«التراث في كل مكان»... استكشاف تاريخ مصر عبر الفوتوغرافيا

مشروع بين مكتبة الإسكندرية وجمعيات بحثية

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«التراث في كل مكان»... استكشاف تاريخ مصر عبر الفوتوغرافيا

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

بين مشاعر اختلط فيها الحنين للماضي الذي غاب بلا أمل في رجوعه، والرغبة في حفظ وحماية حرف تراثية ومواقع أثرية تعود لحقب تاريخية مختلفة ومتباينة يطالها الإهمال، يستضيف «بيت السناري»، بالقاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، المعرض الفوتوغرافي «التراث في كل مكان»، الذي يستمر حتى منتصف الشهر الحالي، بدعم من جمعية استكشاف مصر البريطانية.

ويهدف المعرض، حسب الدكتورة فاطمة كشك المسؤولة عن منحة «تراث في خطر»، إلى «دعم ونشر ثقافة التراث المصري، وكيفية الحفاظ عليه وتوثيقه، والوعي به، مع السعي لربط تاريخ مصر القديم بالعصر الحديث».
ويتضمن المعرض صوراً فوتوغرافية عرضت أشكالاً مختلفة من التراث المادي وغير المادي في عصور مصر المختلفة، وحظيت باحتفاء مصري وبريطاني كبير، تمثل في وزارة السياحة والآثار المصرية والمركز الثقافي البريطاني، وجمعية استكشاف مصر التي أنشئت في لندن عام 1882، بهدف البحث عن المواقع الأثرية في منطقة دلتا ووادي النيل في مصر والسودان، وكذلك توثيق أشكال التراث المادي وغير المادي باستخدام برامج حديثة ومتنوعة هدفها دعم وتعزيز مشاريع البحث الأثري في جميع أنحاء مصر.

ويقول الدكتور عصام ناجي مدير التخطيط والتواصل بـ«جمعية استكشاف مصر» في القاهرة لـ«الشرق الأوسط»، إن المشروعات سعت إلى تسجيل وتوثيق القناطر الخيرية القديمة، وحلقة السمك في مدينة الإسكندرية، التي بناها الإنجليز في موقع حلقة محمد على بعد أن تعرضت للتدمير عند اقتحام الجنود الإنجليز للمدينة، أثناء احتلال مصر، وهناك مشروع آخر يسجل ويوثق مسارات الترام في القاهرة، يقوم به «مركز أرشيف شبرا»، تحت عنوان «شوارع القاهرة تهتف... سلام ترام»، وذكر ناجي أن المعرض سوف يتوج بكتاب يتضمن كل الدراسات والأبحاث والصور التي تخص كل مشروع.
أما مشاركة «مؤسسة راقودة للفن والتراث»، في مشروع «تراث في خطر»، فقد انصبت حسب قول مديرتها الدكتورة روضة عبد الهادي، لـ«الشرق الأوسط»، على «توثيق أسواق السمك في الإسكندرية، ولفتت إلى أن اسم «راقودة» يعود في أصله لقرية الصيادين التي كانت موجودة في الإسكندرية قديماً، واسمها في أصله اليوناني «أركوته». وأضافت عبد الهادي، «أن المشروع تركز على أرشفة وتوثيق ودراسة سوقين فقط من الأسواق، أولهما سوق الميدان، والآخر سوق حلقة السمك».

وأشارت مدير «مؤسسة راقودة» إلى أن مبنى حلقة السمك يتكون من دورين؛ الأول يقام فيه مزاد يومي حتى الآن لبيع الأسماك، أما الآخر فهو عبارة عن نوافذ على الطراز الإنجليزي لا سقف لها، وأقيمت كأنها دعامات للحفاظ على المكان حتى لا يتعرض للانهيار.
أما الموقع الآخر المتخصص في ترويج الأسماك، الذي عملت المؤسسة على توثيقه فهو سوق الميدان، الموجود في حي المنشية، ويعود للعصر المملوكي، وقد استخدمت في بنائه أعمدة تعود للعصر اليوناني مضافة إليها بقايا معابد قديمة، التي كان بعضها أساساً لبناء العديد من الوكالات التجارية زمن المماليك والعثمانيين.
ولم تتوقف المشاريع التي شاركت في معرض بيت السناري عن حدود تاريخية معينة، وقد كان من بين تلك المشروعات ما قام به الدكتور مينا إبراهيم مدير مركز «أرشيف شبرا»، وقام مع زملائه من الباحثين على مدار ما يقرب من عام، بتتبع مسارات ترام القاهرة، وحاول الكشف عن حضوره في الوعي الجمعي المصري على امتداد مائة وعشرين عاماً منذ إنشائه عام 1896 وحتى إزالته 2019.

وقال إبراهيم، إن الأبحاث التي قامت بها مؤسسته كشف أن الترام خلال سنوات وجوده في القاهرة تطور من كونه مجرد وسيلة نقل دخيلة على المدينة إلى جزء أصيل من تركيبها الطبوغرافي، فلم يكن دوره نقل المصريين والأجانب من مكان لآخر فقط، بل تحول إلى ساحة عامة للتفاعل الإنساني والحراك الاجتماعي، وقد حول منطقة شبرا من مكان غريب عن سكانها إلى أفق أعطى مختلف شرائح المجتمع مجالاً للتعبير عن أنفسهم.

ومن بين المشاركين في معرض بيت السناري برز مشروع تسجيل وتوثيق بعض الأثار الإسلامية انصب على «قبة الأشرف خليل بن قلاوون» التي تقع بالقرب من جامع السيدة نفيسة بحي الخليفة بمدينة القاهرة، ويرجع تاريخ إنشائها إلى عام 687هـ/ 1288م، وقد عمل الباحث معاذ لافي وزملاؤه على تصوير القبة وعمل دراسات توضح تاريخها، ورسوم لتفاصيلها، وزخارفها، والخطوط التي تم استخدامها في كتابة الآيات القرآنية التي جاءت على الجدران.

كما تضمن المعرض مشروعاً عن الحرف اليدوية المهددة بالاندثار في صعيد مصر، بالإضافة إلى مشروع توثيق المجموعة المعمارية لكوبانية المياه من عصر محمد علي بالخطاطبة.



من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
TT

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

وسط ازدياد أعداد الوافدين إلى مقرّ «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» بنسخته الثانية في العاصمة السعودية، بتنظيم من «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، في منطقة «كوب 16» بالرياض، رصدت «الشرق الأوسط» جوانب لافتة حول تصميم مقرّ المعرض وإنشائه.

بدخول الزوّار المنطقة المركزية، يجدون أنفسهم في قلب الحدث. وكشف «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، لـ«الشرق الأوسط» عن أنّ المعرض يقدّم رؤيته للمستقبل المستدام من خلال مجموعة متنوّعة من الأنشطة والجلسات ومناطق الجذب؛ فتمثّل المنطقة المركزية قلبَه، إذ تُشكِّل نقطة الانطلاق والتواصل مع المناطق الأربع المحيطة، مما يسمح للزوار بالتعرُّف إلى كيفية تضافر الجهود المختلفة لتحقيق الاستدامة.

جانب من التقنيات ضمن المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

قلب النبتة وبتلاتها

وتُمثّل المنطقة المركزية في المعرض «قلب النبتة»؛ وهي المحور الرئيس الذي يمدُّ جميع المناطق المحيطة بالأفكار والموارد اللازمة. تحتوي هذه المنطقة على المعرض وجناح المركز، حيث تُعرض الرؤية الشاملة لمستقبل مستدامٍ ومكافحة التصحّر.

ولاحظت «الشرق الأوسط» خلال جولتها في أجنحة المعرض، انقسامه إلى 4 مناطق تُمثّل «بتلات النبتة»، إذ تجسِّد كل منطقة شريكاً من شركاء المركز في رحلتهم نحو بناء مستقبل مستدام.

استعراض عدد من الأرقام المهمّة (تصوير: تركي العقيلي)

وشرح القائمون على «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير»، تلك المناطق كالآتي:

«صون الطبيعة»؛ وهي مخصّصة لعرض جهود حماية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، و«واحة التشجير» المُرتكزة على أهمية المشاتل والمتنزهات في تعزيز الغطاء النباتي ودورها في الحفاظ على التنوّع البيولوجي.

شاشات عرض متعدّدة داخل المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

أما الثالثة، «منطقة المستقبل والابتكار»، فتتضمّن عرضاً لأحدث الابتكارات والتقنيات التي تقدّم حلولاً عملية للتحدّيات البيئية، إلى جانب «منطقة النماء المستدام» المُرتكزة على أهم الطرق والأساليب المستدامة لإنماء الطبيعة من خلال بناء شراكات وتوفير فرص استثمارية وجهات داعمة لتنمية الغطاء النباتي.

استدامة من التصميم إلى الإنشاء

وأكد «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» حرص المعرض على استخدام مواد مستدامة وصديقة للبيئة في جميع جوانب التصميم والإنشاء، بما فيها مناطق الجلوس والديكورات، والأثاث، بهدف تقليل البصمة الكربونية وتعزيز أهمية الاستدامة البيئية.

شاشة تستعرض المتنزهات الجيولوجية (تصوير: تركي العقيلي)

ومن المواد المستخدمة في التصميم والإنشاء، مادة «الإكريليك» المعروفة باسم «البليكسيغلاس» أو «صفائح البليكسيغلاس»، وهي متعدّدة الاستخدامات وصديقة للبيئة ومثالية لمجموعة واسعة من المشروعات. وأوضح المسؤولون أنَّ مَن يبحث عن إنشاء قطعة ديكور منزلية، أو قطعة أثاث مخصّصة، أو ميزة معمارية فريدة، فإنّ صفائح «الإكريليك» توفِّر فوائد عدَّة تجعلها الخيار الأمثل لأي مشروع.

وثانياً «الألمنيوم» الذي يُعدّ من أكثر المعادن الصديقة للبيئة. وثالثاً خشب «شيبورد» وهو لوح حُبيبي أو منتج خشبي هندسي يُضغَط من رقائق الخشب ويُستَخدم على هيئة رقائق خشب مُشكَّلة، أي مُعاد تدويرها. وأوضح المعرض أنه باستخدام هذه الأخشاب، «نعمل على تقليل الطلب على الأخشاب المقطوعة حديثاً، مما يساعد في الحفاظ على الغابات ونُظمها البيئية».

اهتمام من زوّار دوليّين بمشاهدة تقنية سلّة المهملات الذكية (تصوير: تركي العقيلي)

وأخيراً «الدهانات المائية صديقة البيئة»، المتميّزة بأنها طلاءات ذات أساس مائي. ورغم ذلك، فإنّ هذا الأساس المائي ليس كافياً لتكون صديقة للبيئة، فيؤكد المعرض ضرورة تجنُّب استخدام المركّبات العضوية المتطايرة وشبه المتطايرة في الطلاءات لتأثيرها السلبي في الصحة، ولتوفير نوعية ممتازة من الهواء في الأماكن المغلقة.

الشجرة التفاعلية تتحدّث إلى أحد الزوّار (تصوير: تركي العقيلي)

ويقدّم المعرض أيضاً فرصة فريدة لاستعراض جهود «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» عبر 14 تقنية منتشرة في أرجائه، منها: «تقنية خريطة تأثير المركز» التي تُبرز جهوده عبر تسليط «بروجكتور» على خريطة البلاد لتُقسَّم تلك الجهود إلى 7 قوائم رئيسية؛ وعند اختيار قائمة، تُحدَّد المنطقة وتُعرَض الجهود فيها على شكل جداول.

فمن خلال «هولوغرام» نَظم المعلومات الجغرافية، والاستعراض التفاعلي للمنتزهات الجيولوجية، وشاشة بحجم يتجاوز المترين، تُعرَض جميع بيانات إدارة الفرص والاستثمارات.

جانب من التقنيات الـ14 في المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

وضمن التقنيات، برزت شاشة بحجم 9 أمتار، متخصّصة في إدارة الرصد والحماية، فكشف المركز لـ«الشرق الأوسط» عن رصد الإدارة العامة للرقابة والحماية 2752 مخالفة بيئية خلال عام 2024، مضيفاً أنّ الإدارة العامة للرقابة والحماية تُعنى بالمحافظة على الغطاء النباتي من خلال تسيير دوريات الحماية الخاصة بالمركز وأعمال الرقابة الجوّية باستخدام الطائرات المسيَّرة للمحافظة على سلامة الغطاء النباتي في المتنزهات والغابات والأراضي والمراعي؛ مع نشر أكثر من 600 مراقب بيئي للحدّ من المخالفات وضبط المُخالفين.

عرض ثلاثيّ البُعد (تصوير: تركي العقيلي)

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر، تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

كذلك تتعدّد التقنيات لتشمل غرفة التنوّع النباتي، بالإضافة إلى جولة تفاعلية للمتنزهات الوطنية، عبر «هولوغرام» مع شاشة جانبية تعرض صوراً ثلاثية البُعد لمستقبل هذه المتنزّهات.

من وسائل الرصد والحماية في المركز (تصوير: تركي العقيلي)

ذلك بالإضافة إلى مؤشِّر التنوّع البيئي، وجهاز الرخص والتراخيص، وشاشة خطّ الإنجازات، وسلّة المهملات الذكية، وتقنية الواقع المعزِّز أمام كل شجرة لكشف تفاصيل تتعلّق بها وببيئتها ومواقعها والجهود المبذولة بشأنها.

وأخيراً مُساعد الذكاء الاصطناعي الذي يتفاعل مع الزوّار بطرح الأسئلة والتحدُّث معهم حول موضوعات التصحُّر والتشجير في السعودية.