معركة محتدمة في الساحة الدرزية... و«الاشتراكي» يحذّر من حملة لتحجيمه

تفاهم على مقعدي حاصبيا وعاليه

TT

معركة محتدمة في الساحة الدرزية... و«الاشتراكي» يحذّر من حملة لتحجيمه

تُنهي القوى الدرزية في لبنان وضع اللمسات الأخيرة على خططها لخوض المعركة الانتخابية في مايو (أيار) المقبل. وهي وإن كانت في معظمها حسمت أسماء مرشحيها وتحالفاتها، لا تزال تنكبّ على تشكيل اللوائح التي لن تصبح نهائية قبل 5 أبريل (نيسان)، الموعد الأخير لتسجيل اللوائح الانتخابية في وزارة الداخلية.
وقد خُصصت 8 مقاعد في المجلس النيابي الذي يضم 128 مقعداً، للطائفة الدرزية موزعةً على الشكل التالي: مقعدان في قضاء الشوف، ومقعدان في عاليه، ومقعد واحد في كل من بيروت وبعبدا وحاصبيا والبقاع الغربي.
وحصد الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي يرأسه وليد جنبلاط، 6 من هذه المقاعد في الانتخابات الماضية التي حصلت عام 2018، فيما ذهب أحد المقاعد لرئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان، ومقعد للنائب أنور الخليل، عضو كتلة «التنمية والتحرير» المحسوبة على رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ويتريث جنبلاط قبل الإعلان بشكل رسمي عن أسماء مرشحيه بعدما حسم تحالفه مع «القوات اللبنانية»، على ما تؤكد مصادره، لافتةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التوجه هو للإعلان عنهم في 19 مارس (آذار) وإن كان الأمر ليس نهائياً بعد، لافتةً إلى أن الأسماء التي حُسمت هي: تيمور جنبلاط، ومروان حمادة، وبلال عبد الله، وهادي أبو الحسن، ووائل أبو فاعور، وأكرم شهيب، وراجي السعد، وحبوبة عون.
وكشفت المصادر أن الحزب لن يرشِّح أي شخصية عن المقعد الدرزي الثاني في عاليه الذي يشغله النائب أرسلان «احتراماً للتنوع داخل الطائفة»، لافتةً إلى تعرضهم في المقابل لحملة «تحجيم وإلغاء ومحاصرة، والا كيف تُقرأ الاتصالات التي أجراها السفير السوري في بيروت بعدد من المرشحين المحتملين على لائحتنا في دائرة البقاع الغربي طالباً منهم الانسحاب ترهيباً وترغيباً...؟ وكيف يُفسَّر استخدام رموز محسوبة على أجهزة الاستخبارات السورية لتحذير الناخبين من التصويت لصالح مرشحينا منبهين إياهم للتعرض لأقاربهم ومصالحهم في سوريا كما مع رسائل وصلت إلينا من مسؤول في (حزب الله) أنهم سيخوضون معركة في عقر دارنا في الشوف؟». وعدّت المصادر أن الحملة ضد جنبلاط لا تستهدف شخصه إنما تندرج في إطار «سعي (حزب الله) للهيمنة على البلد».
وكان رئيس «التقدمي الاشتراكي» قد حذّر مؤخراً من سعي «محور الممانعة» لتطويقه، متحدثاً عن «أمر عمليات بتحجيمي، والظّاهر أنّ (حزب الله) يشارك بتنفيذه».
وكان النائب وائل أبو فاعور قد نبّه من جهته إلى «عودة المخابرات السورية لتتدخل ترهيباً وإفساداً في الانتخابات النيابية»، معتبراً أن «معركة دائرة البقاع الغربي سياسية».
في المقابل، حسم النائب أرسلان المتحالف مع «حزب الله» ترشيحاته في كل الدوائر حيث الوجود الدرزي. فبينما قرر خوض الانتخابات عن المقعد الدرزي في عاليه، أعلن دعم ترشيح الوزير السابق مروان خير الدين المحسوب عليه في حاصبيا على أن ينضم للائحة بري خلفاً لأنور الخليل، كما أعلن دعم ترشيح الوزير السابق وئام وهاب في الشوف، وطارق الداود في البقاع الغربي، ونسيب الجوهري في بيروت الثانية، وفاروق الأعور في بعبدا.
وكان أرسلان قد أعلن قبل أيام أن خير الدين «مرشح من بري وبالتوافق مع جنبلاط».
واستغربت مصادر أرسلان حديثَ «التقدمي الاشتراكي» عن «محاولات لتحجيمه»، مشددةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن ما يحصل «تنافس ديمقراطي، كما أن فوز فريق معين بمقعدين إضافيين أو خسارته إياهما لن يكون عاملاً مؤثراً باعتبار أن التجربة أثبتت أن الأكثرية غير قادرة على أن تحكم وتفرض إرادتها لارتباط المشهد العام بالاصطفافات الداخلية الكبيرة والتحالفات الخارجية». وأضافت المصادر: «سنحرص على أن تبقى المعركة هادئة في الساحة الدرزية، والخطاب عقلانياً بعيداً كل البعد عن الاستفزاز».
ورجح الخبير الانتخابي ربيع الهبر، أن يخسر جنبلاط مقعد بيروت الدرزي، معتبراً أن باقي المقاعد الدرزية التي كانت بحوزته ستبقى على الأرجح من حصته، وأن «مقعد أرسلان غير محسوم لصالحه، إذ تنافسه عليه جدياً القوى التغييرية، تماماً كوضع وئام وهاب الذي لا يبدو على الإطلاق مريحاً». وأشار الهبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مقعد أبو فاعور محسوم لصالحه في البقاع الغربي رغم مخاوفه من خسارته، أما المقعدان المسيحيان اللذان كانا من حصة جنبلاط، فأحدهما محسوم لصالحه أما الآخر والذي كان يشغله نعمة طعمة فلا يمكن الجزم بأنه سيكون هذه المرة من حصته».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.