الإذاعة... صمود وسط أعاصير وسائط التواصل

الاحتفال بالذكرى المئوية لظهور الإعلام المسموع

الإذاعة بلغت 100 سنة
الإذاعة بلغت 100 سنة
TT

الإذاعة... صمود وسط أعاصير وسائط التواصل

الإذاعة بلغت 100 سنة
الإذاعة بلغت 100 سنة

مرّ قرن على ظهور الإذاعة - أو الراديو - التي غيرت الطريقة التي يتواصل بها الأفراد والجماعات، وظلت متمكنة من المحافظة على مكانتها وقدرتها على الصمود وسط أعاصير وسائل التواصل الاجتماعي وتداعيات الثورة الرقمية ومتغيرات القرن الحادي والعشرين.
ولأهمية الإذاعة باعتبارها وسيلة إعلامية تؤمّن الوصول إلى جمهور واسع من المستمعين، وتأكيداً على دورها في عمليات التواصل، قرّرت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عام 2011. إعلان يوم 13 فبراير (شباط) من كل عام يوماً عالمياً للإذاعة، ولقد اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً في 2012. وجرى الاحتفال بذكرى مرور أكثر من قرن على ظهور الإذاعة، تحت شعار «الإذاعة والثقة».
ما السبب وراء استمرارية الإذاعة لأكثر من قرن رغم منافسة الوسائل الإعلامية والتواصلية الأخرى؟ الجواب ربما يرجع أساساً إلى كون الإذاعة «الوسيلة الإعلامية الأكثر استخداماً وانتشاراً في العالم بفضل قدرتها الفريدة على الوصول إلى جمهور واسع وخلق مساحة للجميع للتعبير عن آرائهم وإسماع صوتهم، فضلاً عن كونها تعد واحدة من أكثر الوسائط الموثوقة»، حسب توفيق الجلاصي، المدير العام المساعد للاتصال والمعلومات في منظمة «اليونيسكو».

عائشة التازي

الوصول السريع إلى المعلومات

رغم أن جائحة «كوفيد - 19» وتطورات الأحداث الدولية، ساهمت في تراجع منسوب الثقة في وسائل الإعلام، نتيجة انتشار الأخبار الزائفة، وتبادل واسع لمضامين ومحتويات مضللة تروّجها وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الإذاعة وفّرت وصولاً سريعاً إلى المعلومات، وتغطية «مهنية» ملحوظة حول القضايا ذات الاهتمام العام. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، تساءلت عائشة التازي، الأستاذة الباحثة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالعاصمة المغربية الرباط، «هل تستطيع الإذاعات، سواءً الخاصة أو العمومية، في ظل رهانات الرقمنة والمحتوى الجيد، كسب الرهان، والاستجابة لأفق انتظار كوني لم تعد أبجديات الإعلام التقليدي قادرة على إقناعه؟ هل تستطيع ذلك بينما تشدد الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي بالمغرب (الهاكا)، وهي هيئة تقنين مستقلة، على ضرورة «كسب رهان الثقة والارتقاء بأخلاقيات الممارسة المهنية».

توفيق الجلاصي

من جهته، قال رشيد الصباحي، الإذاعي المغربي المخضرم، ورئيس نادي الصحافة بالمغرب، لـ«الشرق الأوسط» إن إقرار يوم عالمي للإذاعة: «يعد تأكيداً على دورها التواصلي باعتبارها أهم الوسائل القريبة من الجمهور، ورافداً إعلامياً وأداة رئيسية لعلاقة المتلقي مع العالم. إذ إن كثيرين أخطأوا التقدير حين ظنوا أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ستقضى لا محالة على دور الإذاعة، وتناسوا أنه عند بداية التلفزيون قبل عقود من الثورة الرقمية روّج آخرون لأن هذه الوسيلة المرئية، ستشكل لا محالة نهاية جديدة للراديو. لكن الإذاعة ستظل كذلك مستقبلاً محافظة على مكانتها ومواصلة صمودها»، حسب الصباحي، الذي اشتغل لمدة طويلة بالإذاعة المغربية، وبعدها خاض تجربة بإحدى الإذاعات الخاصة.

الصافي الناصري

الإذاعة عابرة للحدود

وعزا الصباحي ذلك «لأمرين اثنين: الأول أن الإذاعة تمثل أداة لتنمية خيال المتلقي، والثاني كونها قريبة منه في أي مكان يوجد فيه... إلى جانب كونه يتوفر على حرية اختيار المحطة التي يريد. وانتقلت هذه الوسيلة الإعلامية، من إذاعة ملقنة إلى إذاعة تفاعلية ومواضيعية، جعلها توطد علاقتها بقضايا المتلقي بشكل أفضل».
وحقاً، «تكمن قوة الإذاعة في كونها تساعد على تنمية الذاكرة وتمكين المتلقي من إراحة ذهنه من خلال الاستماع إليها وتوسيع مداركه وخياله مع تنمية قدرة المستمعين على الإبداع والاستنباط، فضلاً على تزويد الجمهور بمستجدات الأخبار والمعلومات في شتى ضروب المعرفة». كل هذا مكّن الإذاعة، بفضل الثورة الرقمية، من أن تصبح عابرة للحدود من دون تأشيرة. ووفرت لها التطبيقات التكنولوجية الجديدة من الارتباط بالمتلقي مباشرة عوض البحث عن الذبذبات، كما كان عليه الشأن في الماضي.
أما الصافي الناصري، الصحافي بالإذاعة الوطنية المغربية، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم مرور ما يزيد عن قرن من ظهور الإذاعة، التي تتميز بعدة خاصيات منها: مرونة الاستماع لها بغض النظر عن أمكنة وجود الفرد، لا يزال لديها حضور قوي في المشهد الإعلامي». إلا أنه استدرك قائلاً: «خلال القرن الواحد والعشرين... لم نعد في العصر الذهبي للإذاعة»، بمعنى ما كانت عليه في عقدي ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي، وذلك نتيجة دخول وسائط إعلامية وتواصلية جديدة في مقدمتها الإنترنت.
عودة إلى عائشة التازي، فإنها في معرض ردها على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول تجربة الإذاعات الخاصة، شددت على «أهمية إخضاع هذه الإذاعات للمساءلة الناقدة، بعد مضي 15 سنة من الممارسة المهنية... وهذه مدة كافية لاختمار التجربة، خاصة مع تسجيلها نسبة الاستماع بلغت 15 مليون مستمع»، موضحة أن «هذه المؤشرات وغيرها تجعلنا إزاء شريك فعلي بتأثيت المشهد الإعلامي الوطني».

رشيد الصباحي

الإعلان والإذاعات الخاصة

لكن ثمة أسئلة مؤرّقة للمهتمين والمتابعين، مثل... كيف يتمثل هذا الشريك (الإذاعات الخاصة) في دور الإعلام؟ وأي مرجعية فلسفية يستمد منها تصوّره لوظيفة الإعلام؟ وهل الإعلام بالنسبة للشريك خدمة عمومية مشروطة بضوابط مهنية وأخلاقية يجب تمتيع المواطن المغربي بها... أم هي مجرد مقاولة ربحية يتحكم فيها، أو يحتكم فيها إلى نسبة الاستماع؟
هذه تساؤلات طرحتها عائشة التازي حول تجربة الإذاعات الخاصة بالمغرب. وتفيد الأرقام الصادرة عن المركز المهني لقياس نسب الاستماع للإذاعة برسم سنة 2021، أن ثلثي المغاربة يستمعون للإذاعات الخاصة التي تضم 20 خدمة إذاعية تبث بالتشكيل الترددي (إف إم) مقدمة من طرف 13 متعهداً. أما خدمات القطاع العمومي، فتشمل خمس إذاعات ذات تغطية وطنية، و11 إذاعة ذات تغطية جهوية.
من جهته، يعتبر رشيد الصباحي أن الإذاعات الخاصة «لم تتمكن من تقديم القيمة المضافة للمشهد الإعلامي، ولم تترجم عملياً كذلك الأهداف التي يرمي إليها قرار تحرير الفضاء المسموع والمرئي خاصة لجهة ضمان جودة المضامين والارتقاء بالذوق العام للمستمعين». إذ عوض أن تساهم - كما هو مطروح على عاتقها - في خلق سوق استثمارية إعلامية جديدة، وتمكين الأجيال الجديدة من الصحافيات والصحافيين من فرص للشغل وظروف عمل لائقة، «إلا أن الذي حصل - وفق الصباحي - هو تقديم مواد وبرامج ضعيفة من ناحية الشكل والمضمون، علاوة على أن غالبيتها تعتمد على موارد بشرية تفتقر إلى المؤهلات المهنية والخبرة والتكوين الأساسي لممارسة المهنة مع سيادة الارتجال وضعف في المردودية والأخلاقيات المهنية».

تجويد الأداء المهني

في المنحى نفسه، يؤكد الناصري على أن المنافسة بين الإذاعات الخاصة «لم تؤدِ إلى تجويد أدائها ومنتوجها المهني بقدر ما أبانت، عن انحدار واضح على مستوى المضامين. ومن ثم، حادت عموماً عن الوظائف الحقيقية للإعلام المتمثلة في الأخبار والتحسيس والتثقيف والتوعية والتربية، على خلاف ما هو مطلوب منها في مجال إشاعة القيم التربوية والثقافية واللغوية». وأعرب الناصري عن اعتقاده بأن «التراجع في هذه المضامين لربما تحركه المنافسة والربح»، مقترحاً «وقفة لتقييم ما هو إيجابي وما هو سلبي» بعد انصرام 15 سنة على تحرير الفضاء المرئي والمسموع.
جدير بالذكر، أنه شُرع في منح التراخيص الأولى إلى الإذاعات الخاصة بالمغرب عام 2006. وأضحى لها «حضور معتبر في الحياة اليومية للمغاربة ولكل المقيمين في البلاد»، حسب (الهاكا) التي تعتبر أن تطوير الإذاعات الخاصة، لا يتوقف فقط على الروافع المالية والاقتصادية والمقاولاتية. إذ إن «تقوية الثقة في أخلاقيات الممارسة المهنية وتعزيز صحافة الجودة هي أيضاً روافع أساسية لتمتين الرباط مع المواطن».
وهنا ترى عائشة التازي أن غالبية هذه الإذاعات «تبنت منطق تبضيع وتسلية المستمع، بدل تثقيفه. وانعكس ذلك على أسلوب المعالجة الإعلامية واللغة المستخدمة، واستدعت بالضرورة منشطاً، يفتقد غالباً للكفاءة والاقتدار المهني، الأمر الذي جعلنا إزاء تعدد محطات، كمي وليس نوعياً... بل مجرد تعداد لنفس النموذج»، مع وجود «استثناءات، تبنت مفهوم الإعلام الجاد الذي يكشف الإعطاب ويحلل الوقائع».
إن السؤال عن الثقة والموثوقية، بالنسبة للإذاعة أصبح رهاناً ضاغطاً في سياق تواصل رقمي شمولي مهيمن وغير مقنن. وهو ما دفع هيئة «الهاكا»، على ما يبدو، إلى التأكيد في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة، على الحاجة إلى تدابير أخرى يتيح اعتمادها تقوية اليقظة المهنية، وضمان احترام حق المواطن - المستمع في مضمون إعلامي موثوق وذي جودة.


مقالات ذات صلة

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)
يوميات الشرق الملتقى يُعدُّ أكبر تجمع في السعودية للمؤثرين والخبراء وصناع المحتوى الرقمي (واس)

السعودية تطلق أول ملتقى لـ«صناع التأثير» في العالم

أعلن وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري إطلاق الملتقى الأول لصناع التأثير (ImpaQ)، الذي تستضيفه العاصمة الرياض يومي 18 و19 ديسمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر كرم جبر (الهيئة الوطنية للإعلام)

إغلاق قناة وإيقاف برنامجين في مصر بسبب «مخالفات مهنية»

هذه القرارات تطبيق فعلي للمعايير المهنية التي ينبغي التزام جميع القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ومنصات ومواقع التواصل الاجتماعي الجماهيرية بها...

محمد الكفراوي (القاهرة )

تأثير نجوم الفن ومنصّات «التواصل» في حظوظ السياسيين الانتخابية

أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)
أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)
TT

تأثير نجوم الفن ومنصّات «التواصل» في حظوظ السياسيين الانتخابية

أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)
أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)

أثار إعلان المغنية الأميركية الشهيرة تايلور سويفت، دعمها للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، جدلًا واسعًا في الأوساط الأميركية، سرعان ما امتد إلى دوائر أخرى، بشأن مدى تأثير نجوم الفنّ ومنصات التواصل الاجتماعي في حظوظ المرشحين السياسيين الانتخابية.

تايلور سويفت (أ.ف.ب)

ومعلوم أنه كانت قد انتشرت مؤخراً دراسات عدة، واستطلاعات رأي، في محاولة لتقييم تأثير سويفت في حظوظ هاريس، لا سيما مع إشارات من مراقبين تتحدث عن إمكانية أن يشكّل دعم سويفت «قوة دفع» للمرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس الحالية في السباق نحو البيت الأبيض، غير أنه تفاوتت وجهات نظر خبراء ومتابعين التقتهم «الشرق الأوسط»، وحاورتهم بشأن مدى تأثير نجوم الفن عالمياً وعربياً في اتجاهات الجماهير التصويتية.

في الواقع، لم يقتصر الأمر في الانتخابات الأميركية على سويفت، بل انضم إليها آخرون في دعم المرشحة الديمقراطية، بينهم جنيفر لورانس، وجنيفر لوبيز، وميريل ستريب، وجوليا روبرتس، وعدد آخر من النجوم استضافتهم مقدّمة البرامج الشهيرة أوبرا وينفري مؤخراً، في حلقة حوارية مع هاريس.

وعلى الجانب الآخر، يحظى المرشح الجمهوري دونالد ترمب بدعم رجل الأعمال إيلون ماسك، والممثل دينيس كوايد، وعدد من النجوم، من بينهم الموسيقي كيد روك، والعارضة أمبر روز، الذين ظهروا في مناسبات للحزب الجمهوري.

وأيضاً أشارت دراسة حديثة أجراها مركز «آش للحكم الديمقراطي والابتكار» بجامعة هارفارد، إلى «وجود أدلة على قوة تأثير النجوم في تعزيز المشاركة المدنية، وتغيير أرقام استطلاعات الرأي، لا سيما بالنسبة للشباب والجيل زد».

ودلّلت الدراسة على ذلك بما فعلته تايلور سويفت عام 2018، عندما شجّعت معجبيها على التسجيل للتصويت في الانتخابات، وتسبّب ذلك في تسجيل نحو 250 ألف مشترك جديد خلال 72 ساعة، كذلك الأمر بالنسبة للمؤثرة وعارضة الأزياء كايلي غينر التي حثّت متابعيها على التصويت عام 2020، ما تسبّب في زيادة بنسبة 1500 في المائة في عدد الزيارات لموقع تسجيل الناخبين. بحسب الدراسة.

بيد أن موقع «ذا هيل» أشار إلى نتائج مختلفة، حيث لاحظ أنه لم ينجح أيّ من المرشحين الديمقراطيين الذين دعمتهم سويفت في انتخابات الكونغرس عام 2018.

هذه ليست المرة الأولى التي يُلقي فيها فنانون بثقلهم خلف مرشحين للبيت الأبيض، فالأمر يعود إلى عام 1920، عندما أعلنت النجمة ماري بيكفورد، والنجم آل جولسون دعمهما للمرشح الجمهوري (الفائز لاحقاً)، وارين هاردينغ، ولعل دعم فرانك سيناترا للرئيس الأسبق دونالد ريغان في حفل لجمع التبرعات عام 1979 هو الأكثر شهرةً في هذا الصدد.

مارك هارفي، الأستاذ في جامعة سانت ماري الأميركية، الذي ألّف كتاباً بشأن «تأثير المشاهير في توجهات الجماهير»، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «النجوم يمكن أن يؤثروا في اتجاهات الجمهور، بشأن قضايا أو مواضيع معينة سياسية أو اجتماعية، لكن تأثيرهم ليس بهذه القوة، حين يتعلق الأمر بالتصويت في الانتخابات». وأردف أن «التصويت في الانتخابات مرتبط بمدى الاقتناع بالبرنامج الانتخابي للمرشح، وتأثيره على الاقتصاد والحياة العامة، وليس بتأييد أو دعم النجوم له»، قبل أن يشير إلى دراسة أجراها في أغسطس (آب) الماضي، قبل أسابيع من إعلان سويفت تأييدها لهاريس، وأظهرت «انعدام تأثير المشاهير في التصويت الانتخابي».

ويُذكر أنه في الدراسة عُرض على العيّنة صورتان؛ الأولى لسويفت وهي تدعو إلى التصويت في الانتخابات، والثانية تدعو إلى التصويت للديمقراطيين. وأوردت الدراسة التي نشرها موقع «ذا هيل»، أن «سويفت قد يكون لها تأثير لدى الناخب الذي لم يحسم موقفه من الانتخابات»، حيث أبدت العينة التي اطّلعت على الصورة الأولى «احتمالية عالية للتوجّه، وتسجيل أنفسهم في الجداول الانتخابية، لكن هذه النسبة انخفضت كثيراً عندما طالعوا الصورة التي تدعوهم للتصويت للديمقراطيين»، وهنا يقول هارفي إنه «مثلما لا يرجّح تأثير المشاهير في تغيير توجهات الجماهير إزاء قضايا خلافية، مثل الإعدام، فمن المنطقي ألا يؤثر في دفعهم للتصويت لصالح مرشح معين... وبالتالي، لعل تأثير المشاهير ربما ينحصر في الناخبين الذين لم يقرّروا نهائياً بعدُ لمَن سيصوتون».

ولكن حتى هذا التأثير ليس نهائياً؛ إذ يشير مارك هارفي إلى أن «المشاهير ربما يؤثرون عكسياً في الانتخابات، فيدفعون الجماهير التي لم تحسم موقفها إلى الإحجام عن التصويت»، لافتاً إلى أن «هناك قاعدة في الدعاية تقول بضرورة توافق النجم مع ما يعلن عنه، فمَن يروّج للعطور يصعب عليه أن يعلن عن السلاح مثلاً»، وحقاً، يخشى البعض من التأثير العكسي للفنانين، أو ما يُطلق عليه مسمى «أثر مصاصي الدماء»، حيث قد يجذب الفنان الانتباه بعيداً عن السياسي المرشح في الانتخابات.

وعربياً، يمكن القول إنه كان للفنانين انخراط واضح في السياسة، لا سيما في الأحداث الكبرى أو الانتخابات، فعادةً ما تجدهم في طليعة المقترعين في الانتخابات، مع إعلان تأييدهم لمرشح بعينه، وفي ظل أحداث عام 2011، كشف فنانون سوريون عن تأييدهم للرئيس بشار الأسد، بينهم رغدة وسلاف فواخرجي، بينما وقف آخرون ضده. وفي مصر أيضاً يتذكّر كثيرون كلام الفنانة عفاف شعيب عن تأثرها وأسرتها من الاحتجاجات في تلك الفترة.

خالد القضاة، الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشاهير عادةً ما يخشون الخوض في السياسة؛ لأنه يؤثر سلبياً على مصالحهم»، إلا أنه في الوقت نفسه أشار إلى «تجربة عدد من نجوم منصات التواصل الاجتماعي في دعم المرشحين في الانتخابات البرلمانية في الأردن»، وأضاف أن «هذه التجربة لم تكن ناجحة، ولم يستطع النجوم تغيير توجهات الناخبين، بل على النقيض كان تأثيرهم عكسياً، لا سيما أن الجماهير تدرك أن ترويج المؤثر لمرشح بعينه هو جزء من حملة مدفوعة».

المتفائلون بتأثير سويفت في الانتخابات يدلّلون على ذلك بالدور الذي لعبته أوبرا وينفري في دعم الرئيس السابق باراك أوباما؛ إذ أظهرت دراسة أجرتها جامعة نورثوسترن الأميركية المرموقة عام 2008 أن «وينفري كانت مسؤولة عن نحو مليون صوت إضافي لأوباما في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي». وهنا، شدّدت الناقدة الفنية التونسية، الدكتورة ليلى بارحومة، على «قوة تأثير نجوم الفن في دعم السياسيين»، ضاربة المثل بفنّاني تونس الذين دعم بعضهم الرئيس الحالي قيس سعيد في الانتخابات الأخيرة، بينما لم يدعمه البعض الآخر. وأضافت بارحومة لـ«الشرق الأوسط»، أن «تأثير الفنانين عادةً ما يكون كبيراً على الجماهير البسيطة التي لم تحسم موقفها من المرشحين»، ولفتت أيضاً إلى «خطورة ذلك على الفنان إذا دعم فصيلاً مرفوضاً من الرأي العام». وأردفت أن عدداً من الفنانين دعموا الإسلاميين في فترة ما، وتراجعت بالنتيجة «شعبيتهم مجتمعياً». والشيء نفسه يكاد ينطبق على الحالة المصرية، مع رفض قطاع من الناخبين لفنانين أظهروا دعمهم لحكم تنظيم «الإخوان» الذي تصنّفه مصر «إرهابياً»، كذلك تسبّب دعم فنانين كويتيين للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد غزوه للكويت في «إقصاء شعبي لهم».

الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «دعم الفنانين في المنطقة العربية عادةً ما يُنظَر له من قبل الجمهور بأنه موجَّه»، ولفت إلى أن «الفنانين في الغالب يبحثون عن السلطة، ويقتربون منها»، ضارباً المثل بفترة الرئيس الأسبق حسني مبارك، حين كان «أغلب الفنانين المصريين على علاقة صداقة بعائلته».

أخيراً، فإن معظم الدراسات التي تبحث في العلاقة بين السياسة والترفيه، تقدّم استنتاجات متباينة حول تأثير المشاهير في حظوظ السياسيين.