«بورتو» مدينة سياحية جميلة تقع على ساحل الشمال الجنوبي للبرتغال، تشتهر بجسورها ومرفئها وبيوتها الملونة وأزقتها المرصوصة بالحصى الضيقة ومقاهيها المميزة بجلساتها الخارجية المطلة على نهر «دوورو»، وتعتبر بورتو واحدة من أقدم المدن الأوروبية، وانضمت معالمها إلى منظمة اليونيسكو عام 1996.
عندما تزور بورتو ستشدك هندسة الأبنية المحاذية للنهر، فكلها أبنية أثرية كانت تستخدم في الماضي لحفظ المشروب الأشهر في البرتغال والذي يحمل اسم المدينة التي يقصدها آلاف السياح سنوياً.
تبعد بورتو نحو ساعتين بالسيارة من لشبونة، كما يمكن الوصول إليها بواسطة القطار وعند وصولك إليها سوف يلفتك مبنى شامخ تنبعث منه أنغام الموسيقى وعليه لافتة كتب عليها اسم «كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهاو» Casa Portuguesa do Pastel de Bacalhau بتصميمه الأشبه بمستودع كبير قديم يجري فيه الترحيب بالزوار بموسيقى آلة «الأرغن». وحتما سيشعرك الدمج بين صوت آلة «الأرغن» الأنبوبية الرائعة التي تعود للقرن التاسع عشر والنكهة الفريدة لكعكة سمك القد المحشوة بجبن «سيرا» التي تقدم للزوار بعبق التاريخ البرتغالي الثري الذي غطى الأرض والبحر، في تجربة برتغالية ثرية.
روعة في التصميم وصنف طعام واحد
تفتح الأبواب للزوار مجاناً وتقام الحفلات الموسيقية لآلة «الأرغن» كل ساعة وتستمر لمدة 20 دقيقة، في برنامج موسيقي متنوع. وفي محاولة لتقريب الساحل من الداخل للاحتفال برمزين من رموز المطبخ البرتغالي المتمثل في سمك القد وجبن «سيرا دي استيرا»، افتتح أول فرع للمطعم في عام 2015. في منطقة «روا أوغوستا» في لشبونة.
كعكة السمك هذه تعتبر من الأكلات الشعبية في البرتغال وهي عبارة عن كوز من البطاطس المهروسة الممزوجة بالسمك ومحشوة بالجبن، يقوم الطاهي بتحضيرها أمامك ومن ثم تقلى في الزيت. اللافت في هذا المكان العملاق الذي يمتد على طابقين تصل إلى الطابق العلوي عبر سلمين حلزونيين يلتقيان في الأعلى ويلتقيان عند الوسط حيث يجلس عازف الموسيقى التي تصدح في المبنى الجميل والمميز بديكوره الرائع والثريا العملاقة التي تتدلى من سقفه العالي. الجميل في هذا المطعم أنه لا يبيع إلا هذه الكعكة والمشروب البرتغالي الشهير، وتتوزع المقاعد في الطابقين السفلي والعلوي وتقدم الكعكة على قاعدة خشبية أشبه بتلك التي يستخدمها الرسامون لمزج الألوان.
جاء الحدث كمصدر إلهام يمهد الطريق لتقديم واحد من أرقى أنواع الجبن في العالم الذي يجري إنتاجه في البرتغال ليمنحه المكانة التي يستحقها منذ فترة طويلة ويقدمها للعالم بالصورة الرائعة التي رأيناها. فالأجبان تأتي من مزارع في منطقة يعيش فيها 700 رأس من الأغنام في بيئة هادئة وسط المراعي الخضراء في ظروف مثالية لإنتاج الجبن على أيدي صانعي الجبن المتمرسين الذين يحولون الحليب إلى جبن طبيعي 100 في المائة بمذاق رائع تستمع به مع قطعة من سمك القد على شكل أقراص الكبة محشوة بجبن سيرا. اليوم هناك بالفعل ثمانية مساحات مخصصة في «كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهو» للترحيب بالقادمين إلى البرتغال بكل أصالتها في مدن «لشبونة» و«كاشكايس» و«بورتو» و«أفييرو» و«غايا».
«كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهاو» من الداخل
- نبذة عن «كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهو»
هي مزيج عتيق من وصفة الأجداد تحمل إلينا فن تحويل حليب الأغنام إلى جبن وتقديمه ضمن كعكة سمك القد اللذيذة.
يجمع «كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهو» بين البر والبحر حيث تنتج أعماق المحيط أسماك القد التي طالما اصطادها البحارة البرتغاليون في ظروف قاسية من البحار البعيدة بعد أن أبحروا من الساحل الجديد باتجاه بحر الشمال في «نيوفاوندلاند». والأرض والجبال والوديان في سلسلة جبال «سيرا دي أستريلا» توفر الجبن الذي يحمل اسمها والتي يعتبرها الكثيرون أفضل جبن في العالم.
- الأرغن الأنبوبي من القرن التاسع عشر في «كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهو»
يعود تاريخ صنع آلة الأرغن «José Joaquim da Fonseca» إلى عام 1863 وقد خضع مؤخراً لعملية ترميم دقيقة أجرتها شركة «JMS Organaria» لتقدم عروضاً موسيقية رائعة حالياً في «كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهو» بمنطقة «فيلا نوفا دي غايا». احتلت الآلة بصوتها الرائع مساحة كبيرة إلى جوار أيقونة فن الطهي البرتغالي «كعكة سمك القد»، لتعتبر المعلم التاريخي الوحيد في تلك المنطقة، وواحدة من ضمن الأندر في العالم بعد أن وُضعت وسط منشأة تجارية.
جاء إحياء آلة الأرغن بمثابة تكريم لتاريخها وهو ما تزامن مع إصدار مطعم «كاسا بورتوغيزا دو باستيل دي باكالهو» لكتاب عن تلك الآلة البرتغالية التاريخية، وتزامن كذلك مع عرضها في مساحة تجارية، في تحول ديمقراطي سمح للموسيقى بأن تكون ثقافة للجميع.