تسبب الهولندي ماتيس دي ليخت مدافع يوفنتوس الإيطالي في ركلة جزاء في المباراة التي سحق فيها مضيفه يوفنتوس بثلاثية نظيفة الأربعاء، في إياب دور الستة عشر من مسابقة دوري أبطال أوروبا. ونجح فياريال في التأهل إلى دور الثمانية بعد تفوقه على الفريق الإيطالي 4 - 1 بمجموع المباراتين، حيث انتهت مباراة الذهاب بالتعادل 1 - 1. وكان دي ليخت مسؤولاً عن الهدف الذي أحرزه فياريال في مباراة الذهاب التي كان فيها واحداً من أفضل اللاعبين على أرض الملعب.
في حديثه إلى صحيفة «الغارديان»، كان واضحاً أن المدافع الهولندي غير سعيد عن توديع فريقه للمسابقة القارية الكبرى ويشعر بإحباط شديد ، وهو ما يعطينا فكرة عن الطريقة التي يفكر بها اللاعب الهولندي، الذي قال: «أريد دائماً أن أكون الأكثر انتقاداً لنفسي. أنا أعرف بالضبط متى أفعل شيئاً خاطئاً. ولكي تتحسن وتتطور، يتعين عليك في بعض الأحيان أن تتقبل فكرة اتخاذك للقرارات الخاطئة. وبالفعل، في حالة أدائي في مباراتي الذهاب والإياب كان بإمكاني التصرف بشكل أفضل».
دي ليخت في المواجهة التي أطاح فيها فياريال بيوفنتوس (رويترز)
من الواضح أن هذا السعي لتحقيق الكمال هو ما يدفع دي ليخت للتطور والتحسن بمرور الوقت. وفي يوفنتوس، يعد دي ليخت زميلاً وبديلاً لجورجيو كيليني وليوناردو بونوتشي. وفي منتخب هولندا فإنه يشكل شراكة دفاعية قوية إلى جانب المدافع العملاق لليفربول، فيرجيل فان دايك. ومنذ سن مبكرة، كان يرى كثيرون أن دي ليخت قادر على الوصول إلى مستوى هؤلاء المدافعين العظماء يوماً ما. لكن المعايير في المستويات الأعلى لهذه اللعبة تستمر في الارتفاع.
ربما أصبح الدفاع على أعلى المستويات أصعب مما كان عليه في أي وقت مضى. يوضح دي ليخت ذلك قائلاً: «في السابق، كانت هناك أنواع مختلفة من المدافعين، فكان هناك مدافعون يلعبون فقط داخل منطقة الجزاء ويشتتون الكرات بعيداً، لكن لا يمكنهم بناء الهجمات والتقدم للأمام للقيام بالواجبات الهجومية. وكان هناك مدافعون يجيدون الاستحواذ على الكرة بشكل رائع، لكنهم لا يدافعون بشكل جيد. لكن الاتجاه السائد الآن هو أن يكون المدافع متكاملاً وقادراً على القيام بواجباته الدفاعية والهجومية على حد سواء، ويجب أن يكون المدافع سريعاً وقوياً ويمكنه الاستحواذ على الكرة. وبالتالي، أصبح المستوى المطلوب من المدافعين مختلفاً تماماً عما كان عليه في السابق».
دي ليخت عندما انضم ليوفنتوس ورونالدو عام 2019 (غيتي)
ودائماً ما كان دي ليخت يمتلك الفنيات والقدرات التي تؤهله للاحتفاظ بالكرة والتقدم للأمام للقيام بالواجبات الهجومية، نظراً لأنه كان يلعب في الأساس في خط وسط نادي أياكس بمرحلة الشباب، وبالتالي فهو ممرر رائع للكرات البينية بالشكل الذي يجعل طريقة لعبه أقرب إلى أندريا بيرلو وسيرجيو بوسكيتس وليس كيليني أو سيرخيو راموس. لكن حتى عندما دفع يوفنتوس 70 مليون جنيه إسترليني للتعاقد معه في عام 2019، ظل الجانب الآخر من طريقة لعبه غير معروف نسبياً، وكانت هناك بعض الشكوك بشأن قدرته على التألق في معترك الدوري الإيطالي الممتاز، الذي يتعرض فيه من يرتكب أي خطأ إلى انتقادات لاذعة، ويصبح حديث الصحف والمجلات لمدة أسبوع كامل.
تأقلم دي ليخت مع أجواء الدوري الإيطالي الممتاز ببطء في البداية، لكنه سرعان ما أثبت للجميع أنه مدافع من العيار الثقيل. لقد نجح على مدار ثلاث سنوات بتورينو في تطوير مستواه والكشف عن طبيعته الحقيقية كمدافع صلب، وأصبح يشعر «بمزيد من الأمان والهدوء، وبات بإمكانه قراءة المواقف بشكل أفضل من ذي قبل»، على حد قوله. يقول المدافع الهولندي الشاب: «في أياكس أمستردام، عندما كان عمري 15 عاماً كنت ألعب في خط الوسط، ثم تغير مركزي للعب كقلب دفاع، وكنت أبني الهجمات من الخلف ولا أفهم حقاً المواقف الدفاعية وكيف أتصرف فيها. في بعض الأحيان يتعين عليك أن تشتت الكرة بعيداً، وفي أحيان أخرى يتعين عليك أن تمرر الكرة للأمام لبناء الهجمة، ومع مرور الوقت واكتساب الخبرات تعلمت كيف أتصرف بشكل صحيح في مثل هذه المواقف».
ويضيف: «العمل القذر مهم للغاية. يسميه الناس قذراً، لكني أجده لطيفاً في حقيقة الأمر، فمن الجيد أن تشتت الكرة برأسك بعيداً أو أن تفوز في الالتحامات الثنائية. أنا مدافع أنتمي إلى المدرسة القديمة للمدافعين فيما يتعلق بهذا الأمر. هناك الآن كثير من المدافعين الذين يبقون في مواقعهم الدفاعية ويغطون المساحات، لكنني أحب أيضاً الدفاع في المواقف الفردية ضد لاعبي الفرق المنافسة. في أياكس، كنت معتاداً على اللعب بخط دفاع متقدم للأمام، لأننا كنا نلعب بطريقة لعب تعتمد على الضغط العالي على الفريق المنافس. ربما كنا نتقدم أكثر من اللازم في بعض الأحيان، وهذا أمر محفوف بالمخاطر، لكننا الآن في يوفنتوس نلعب بتوازن بشكل أكبر».
دي ليخت في مواجهة رونالدو قبل الانضمام ليوفنتوس (غيتي)
من المؤكد أن دي ليخت يتعلم كثيراً وكثيراً من قائده الحالي، كيليني، الذي يمتلك خبرات هائلة وروحاً قتالية شديدة ورغبة دائماً في التطور، وهي الصفات التي جعلته يقود منتخب إيطاليا للفوز بكأس الأمم الأوروبية الصيف الماضي.
وعندما سُئل دي ليخت عما إذا كانت الغريزة الدفاعية - التمركز الجيد، والتوقع السليم، والرؤية - موهبة فطرية أم مهارة يمكن تعليمها، أشار إلى كيليني على الفور، وقال: «يمكنك بالتأكيد أن تتحسن وتتطور عندما تحصل على مزيد من الخبرات. على سبيل المثال، جورجيو كيليني يبلغ من العمر الآن 37 عاماً، ويلعب الآن كما لو كان يحفظ الملعب عن ظهر قلب، فهو يعرف أن هذا الموقف أو ذاك سوف يحدث ويتصرف بناء على ذلك.
ومن الواضح أن الأمر لم يكن كذلك عندما كان في العشرين من عمره، وهو ما يعني أنه تعلم الكثير بمرور الوقت واكتساب مزيد من الخبرات. لكن الأمر أيضاً يتعلق قليلاً بالقدرة على التوقع والشعور بمكان حدوث خطأ ما، أو أين سيمرر اللاعب الكرة. هذا شيء طبيعي تماماً، وأعتقد أن كل المدافعين الجيدين في العالم لديهم هذه القدرة على التوقع».
وبدءاً من يوهان كرويف مروراً بدينيس بيركامب وماركو فان باستن ووصولاً إلى كريستيان إريكسن، يمتلك أياكس أمستردام قدرة يُحسد عليها فيما يتعلق بإنتاج المهاجمين المبدعين، لكن سجله في إنتاج مدافعين من الطراز العالمي قد لا يكون على المستوى نفسه. قد يكون يان فيرتونخن وتوبي ألدرفيرلد هما أفضل مدافعين تخرجا من أكاديمية أياكس للناشئين خلال العقدين الماضيين. صحيح أن لاعبين آخرين مثل توماس فيرمايلين ودالي بليند ودافينسون سانشيز حققوا بعض النجاحات، لكنهم عانوا أيضاً عندما لعبوا على أعلى المستويات. ويمكن أن ينتهي الأمر بأن يكون دي ليخت هو الأفضل من بين هذه المجموعة من المدافعين، لكن عندما تسمعه وهو يتكلم عن الاختلافات بين أنديته السابقة وأولوياتهم المتفاوتة سوف تكتشف أن هناك نقطة مهمة ومثيرة للاهتمام في هذا الأمر.
يقول دي ليخت: «أهم شيء بالنسبة لي هو تحقيق الفوز. في يوفنتوس، إذا فزنا بهدف دون رد ولعبنا بشكل سيئ، أعتقد بصراحة أن الجميع سيظلون سعداء. وإذا لعبنا بشكل رائع وخسرنا بهدفين مقابل هدف فلن يكون أحد سعيداً. كل فريق لديه سمته المميزة، وهذا الأمر يختلف من نادٍ إلى آخر. وإذا لعبت بطريقة تعتمد على الدفاع المتقدم وخسرت بخمسة أهداف دون رد أو بأربعة أهداف نظيفة، فربما يعني ذلك أنه من الأفضل تغيير طريقة اللعب والعودة إلى الخلف قليلاً».
لا يزال دي ليخت يتحدث بمودة كبيرة عن الفترة التي قضاها في أياكس؛ ذلك الفريق الشاب الرائع الذي كان قريباً جداً من الفوز بلقب الدوري الأوروبي عام 2017 ودوري أبطال أوروبا عام 2019. ولا يزال على اتصال بكثير من زملائه السابقين في أياكس، مثل دوني فان دي بيك، وحكيم زياش، وفرينكي دي يونغ. والأهم من ذلك كله، أنه ما زال يتذكر الدروس التي تعلمها في الحياة خلال تلك الفترة. يقول عن ذلك: «لقد تعلمت كثيراً من الأشياء في أياكس، مثل الانضباط في العمل الجاد، وأن أكون لطيفاً مع الناس، وأن أحترم الجميع، وما زلت أحتفظ بهذه الصفات في كل مكان أذهب إليه».
فان دايك ودي ليخت يقودان معاً دفاع المنتخب الهولندي (غيتي)
لكن لا يزال من الغريب أن نتحدث عن دي ليخت بصيغة الماضي، نظراً لأنه يبلغ من العمر 22 عاماً فقط. يقول المدافع الهولندي الشاب ضاحكاً رداً على سؤال حول «أيام شبابه»: «أنا حقاً كبير في السن، أليس كذلك؟». لكن دي ليخت كان لاعباً مثيراً للاهتمام حقاً منذ بداياته في عالم كرة القدم، فرغم صغر سنه، حصل على كثير من الجوائز والبطولات وجرت مقارنته بأكبر اللاعبين في عالم الساحرة المستديرة، فهو أصغر لاعب يشارك في نهائي أوروبي كبير، وأصغر لاعب يشارك في التشكيلة الأساسية لمنتخب هولندا الأول منذ عام 1931. وبالعودة إلى بدايته المذهلة، فهل كان من المبرر الحديث عنه بكل هذا الاهتمام، وهل كان من الصعب عليه التعامل مع كل هذه الضجة الإعلامية المثارة من حوله، وهل كانت هناك مبالغة بشأنه؟
يرد دي ليخت قائلاً: «كان هناك كثير من الأشياء التي حدثت لي في سن مبكرة، كما كان هناك كثير من الكلام بشأني. ولو ارتكبت أي خطأ صغير كان يتم تضخيمه بشكل مذهل. لكن الشيء الأكثر أهمية هو أن ترى الصورة ككل، فعندما تفوز بجائزة الفتى الذهبي كأفضل لاعب شاب، على سبيل المثال، فإن هذا يضع عليك مزيداً من الضغط. لكن يتعين على اللاعب الجيد أن يتعامل مع هذه الضغوط ويحبها، لأنها تؤكد أنك لاعب جيد في نهاية المطاف. إن رؤية الأمور بهذه الطريقة تجعلني أفكر بشكل أفضل».
لقد كانت السنوات الثلاث الماضية عبارة عن فترة انتقالية صعبة بالنسبة لنادي يوفنتوس، إذ تعاقب على النادي عدد من المديرين الفنيين المختلفين، وفشل النادي في الاحتفاظ بلقب الدوري الإيطالي الممتاز، وبدأ الفريق الموسم الحالي بشكل كارثي ووجد نفسه بعيداً عن المنافسة على اللقب مرة أخرى. لكنه بدأ العام الجديد بشكل قوي وأعاد نفسه إلى المنافسة على اللقب مرة أخرى. وكان من المفترض أن الاستمرار في المنافسة بدوري أبطال أوروبا من شأنه أن يخفف قليلاً من الضغط على المدير الفني ماسيميليانو أليغري خلال فترة ولايته الثانية مع النادي، وهو الأمر الذي لم يحدث.
فما رأي دي ليخت في أليغري كمدير فني؟ يقول اللاعب الهولندي الشاب: «أهم شيء هو أنه يفهم أنه ليس من الضروري أن تكون الأمور جيدة طوال الوقت. الأمر كله يتعلق بتحقيق الفوز، وهذه أيضاً هي طريقة التفكير في يوفنتوس. لا يهم ما إذا كنت تلعب بشكل جيد أم لا، فالأمر يتعلق فقط بتحقيق الفوز. وخطوة بخطوة، نحن نفهم أكثر ما يتوقعه أليغري منا».
يأتي توديع يوفنتوس ودي ليخت لدوري أبطال أوروبا في الوقت الذي أكدت فيه تقارير إخبارية أن نادي برشلونة أبدى مجدداً اهتماماً بالتعاقد مع المدافع الهولندي. وذكرت صحيفة «توتو سبورت» الرياضية الإيطالية أن «السيدة العجوز» يسعى لإقناع دي ليخت بتجديد عقده الذي سينتهي في صيف 2024. وانضم دي ليخت إلى يوفنتوس في صفقة كان برشلونة يسعى للتعاقد معها ليظفر وقتها فقط بمواطنه، لاعب الوسط فرينكي دي يونغ. وحسب المصدر، فإن يوفنتوس يقترح على دي ليخت التجديد لموسم آخر حتى 2025 مع زيادة راتبه، وخفض قيمة الشرط الجزائي في عقده لتصل إلى 120 مليون يورو.
تقارير إخبارية أخرى تحدثت عن انضمام مانشستر يونايتد لركب الأندية المهتمة بدي ليخت، وفقاً لموقع «كالتشيو ميركاتو ويب» الإيطالي. ويسعى يونايتد لإضافة عناصر مميزة في خطه الخلفي. بدوره، يستعد بايرن ميونيخ لرحيل نيكلاس سوله ويطمح لتعويضه بمدافع شاب، ويعد دي ليخت خير بديل. أما برشلونة، فارتبط اسمه بكثير من اللاعبين خلال الفترة الماضية رغم الضائقة المالية التي يعاني منها، وما زال من غير الواضح ما إذا كانت الإدارة قادرة على توفير المبلغ المطلوب لاستقطاب لاعب بحجم نجم يوفنتوس، أم لا.
وكانت إحدى الصحف الإسبانية قد كشفت في وقت سابق عن سبب صادم وراء تعثر انتقال دي ليخت إلى صفوف برشلونة عندما كان لا يزال لاعباً في صفوف أياكس. وكان برشلونة قريباً بالفعل من التعاقد مع دي ليخت في صيف 2019، وهي فترة الانتقالات نفسها التي وقّع فيها النادي مع مواطنه دي يونغ. لكن المدافع الهولندي قرر في النهاية الانتقال إلى صفوف يوفنتوس، بقرار فاجأ الجميع آنذاك.
وأوضحت الصحيفة آنذاك في تقريرها، أن دي ليخت كان مهووساً بفكرة اللعب في برشلونة، ودخل في مفاوضات متقدمة مع النادي، قبل أن يتغيّر موقفه بشكل كامل بسبب اللقاء الذي جمعه مع جيرارد بيكيه. وأضاف التقرير أن دي ليخت التقى مع جيرارد بيكيه بالصدفة في أحد الفنادق بمنطقة البحر الكاريبي خلال قضاء إجازتهما الشتوية، وتبادلا أطراف الحديث حينها بخصوص انتقال مدافع أياكس السابق إلى ملعب الكامب نو.
وطبقاً لتقرير الصحيفة، فإن بيكيه أحبط دي ليخت عندما أخبره بأنّ فرصه باللعب بشكل أساسي ليست كبيرة، بسبب وجوده هو وكليمون لونغليه الذي كان يقدم أداءً ممتازاً، وهذا الأمر جعل النجم الهولندي يشعر بالقلق من هذه الخطوة. لذلك قرر التوقيع ليوفنتوس الذي ضمن له أن يكون لاعباً أساسياً في تشكيلة الفريق، ولم ينفِ طرفا هذه الواقعة أو يؤكدها.