الجزائر تستدعي سفيرها في مدريد بعد «انقلاب» الموقف حول الصحراء الغربية

جنود من جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية (أ.ب)
جنود من جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية (أ.ب)
TT

الجزائر تستدعي سفيرها في مدريد بعد «انقلاب» الموقف حول الصحراء الغربية

جنود من جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية (أ.ب)
جنود من جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية (أ.ب)

أعلنت الجزائر، اليوم (السبت)، استدعاء سفيرها في مدريد، على خلفية دعم إسبانيا مقترح المملكة المغربية منح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً، بدل إجراء استفتاء لتقرير المصير كما تطالب «بوليساريو» المدعومة من الجزائر، في ما وصفته هذه الأخيرة بأنه «انقلاب مفاجئ».
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية نشرته وسائل الإعلام الحكومية، أن السلطات الجزائرية «استغربت الانقلاب المفاجئ والتحول في موقف السلطة الإدارية السابقة بالصحراء الغربية، وعليه قررت الجزائر استدعاء سفيرها في مدريد فوراً للتشاور»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وأعلنت إسبانيا التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الجزائري، الجمعة، تغييراً جذرياً في موقفها في هذا الملف الحساس، من خلال دعمها موقف الرباط علناً وللمرة الأولى، فيما كانت دائماً تتبنى موقفاً حيادياً.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1505178526349082625
وصرّح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، الجمعة، أمام الصحافيين في برشلونة، بأن إسبانيا «تعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي المُقَدّمة في 2007 (من جانب المغرب) هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع» بين الرباط وجبهة بوليساريو.
وسبق تصريح ألباريس إعلان الحكومة الإسبانية عن «مرحلة جديدة في العلاقة مع المغرب تقوم على الاحترام المتبادل واحترام الاتفاقات وغياب الإجراءات الأحادية والشفافية والتواصل الدائم».
وجاء الإعلان بعد بيان للديوان الملكي المغربي أشار فيه إلى رسالة وصلت من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اعتبر فيها أن مبادرة «الحكم الذاتي» المغربية المقترحة للإقليم المتنازع عليه «بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف».
وأشادت الرباط «عالياً بالمواقف الإيجابية» و«الالتزامات البناءة» لإسبانيا إزاء مقترح المملكة منح حكم ذاتي لحل نزاع الصحراء الغربية، ما من شأنه تحسين العلاقات المتأزمة بين الجارين.
ونشب الخلاف الدبلوماسي الكبير بين مدريد والرباط في أبريل (نيسان) 2021 بسبب استقبال إسبانيا زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي للعلاج بعد إصابته بفيروس «كوفيد - 19».
وتلا ذلك في مايو (أيار) الماضي وصول أعداد كبيرة من المهاجرين المغاربة إلى جيب سبتة الإسباني الواقع على الساحل الشمالي للمغرب.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1501662860971323395
وقد استدعى المغرب سفيرته في إسبانيا للتشاور، ولم تعد إلى مدريد حتى الآن.
من جهتها، عبّرت جبهة بوليساريو، في بيان (السبت)، عن «استغرابها» موقف الحكومة الإسبانية الذي «يتناقض بصفة مطلقة مع الشرعية الدولية»، ممثلة في «الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ومحكمة العدل الدولية ومحكمة العدل الأوروبية وكل المنظمات الإقليمية والقارية لا تعترف، جميعها، بأي سيادة للمغرب على الصحراء الغربية».
ويدور نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر حول الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تصنفها الأمم المتحدة بين «الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي».
وتقترح الرباط التي تسيطر على ما يقرب من 80 في المائة من هذه المنطقة، منحها حكماً ذاتياً تحت سيادتها، بينما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.