قلق في دمشق على رغيف الخبز... وتطمينات حكومية

TT

قلق في دمشق على رغيف الخبز... وتطمينات حكومية

بمجرد النظر في وجوه المارة في معظم أحياء دمشق، تبدو معاناة السكان التي يعيشونها واضحة، بسبب انعدام وسائل التدفئة في ظل موجات برد عاتية تجتاح دمشق وعموم المناطق السورية، وسط قلق من عدم توفر الحبوب الضرورية لرغيف الخبز. وتفاقمت هذه المعاناة لدى قيام الحكومة بزيادة ساعات قطع التيار الكهربائي في معظم مناطق العاصمة، على حين عادت استثناءاتها من ساعات القطع في «المناطق الراقية».
وأعلن رئيس مجلس الوزراء السوري حسين عرنوس، أن لدى بلاده من القمح ما يكفي إلى ما بعد موسم الحصاد القادم. وخلال كلمة أمام مؤتمر «الجبهة الوطنية التقدمية»، قال عرنوس: «لن تكون هناك أي مشكلة غذاء في سوريا، ولدينا من القمح ما يكفي إلى ما بعد موسم الحصاد القادم، إضافةً إلى استمرار توريدات القمح والمواد الغذائية الأساسية، مع الإيقاف المؤقت لتصدير عدد من المواد الغذائية المنتجة محلياً».
وأضاف عرنوس أن «تأمين المواد الغذائية من أولى أولويات الحكومة، وكذلك تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي والمشتقات النفطية وإطلاق الإنتاج في المشاريع المتوسطة والصغيرة».
يذكر أن الجبهة الوطنية التقدمية (تحالف من 9 أحزاب، إضافة إلى اتحاديْ: العمال والفلاحين) بدأت اليوم مؤتمرها الحادي عشر برعاية الرئيس السوري بشار الأسد، وتحت شعار: «جبهتنا في عيدها الذهبي دعامة وحدتنا الوطنية»، حسب موقع «روسيا اليوم».
ومنذ بداية فصل الشتاء الحالي، تتوالى على البلاد منخفضات جوية الواحد تلو الآخر وتتسبب بموجات برد قارس للغاية، يجد معظم الأهالي الغارقين في الفقر، أنفسهم عاجزين أمامها نتيجة عدم توفير الحكومة لوسائل التدفئة من مازوت وغاز منزلي وتيار كهربائي.
ياسر، وهو مسؤول عائلة مؤلفة من ثلاثة أشخاص، ورغم عدم تقدمه في السن كان من شدة البرد يسير بسرعة في طريق رئيسي غرب العاصمة دمشق لجلب مستلزمات للعائلة والعودة للمنزل.
ولم يستطع ياسر التحدث بوضوح لـ«الشرق الأوسط» من شدة البرد، ويقول بعبارات متقطعة وهو يسير: «نحن نعيش حياة مريرة، فكل هذا البرد يعطوننا (الحكومة) مازوتاً وغازاً بالقطارة»، ويضيف: «50 لتر مازوت خلصوا أول أسبوعين، وكل 3 أشهر جرة (أسطوانة) غاز، وإذا استعملتها للتدفئة بتخلص بـ3 أيام وفوق كل هذا ما في كهرباء. نعيش في جحيم لا يطاق أبداً. ما يجري هو جريمة تُرتكب بحق الناس».
وبعدما كانت ساعات البرنامج الذي تفرضه الحكومة لتقنين الكهرباء في ظل أزمة توفرها الخانقة والأسوأ من نوعها خلال سنوات الحرب، تصل في الصيف الماضي ما بين 6 و8 ساعات قطع مقابل ما بين ساعتين إلى ساعة وصل، تقوم شركة الكهرباء حالياً مع ازدياد الضغط على الاستهلاك بسبب استخدامها في التدفئة بزيادة ساعات القطع لتصبح في معظم مناطق محيط دمشق ما بين 10 و12 ساعة قطع مقابل ساعة أو نصف ساعة وصل يتخللهما عدة انقطاعات.
سوسن تروي لـ«الشرق الأوسط» معاناتها مع أطفالها الأربعة في ظل البرد الذي «لا يتحمله بشر»، وتقول: «أقسم بالله يومياً بينفطر قلبي ووجع الرأس ما بينتهي، بسبب مشهد الأولاد وهم يئنون من البرد»، وتضيف: «كل النهار الكهرباء بتيجي ساعة ولما بتيجي بتنقطع خمس دقائق وبتيجي خمس دقائق، والأولاد بيهرعوا من تحت الحرامات وبتجمعو قدام (أمام) الدفاية، وبس تنقطع برجعو لتحت الأغطية. والله شي يجنن والواحد رح ينجلط».
وتتخوف سوسن من أن يصاب أطفالها بالأمراض من جراء البرد الشديد، وتقول: «نحنا لكبار ما عنّا قدرة على تحمل هيك برد فكيف الأولاد؟ الله وكيلك بقضي اليوم أدعي لربي ما يمرضوا، لأنه دوبنا عم نأكل ومو ناقصنا دكاترة وأودية»، وتوضح أن «كشفية الدكتور اليوم وثمن الدواء بدّهون راتب موظف».
وبسبب ازدياد الضغط على الاستهلاك في ساعة وصل التيار الكهربائي، كثيراً ما تحترق أسلاك الكهرباء في الطرقات، وقد يؤدي الأمر إلى انفجار الخزانات الرئيسية في الأحياء، الأمر الذي يتطلب قيام الأهالي بتقديم طلب إلى مؤسسة الكهرباء من أجل عملية الإصلاح، وهو ما يكلف الأهالي مبالغ باهظة تُدفع رشوة لعمال المؤسسة من أجل تنفيذ العملية. في ظل هذه الحال بأحياء محيط دمشق، وغرق كثير منها في الظلام وبعضها ليومين متتاليين وأخرى لثلاثة، يلفت الانتباه على الملقب الآخر في أحياء وسط العاصمة الراقية تطبيق برنامج تقنين مخفف ومحدد للكهرباء يقوم في بعضها على 4 ساعات قطع وساعتي وصل دائم، وفي بعضها على 2 قطع و4 وصل، بعدما كانت الحكومة قد أعلنت في الصيف الماضي عن برنامج تقنين موحد لكل أحياء العاصمة على أثر ارتفاع الأصوات المطالبة بـ«عدالة التقنين».
ويتحدث عدد من شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» عن أن الكثير من الأبنية في مناطق راقية لا تنقطع عنها الكهرباء سوى لساعات قليلة طول اليوم، وغالباً ما تتم عملية القطع في ساعات النهار، ويقول أحدهم: «الكهرباء صارت لناس وناس. الحكومة تتعامل مع الأغلبية على أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة ومع قلة على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.