مقابر سقارة تمهد لكشف «الأسرار الغامضة» بمصر القديمة

وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيري في إحدى مقابر سقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيري في إحدى مقابر سقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مقابر سقارة تمهد لكشف «الأسرار الغامضة» بمصر القديمة

وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيري في إحدى مقابر سقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيري في إحدى مقابر سقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلن الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، اليوم السبت، تفاصيل اكتشاف 5 مقابر أثرية بمنطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة).
وقال وزيري، في مؤتمر صحافي اليوم خلال الإعلان عن الكشف الأثري، إن هذا الاكتشاف المهم هو من أعمال حفائر البعثة الأثرية المصرية العاملة بالمنطقة الواقعة شمال غربي هرم الملك «مرنرع» بسقارة التي يرأسها.
وتعود المقابر المكتشفة إلى عصري الدولة القديمة والانتقال الأول، وعثر بداخلها على العديد من «الدفنات» واللقى الأثرية.
ووفق آثاريين مصريين، فإن هذا الاكتشاف يسهم في إعادة كتابة تاريخ مصر في عصر الانتقال الأول، والذي ما زالت بعض تفاصيله غامضة، وذلك من خلال توفير معلومات عمن عاشوا وحكموا في تلك الفترة.
وأوضح الدكتور وزيري أن المقبرة الأولى من المقابر المكتشفة لشخص يدعى «إيري» من أحد كبار رجال الدولة، وتتكون من بئر يؤدي إلى غرفة دفن منقوشة الجدران صور عليها العديد من المناظر الجنائزية منها مناظر لموائد القرابين، وواجهة القصر، وأواني الزيوت السبعة، كما يوجد بها تابوت ضخم من الحجر الجيري بالإضافة إلى قطع منقوشة تخص صاحب المقبرة وتعمل البعثة الآن على تجميعها.
وأوضح أن المقبرة الثانية تخص زوجة شخص يدعى «يارت»، وذلك بسبب قربها من مقبرته وهي تتكون من بئر مستطيل الشكل، مضيفاً أن المقبرة الثالثة هي لشخص يدعى «ببى نفرحفايي»، والذي كان يشغل عدة مناصب منها «السمير الأوحد»، والمُشرف على البيت العظيم، و«الكاهن المُرتل»، و«مطهر البيت».

وأشار وزيري إلى أن المقبرة الرابعة عبارة عن بئر مستطيل الشكل يقع على عمق نحو 6 أمتار تحت سطح الأرض لسيدة تدعى «بيتي»، والتي حملت ألقاب مزينة الملك الوحيدة وكاهنة المعبودة حتحور.
أما المقبرة الخامسة فهي لشخص يدعى «حنو» وتتكون من بئر مستطيل الشكل يقع على عمق نحو 7 أمتار ويأتي من بين ألقابه المشرف على القصر الملكي و«السمير الأوحد»، والأمير الوراثي والعمدة، والمُشرف على البيت العظيم، وحامل أختام الوجه البحري، والمشرف على البستان.
من جهته، قال الدكتور محمد يوسف مدير منطقة آثار سقارة، إن أهمية هذا الكشف تكمن في قرب هذه المقابر من المقابر الملكية ما يدل على قرب أصحابها من الملك، مشيراً إلى العثور على أوسمة ونياشين ممنوحة من الملك لأصحاب تلك المقابر.
وأضاف أن البعثة المصرية مستمرة في أعمال الحفائر بالموقع لاكتشاف المزيد من أسراره، حيث تعمل حالياً على تنظيف هذه المقابر ويجري أعمال التوثيق الأثري لها.
وأعلنت البعثة الأثرية المصرية عن عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة بمنطقة آثار سقارة، خلال السنوات الماضية من بينها الكشف عن مئات التوابيت الآدمية الملونة بداخلها مومياوات في حالة جيدة من الحفظ لكبار رجال الدولة والكهنة من الأسرة الـ26 والذي تم اختياره من أفضل 10 اكتشافات أثرية في العالم لعام 2020. بالإضافة إلى اكتشاف مقبرتين من عصر الأسرة الخامسة لـ«الكاهن المطهر» «واحتي» والمشرف على القصر الملكي «خوي» وعدد من المقابر الخاصة بالقطط.

ويعد عصر الانتقال الأول، من أهم فترات التاريخ المصري، حيث الانهيار سياسياً واقتصادياً للدولة، بعدما استقل حكام الأقاليم بالحكم في أقاليمهم، وانهار الاقتصاد نتيجة استنزاف موارد الدولة في بناء الأهرامات في الدولة القديمة، وقلة فيضان النيل، وتأثير ذلك على الزراعة.
ومنطقة آثار سقارة هي جزء من جبانة منف، وتبعد عن القاهرة نحو 40 كم، غرباً، وترجع تسميتها إلى المعبود «سُكر»، أحد معبودات مصر القديمة، وتعتبر منطقة آثار سقارة بمثابة متحف مفتوح، حيث تضم آثاراً من مختلف الحقب التاريخية المتعاقبة على مصر.
ويعد هرم زوسر المدرج، أشهر آثار سقارة، لكونه أقدم بناء حجري في التاريخ، وتضم منطقة آثار سقارة، مقابر لملوك وكبار موظفي الأسرتين الأولى والثانية، إضافة إلى أهرامات لأهم الملوك في الأسرتين الخامسة والسادسة، من بينها هرم الملك ونيس، أول من نقش غرفة دفنه بنصوص الأهرام، والتي كان الهدف منها حماية الملك خلال رحلته في العالم الآخر، وتضم منطقة سقارة أيضاً مقابر كبار رجال الدولة القديمة الملكية، وعصر الانتقال الأول والدولة الوسطى، (2055 - 1650 ق.م)، والدولة الحديثة (1550 - 1069 ق.م)، والتي تتميز بأسلوبها المعماري المختلف عما كان متعارف عليه في طيبة، من بينها مقبرة الملك حور محب (1323 – 1295) قبل الميلاد.


مقالات ذات صلة

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق طريقة بناء الأهرامات تُمثل لغزاً كبيراً (الشرق الأوسط)

فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي يُجدد الجدل بشأن طريقة بناء الأهرامات المصرية

جدّد مقطع فيديو قصير مُولد بالذكاء الاصطناعي، يشرح طريقة بناء الأهرامات، الجدلَ بشأن نظريات تشييد هذه الآثار الضخمة.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
يوميات الشرق اكتشاف عدد من اللقى الأثرية والأدوات الشخصية للجنود (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة أثرية بالدلتا

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الخميس، عن اكتشاف «ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة» أثرية تعود لعصر الدولة الحديثة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».