر إن «ما حدث كان من فئة قليلة، ولا يمكن تعميمه على كل القوات النظامية». وأوضح أن التحقيقات ستوضح المتسببين «في هذا العمل لتتم محاسبتهم على وجه السرعة»، وتابع «هناك توجيهات مباشرة بعدم اقتحام القوات النظامية للمستشفيات والمرافق الصحية، حتى إذا احتمى بها المتظاهرون».
وفي أول رد فعل من جهة تنفيذية، كشف والي الخرطوم المكلف عن إجراءات جنائية بدأت حول ما حدث الخميس 17 مارس (آذار) الجاري، لمعرفة الذين ارتكبوا هذا العمل في «معمل استاك الطبي»، بيد أن الوالي وبصفته مسؤولاً عن الأمن في الخرطوم، وجه الاتهام لجهات أخرى غير القوات النظامية بقوله: «في مثل هذه الظروف قد يكون هناك منتحلو هيئة أفراد قوات نظامية ليحدثوا فوضى ونهبا».
كما حمل أحد أعضاء مجلس السيادة المتظاهرين السلميين المسؤولية ودعاهم إلى عدم الاحتكاك مع القوات النظامية أو التعدي على الممتلكات، وناشد المحتجين بـ«إبعاد أصحاب الأغراض الأخرى من الدخول وسطهم حتى لا يحدثوا الفوضى»، وذلك استمراراً لنهج درجت قوات الأمن والجيش عليه باتهام «طرف ثالث» دون تسميته، متجاهلة أن مهمتها ليست إنكار ضلوعها في تلك الجرائم بل منعها والقبض على مرتكبيها.
وتنشط على نحو لافت مجموعات نهب وخطف بالدراجات البخارية، تستهدف النساء على وجه الخصوص وتخطف هواتفهن الجوالة أو حقائبهن، أو تجبر أصحاب السيارات في الأماكن الخالية على التوقف وتنهب ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، أو تعتدي على السيارات أثناء الليل وتستولى على أجهزتها وما قد يكون داخلها من مقتنيات.
ويسمي السودانيون هذه المجموعات بـ«9 طويلة»، وترجع التسمية في الراجح إلى لعبة «البوكر» الورقية، فيما يقول آخرون إنها ترجع إلى شكل تنفيذ عملية الخطف، والتي يدور فيها الخاطف حول الضحية راسما الرقم 9 قبل أن ينفلت هاربا. واتسع نشاط عصابات النهب ما دفع سكان عدد من أحياء الخرطوم إلى إعلان التعبئة الشعبية لمواجهة عصابات النهب المسلح المعروفة بـ«نيقرز»، الأمر الذي قد يدفع الناس لأخذ الحق باليد في ظل غيبة أجهزة حفظ الأمن بالقانون.
وقال نشطاء إنهم سيوجهون «ثورة الشباب والكنداكات» لتكون ثورة ضد الانفلات الأمني واقتلاع من سموهم بـ«الانقلابيين». وحذر المدير الأسبق لإدارة المباحث الجنائية المركزية التابعة لقوات الشرطة الفريق عابدين الطاهر، مما سماه «الفوضى الشاملة والنهب المقنن» الذي وثقته فيديوهات وتسجيلات لمواطنين يشرحون تعرضهم لعمليات نهب مصحوبة بالعنف داخل الأحياء.
وأبدى الفريق الطاهر على صفحته الرسمية على «فيسبوك»، دهشته من صمت الشرطة لتوضيح حقيقة ما تبثه تلك المنصات الاجتماعية، ودعا مدير الشرطة لرفع حالة الاستعداد لمواجهة ما أطلق عليه «الانفلات». وقال إن «الإحساس بالأمن إذا فُقد فعواقبه وخيمة على كل أوجه الحياة». وانتقد الطاهر ما اعتبره صمتا من الجهات الرسمية عن توضيح الحقائق للناس.
ودخلت العاصمة الخرطوم أفواج من الفصائل المسلحة عقب اتفاقية «سلام جوبا» الموقعة بين الحكومة وعدد من الحركات المسلحة في إقليمي دارفور والنيل الأزرق في أكتوبر 2020، لكن لم يطبق البند الخاص بالترتيبات الأمنية في تلك الاتفاقية والذي ينص على دمج تلك الفصائل في الجيش النظامي والشرطة، لأسباب تتعلق بنقص التمويل وغياب الإرادة السياسية، فتركت تلك الفصائل دون مأوى أو مرتبات في وضع اقتصادي طاحن ومشهد سياسي مرتبك.
ويرى محللون أن الأزمة السياسية الخانقة التي نتجت عن إجراءات 25 أكتوبر الماضي، دقت إسفيناً حاداً بين القوات النظامية وبين الشارع المطالب بالحكم المدني وعودة العسكر إلى ثكناتهم، الأمر الذي خلق إحساساً بأن حالة الانفلات الأمني مدبرة، ومقصود بها مقايضة الأمن بالحريات، فيما يؤكد محللون أن للظاهرة أبعادها الأمنية والسياسية، وأن لها ارتباطاً وثيقاً بالضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وقد تدفع الجنود إلى طريق السطو والنهب.



ضربات أميركية ليلية تستهدف مواقع للحوثيين في صنعاء وحجة

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات "هاري ترومان" لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ف.ب)
مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات "هاري ترومان" لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ف.ب)
TT
20

ضربات أميركية ليلية تستهدف مواقع للحوثيين في صنعاء وحجة

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات "هاري ترومان" لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ف.ب)
مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات "هاري ترومان" لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ف.ب)

ضربت غارات أميركية مواقع للحوثيين في صنعاء وحجة ليل الأحد- الإثنين، استمراراً للحملة التي أمر بها الرئيس دونالد ترمب ضد الجماعة الموالية لإيران، سعياً لإرغامها على وقف تهديدها للملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.

وكان ترمب أمر الجيش ببدء الحملة الواسعة ضد الحوثيين في 15 مارس (آذار) وتوعدهم بـ «القوة المميتة» وبـ «القضاء عليهم تماما»، وسط تقارير أميركية تحدثت عن تكبد الجماعة حتى الآن خسائر كبيرة على مستوى العتاد والقادة.

وتزعم الجماعة أنها استأنفت هجماتها وتهديدها للملاحة نصرة للفلسطينيين في غزة بعد انهيار اتفاق الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل وعودة الأخيرة لعملياتها العسكرية في القطاع الفلسطيني المدمر.

وفي حين هدد وزير دفاع الجماعة الحوثية، الإثنين، بالمزيد من التصعيد وهون من أثر الضربات الأميركية، أقرت الجماعة بمقتل 3 أشخاص وإصابة 12 آخرين جراء الغارات التي ضربت مواقع في صنعاء واستهدفت سيارة في محافظة حجة (شمال غرب).

وأوضحت الجماعة في بيان أن شخصا قتل وأصيب خمسة جراء الغارات التي ضربت منطقة جدر في شمالي صنعاء، إضافة إلى إصابة ستة آخرين جراء القصف الذي استهدف منطقة صرف التابعة لمديرية بني حشيش حيث المدخل الشرقي لصنعاء.

وقال البيان الصادر عن قطاع الصحة الذي يديره الحوثيون إن شخصين قتلا وأصيب طفل جراء غارة استهدفت سيارة في منطقة الطور حيث مديرية بني قيس في محافظة حجة.

وبحسب إعلام الجماعة الحوثية، استهدفت 4 غارات منطقة جدر مديرية بني الحارث في صنعاء، كما استهدفت 8 غارات منطقة «الملكة» في مديرية بني حشيش و5 غارات أخرى صرف في المديرية نفسها.

ويرى مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الحل لا يكمن في الضربات الأميركية لإنهاء التهديد الحوثي وإنما في دعم القوات الحكومية على الأرض وتمكينها من تحرير الحديدة وموانئها وصولا إلى صنعاء وصعدة لاستعادة المؤسسات وإنهاء الانقلاب على الشرعية.

270 غارة

بهذه الغارات تكون الجماعة قد استقبلت نحو 270 غارة منذ بدء الحملة الأميركية الجديدة، لتضاف إلى حوالي ألف غارة وضربة بحرية تلقتها في عهد إدارة جو بايدن على مدار عام ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، وحتى إبرام هدنة غزة بين حركة حماس وإسرائيل في 19 يناير الماضي.

وكانت إدارة بايدن توقفت عن ضرباتها ضد الحوثيين بعد سريان اتفاق الهدنة في غزة كما توقفت الجماعة عن مهاجمة السفن وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، قبل أن تعود مجددا للتهديد بشن الهجمات تجاه السفن الإسرائيلية مع تعذر تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة في غزة.

ألسنة لهب ودخان يتصاعدان إثر غارة أميركية ضربت موقعا للحوثيين في صنعاء (أ.ف.ب)
ألسنة لهب ودخان يتصاعدان إثر غارة أميركية ضربت موقعا للحوثيين في صنعاء (أ.ف.ب)

ويقول مراقبون يمنيون إن الضربات التي أمر بها ترمب تختلف عما كان عليه الحال مع إدارة بايدن، لجهة أنها لا تكتفي بالعمليات الدفاعية والاستباقية وإنما تتخذ منحى هجوميا أكثر كثافة وشمولية لمواقع الحوثيين ومراكز قيادتهم ومخابئهم الحصينة في الجبال مع التركيز على معقلهم الرئيسي في صعدة والذي يرجح اختباء زعيمهم فيه.

ولم يحدد الجيش الأميركي مدة زمنية لوقف الضربات، بينما رهنها المسؤولون في واشنطن بتوقف الحوثيين عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر، وهو أمر كما يبدو بعيد المنال مع بقاء قدرة الجماعة العسكرية على حالها، وتحولها من لاعب محلي إلى لاعب إقليمي يعوض خسارة إيران لفاعلية حزب الله اللبناني.

إصرار على التصعيد

على وقع هذه الغارات الأميركية والهجمات الصاروخية الحوثية باتجاه إسرائيل هدد وزير دفاع الجماعة الانقلابية محمد ناصر العاطفي، الإثنين، بالمزيد من التصعيد، زاعما أن جماعته «أصبحت تمتلك ترسانة عسكرية قتالية متعددة المهام وقاعدة صناعية نوعية».

كما ادعى وزير دفاع الحوثيين أن لدى الجماعة «من القدرات والمفاجآت الكبيرة والواسعة بشأن الصناعة العسكرية والإنتاج الحربي ما يذهل العدو ويريح الصديق».

وهون المسؤول الحوثي من أثر الضربات الأميركية، وقال إنها لن تؤثر على قدرات الجماعة التي زعم أنها اتخذت «كافة التدابير الممكنة لمواجهة طويلة الأمد».

تقارير أميركية تحدثت عن مقتل قادة أساسيين في الجماعة الحوثية جراء ضربات ترمب (أ.ب)
تقارير أميركية تحدثت عن مقتل قادة أساسيين في الجماعة الحوثية جراء ضربات ترمب (أ.ب)

وكان الحوثيون قد استأنفوا هجماتهم الصاروخية تجاه إسرائيل منذ 17 مارس، وتبنّوا خلال أسبوعين إطلاق 10 صواريخ باليستية اعترضها الجيش الإسرائيلي دون أضرار.

يشار إلى أن الجماعة دخلت على خط التصعيد بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حيث أطلقت نحو 200 صاروخ وطائرة مسيرة تجاه إسرائيل، دون أن يكون لها أي تأثير عسكري باستثناء مقتل شخص واحد في 19 يونيو (حزيران) الماضي حينما انفجرت مسيرة في إحدى الشقق في تل أبيب.

كما تبنت الجماعة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حتى بدء هدنة غزة، مهاجمة 211 سفينة، وأدّت الهجمات خلال 14 شهرا إلى مقتل 4 بحارة وغرق سفينة بريطانية وأخرى يونانية، إضافة إلى قرصنة السفينة «غالاكسي ليدر».

وردت إسرائيل بخمس موجات من الضربات الانتقامية ضد الحوثيين كان آخرها في 10 يناير الماضي، واستهدفت الضربات موانئ الحديدة ومستودعات الوقود ومحطات كهرباء في الحديدة وصنعاء إضافة إلى مطار صنعاء.