حقوقيون يستنكرون ملاحقة المجتمع المدني في ليبيا

وسط اتهام جهاز أمني بتعقب النشطاء وتشويه سمعتهم

المدون الليبي الراحل الطيب الشريري (من صفحته على «فيسبوك»)
المدون الليبي الراحل الطيب الشريري (من صفحته على «فيسبوك»)
TT

حقوقيون يستنكرون ملاحقة المجتمع المدني في ليبيا

المدون الليبي الراحل الطيب الشريري (من صفحته على «فيسبوك»)
المدون الليبي الراحل الطيب الشريري (من صفحته على «فيسبوك»)

اتهم «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» السلطات الليبية، بتوظيف خطاب «مضلل» لتبرير احتجاز الأفراد تعسفياً، و«ترهيب وتشويه سمعة المجتمع المدني هناك»، بينما أطلقت يد الميليشيات والجماعة المسلحة المؤدلجة لتمارس ترهيب المخالفين.
وطالب المركز، في بيان، أول من أمس، المجلس الرئاسي الليبي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة، بالتوقف عما سمَّاه «التشهير والتحريض على العنف» بحق النشطاء السلميين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والإفراج الفوري عن المعتقلين تعسفياً.
واستند المركز في اتهاماته على أنه خلال الفترة الممتدة ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ومارس (آذار) الجاري، اعتقل جهاز الأمن الداخلي، التابع للمجلس الرئاسي، 7 أشخاص على الأقل، من بينهم نشطاء ومدافعون حقوقيون، إلى جانب أفراد نشطوا مؤخراً على الإنترنت لمناقشة مشكلات حقوق الإنسان، وحقوق المشردين والمهاجرين واللاجئين.
ورأى المركز أن استخدام السلطات الليبية لدوافع «غير مبررة»، مثل ادعاءات «الأخلاق الغامضة» لتشويه سمعة النشطاء السلميين وترهيبهم، وتقييد العمل في مجال حقوق الإنسان، وقمع الحريات الأساسية «يعد أمراً مروعاً، ويتعارض مع الإعلام الدستوري لعام 2011 والقانون الدولي».
وذهب المركز إلى أن «جهاز الأمن الداخلي» بث مقاطع مصورة تظهر «اعتراف» الشبان المعتقلين بأنهم يتعاونون مع منظمات دولية، لنشر قيم «غير أخلاقية» داخل المجتمع الليبي، ورأى أن محتوى ومكان تصوير المقاطع يشيران إلى أن هذه الاعترافات «تم انتزاعها تحت الإكراه».
ويعتقد المركز أن بعض الأفراد محتجزون في سجون تسيطر عليها جماعات مسلحة متطرفة، دون أي رقابة قضائية، مثل «معيتيقة» الذي تديره ميليشيا «الردع الخاصة» بقيادة عبد الرؤوف كاره. علماً بأنه تنتشر في مثل هذا المعتقل على نطاق واسع حوادث التعذيب، وسوء المعاملة والقتل خارج نطاق القانون، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
وساهمت الانتهاكات المتكررة بحق الصحافيين والمدونين والأفراد الذين يعبرون عن آرائهم عبر «الإنترنت»، في زيادة تقويض حرية الرأي والتعبير. فعلى مدار الفترة بين سبتمبر (أيلول) وديسمبر (كانون الأول) الماضيين، تعرض 16 صحافياً ومدوناً للاعتقال التعسفي أو الاختفاء قسراً. وفي 6 مارس الجاري قُتل رمياً بالرصاص الطيب الشريري، المدون والعضو السابق بـ«جهاز الأمن الداخلي»، بعد تحدثه على الإنترنت عن اعتقاله، وإطلاق سراحه بعدها على يد أفراد من القوة المشتركة بمصراتة.
وقضى أكثر من 22 صحافياً ليبيا على الأقل منذ «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011؛ لكن أعداداً أكثر من ذلك تعرضت للخطف والاحتجاز لمدة طويلة، فضلاً عن تعرض كثير من العاملين في المجال الصحافي والإعلامي إلى إصابات خطيرة، وصلت إلى البتر خلال تأدية عملهم في محاور الاقتتال بالعاصمة.
وسبق أن أدانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا تصفية الشريري، مطالبة النائب العام والمحامي العام في مدينة مصراتة بفتح تحقيق شامل في ملابسات الواقعة المشينة؛ قصد ضمان حقوق الضحايا والمتضررين، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب وتعزيز المساءلة، وضمان حق التقاضي وتحقيق العدالة للضحايا، وتعزيز سيادة القانون والعدالة.
ودفعت حملات التضييق على المجتمع المدني حركة «تنوير»، وهي منظمة حقوقية وثقافية ليبية بارزة تأسست عام 2012، لإعلان إغلاقها والتوقف عن ممارسة عملها في 13 مارس الجاري.
ويقول «مركز القاهرة لحقوق الإنسان»، إن «الإخفاق في تحقيق أي تقدم حقيقي بشأن إصلاح قطاع الأمن الليبي، إلى جانب استمرار الدعم السياسي والمالي للجماعات المسلحة، في إضفاء الشرعية على الدور الأمني الذي تمارسه هذه الجماعات؛ خصوصاً المتشددة منها، مثل (قوة الردع الخاصة) ساهم في حدوث انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان»؛ مبرزاً أنه «تم الإبلاغ عن اعتداءات لفظية وجسدية متكررة بحق الأقليات الدينية والفنانين والصحافيين، من جانب الجماعات المسلحة»، مستنكراً تضمين حكومة «الوحدة» مقترح ميزانية 2021 دعماً مالياً مباشراً للميليشيات المعروفة بارتكابها لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلى جانب تخصيص مبالغ كبيرة لبعض هذه المجموعات من خلال قرارات تنفيذية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.