إيران تعمل على يورانيوم مخصب بدرجة قريبة من إنتاج قنبلة نووية

عدد من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من الجيل الجديد (رويترز)
عدد من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من الجيل الجديد (رويترز)
TT

إيران تعمل على يورانيوم مخصب بدرجة قريبة من إنتاج قنبلة نووية

عدد من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من الجيل الجديد (رويترز)
عدد من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من الجيل الجديد (رويترز)

أظهر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس (الأربعاء) أن إيران تحدت القوى الغربية بتحويل بعض من اليورانيوم المخصب إلى درجة قريبة من اللازمة لصنع الأسلحة، وإلى هيئة يصعب معها استرداده، بالإضافة إلى تخفيفه وشحنه إلى خارج البلاد، وفقاً لوكالة «رويترز».
ومن غير المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى انهيار المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الرامية لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لكنها ستزيد صعوبة تنفيذ أي اتفاق يتمخض عن تلك المحادثات بما يؤدي إلى العودة للقيود المفروضة على مخزون إيران من اليورانيوم المخصب.

وأصدرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهي دول حليفة للولايات المتحدة وتشارك في المحادثات، بياناً مشتركاً بهذا المعنى يوم الثلاثاء وطالبت فيه إيران بعدم القيام بذلك.
وقالت البلدان الثلاثة في بيان: «نحث إيران بشدة على تجنب القيام بأي تصعيد جديد، وبالأخص ندعو إيران إلى التوقف فوراً عن جميع الأنشطة المتعلقة بتحويل اليورانيوم عالي التخصيب، والتي ستكون لها تداعيات فعلية على العودة إلى حدود خطة العمل الشاملة المشتركة»، وذلك في إشارة إلى الاتفاق النووي.
وسيقتضي الاتفاق، الذي يقول دبلوماسيون إنه اقترب من الاكتمال، بأن تتخلص إيران من مخزونها من اليورانيوم المخصب فوق درجة النقاء 3.67 في المائة التي يسمح بها الاتفاق النووي. وتبلغ أعلى درجة لليورانيوم المخصب لدى إيران الآن نحو 60 في المائة، وهي نسبة تقترب من درجة 90 في المائة اللازمة لصنع الأسلحة النووية، وتمتلك منه إيران نحو 33 كيلوغراماً.
وضمن توضيح لأحدث تحركاتها في تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الدول الأعضاء يوم الخميس الماضي، كان مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 في المائة في صورة سداسي فلوريد اليورانيوم، وهو المادة التي تستخدم في تغذية أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب. ويمكن تخفيف سداسي فلوريد اليورانيوم ونقله بسهولة، وهي عملية يناقشها المندوبون في المحادثات منذ شهور.

وقال التقرير السري الذي اطلعت عليه «رويترز» ولخصه بيان قصير للوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه بين السادس والتاسع من مارس (آذار) الحالي، تحققت الوكالة من أن إيران حولت 2.1 كيلوغرام من اليورانيوم الذي تصل درجة تخصيبه إلى 60 في المائة إلى 1.7 كيلوغرام من هيئة مختلفة مخصبة بنفس المستوى ومناسبة لصنع «أهداف» صغيرة من أجل التعريض للإشعاع.
وينتج عن تعريض هذه الأهداف للإشعاع مادة الموليبدينوم - 99. وهو نظير طبي يولد نظيراً آخر يستخدم على نطاق واسع في مجال التصوير التشخيصي الطبي. وما يتبقى من الهدف يشتمل على يورانيوم عالي التخصيب على هيئة يتعين معالجتها لاسترداده.
وذكر التقرير أن الوكالة تحققت في 11 و13 مارس من أن إيران أنتجت 32 هدفاً تحتوي في المجمل على 186.7 غرام من اليورانيوم المخصب بما يصل إلى 60 في المائة، مضيفاً أن إيران أعلنت لاحقاً أنها تعرضت جميعها للإشعاع.
وأشار التقرير إلى أن الوكالة تحققت بعد ذلك في 15 مارس من أن إيران أنتجت دفعة أخرى تضم 56 هدفاً تحتوي على ما مجموعه 329 غراماً من اليورانيوم المخصب بنفس الدرجة.



إيران تترقب سياسة ترمب بشأن برنامجها النووي

رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً حول عمل أجهزة الطرد المركزي (الذرية الإيرانية)
رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً حول عمل أجهزة الطرد المركزي (الذرية الإيرانية)
TT

إيران تترقب سياسة ترمب بشأن برنامجها النووي

رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً حول عمل أجهزة الطرد المركزي (الذرية الإيرانية)
رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً حول عمل أجهزة الطرد المركزي (الذرية الإيرانية)

إحدى القضايا المعقدة في السياسة الخارجية التي سيرثها دونالد ترمب عندما يتولى منصبه في البيت الأبيض هي إيران التي تقف على أعتاب أن تصبح قوة نووية، مع استمرار برنامجها الصاروخي الباليستي القوي في التقدم، وهي تعد الولايات المتحدة العقبة الرئيسية أمام سيطرتها على الشرق الأوسط. فكيف سيرد ترمب؟

وقال «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركية، وهو مؤسسة بحثية مستقلة، إن الإجابة عن هذا السؤال قد تبدو سهلة؛ لأن ترمب كان متسقاً في خططه إبان سنوات حكمه الأولى، وهو الآن يُتوقع أن يعود إلى سياسته السابقة القائمة على مبدأ فرض «أقصى درجات الضغط» على إيران.

وكانت تلك السياسة تهدف إلى تشديد الخناق الاقتصادي على إيران من خلال توسيع العقوبات الأميركية المفروضة عليها، وتشديد تطبيق العقوبات القائمة. فالهدف لم يكن تغيير النظام، بل إجبار طهران على الحد من برامجها النووية والباليستية وكبح دعمها للميليشيات الإقليمية التي تشكل ما يسمى بـ«محور المقاومة».

ورغم أن سياسة أقصى الضغط قد نجحت في تقليص الاقتصاد الإيراني، فإنها فشلت في إجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فحتى مع تعثر اقتصادها وتراجع احتياطاتها الأجنبية، استمرت طهران في برامجها النووية والباليستية، ووسّعت دعمها لحلفائها الإقليميين، بل شنّت هجوماً صاروخياً على قاعدة أميركية في العراق عام 2020.

وقال المجلس: «إن السؤال الآن هو: هل ستنجح سياسة أقصى الضغط في السياق الجيوسياسي المختلف اليوم؟». وأوضح أن الأدلة على هذا الصعيد مختلطة، فحروب إسرائيل ضد «حماس» و«حزب الله»، وسقوط نظام الأسد في سوريا، أضعفت موقف إيران في المنطقة. كما أن حلفاءها أقل عدداً وأضعف مما كانوا عليه قبل ستة أشهر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الضربات الجوية الانتقامية التي نفذتها إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) دمرت جزءاً كبيراً من الدفاعات الجوية الإيرانية، مما جعلها أكثر عرضة للهجمات العسكرية.

البرنامج النووي

المفاعل النووي الإيراني في بوشهر جنوب العاصمة طهران (أرشيفية - أ.ب)

هذا الضعف، إلى جانب المشكلات الاقتصادية والاضطرابات الداخلية في إيران، قد يكون السبب وراء تصريح وزير الخارجية الإيراني بأن إيران تتطلع لاستئناف المحادثات النووية. ومع ذلك، فإن استراتيجية أقصى الضغط تحتاج إلى وقت لتحقيق النتائج، وهو ما قد يكون محدوداً فيما يخص البرنامج النووي الإيراني.

والمعروف أن إيران كثّفت جهودها لتخصيب اليورانيوم بعد أن ألغى ترمب الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تفاوضت عليه إدارة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما. ووفقاً لمعظم التقديرات، يمكن لإيران الآن بناء عدد قليل من الأسلحة النووية في غضون أسابيع من اتخاذها قرار عبور العتبة النووية.

وأشار «مجلس العلاقات الخارجية» إلى أن القوى الكبرى الأخرى ستضعف أيضاً سياسة أقصى الضغط. فالصين وروسيا تجاوزتا أو تجاهلتا العقوبات الأميركية متعددة الأطراف المفروضة على إيران. ومن غير المرجح أن تمتثل إيران لها الآن ما لم تحصل على شيء كبير من الولايات المتحدة في المقابل.

كما أن ترمب قد يكون غير راغب أو غير قادر على تقديم ذلك الحافز. فإذا اعتقدت طهران أن بكين وموسكو تدعمانها، فستكون المقاومة استراتيجية أكثر من كونها قابلة للتطبيق. ويمكن أن تستخدم طهران المفاوضات وسيلة لشراء الوقت لمعالجة نقاط ضعفها.

مفاوضات بنوايا حسنة

خامنئي خلال لقائه قدامى المحاربين (إ.ب.أ)

حتى لو دخلت إيران في مفاوضات بنوايا حسنة، فقد تتعثر جهود ترمب بسبب الخلافات حول ماهية الصفقة المناسبة. فالتنوع الآيديولوجي داخل فريقه، المكون من متشددين وأنصار سياسة «أميركا أولاً»، يجعل من المحتمل أن يتجادلوا حول ما يجب أن تتنازل عنه طهران ليكون الاتفاق مجدياً. هذا الانقسام الداخلي قد يقوّض الجهود للوصول إلى اتفاق.

كل هذا يثير التساؤل حول ما سيحدث إذا لم تبدأ المحادثات أو، وربما الأكثر احتمالًا، إذا لم تحقق المحادثات أي نتائج. من المحتمل أن تتصاعد الدعوات للولايات المتحدة لضرب المواقع النووية الإيرانية إذا لم تسفر حملة أقصى الضغط عن نتائج سريعة. كما أن ترمب سيواجه دعوات لتشجيع إسرائيل على مهاجمة إيران، على الرغم من أن إسرائيل تفتقر إلى القدرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض.

من جانبها، ستقيّم طهران استعداد ترمب لاستخدام القوة العسكرية، بالإضافة إلى قدرات إسرائيل العسكرية، عند التفكير في المفاوضات. ويعرف القادة الإيرانيون أن ترمب أمر باغتيال قاسم سليماني في عام 2020، وتحدث أثناء حملته الانتخابية عن «إبادة» إيران، وقال إن على إسرائيل ضرب المواقع النووية الإيرانية. لكنهم يعلمون أيضاً أنه خاض حملته ضد «حروب أميركا الأبدية» في الشرق الأوسط بينما تفاخر، بشكل غير صحيح، بأنه «الرئيس الوحيد خلال 72 عاماً الذي لم يخض حروباً».

ويرى «مجلس العلاقات الخارجية» أن اللجوء إلى القوة العسكرية، سواء من خلال عمل أميركي مباشر أو عن طريق تشجيع إسرائيل على الهجوم، سيكون مقامرة كبيرة. قد تنجح أكثر مما يتوقع المخططون، وتفتح فصلاً جديداً أكثر سلماً في الشرق الأوسط. أو، مثل غزو العراق، قد تفتح المقامرة باباً من المشكلات التي ستطارد المنطقة والولايات المتحدة لسنوات. ولكن السماح لإيران بمواصلة برامجها النووية والباليستية بينما تعيد بناء «محور المقاومة» له تكاليفه الخاصة أيضاً. لذا، يأمل البعض أن تنجح العودة إلى استراتيجية أقصى الضغط.