ستيفان تسفايغ... هل كان محقاً حين فقد الأمل في أوروبا؟

شبح الحرب يعيد أعماله إلى الواجهة

ستيفان تسفايغ
ستيفان تسفايغ
TT

ستيفان تسفايغ... هل كان محقاً حين فقد الأمل في أوروبا؟

ستيفان تسفايغ
ستيفان تسفايغ

«الشمس تسطع بقوة... وأنا أتلفت شاهدت خيالي ولمحت معه خيال الحرب الأخرى وراء الحرب الحالية... لم تفارقني طيلة هذه السنين مغلفة أفكاري بغمامة من الحداد... ليل نهار... ربما يكون قوامها الداكن ظاهراً على صفحات هذا الكتاب...»
كانت هذه العبارات الأخيرة التي ختم بها الكاتب النمساوي ستيفان تسفايغ، آخر وأهم أعماله «عالم الأمس... مذكرات أوروبي» كتبها في 1942 قبل أن ينتحر هو وزوجته في منفاه بالبرازيل بعد أن فقد الأمل في أوروبا وحضارتها التي «دمرت نفسها»، كما جاء في رسالة انتحاره بسبب التطرف والنزعة الشعبوية وجنون الحروب التي حصدت ملايين الأرواح.
ومن يقرأ «عالم الأمس» التي شملت خلاصة تجاربه وأسفاره بين أواخر القرن التاسع عشر إلى عام 1941 بكل الأزمات والحروب التي عرفتها أوروبا آنذاك، يلاحظ بشيء من القلق أوجه التشابه مع ما يحدث اليوم على الساحة الأوروبية والعالمية، بدءاً بالصعود المخيف لجماعات اليمين المتطرف إلى الوباء الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لشعوبها، وشبح اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا...

عاشق أوروبا
تسفايغ أوروبي حتى النخاع... بدءاً من نشأته في فيينا من أم إيطالية وأب تشيكي الأصل إلى عشقه لكل أشكال ومظاهر الثقافة الأوروبية: فنونها، آدابها، معمارها وحتى طبخها، أتقن اللغات الفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وزار معظم دولها وأحبها جميعاً، لا سيما باريس وفيينا، الأقرب إلى قلبه. ومن يقرأ مذكراته في «عالم الأمس» سيعجب بهذا النوع من الحياة المليئة بالكتب والمسرح والموسيقى والترحال، أعطانا نبذة عنها حين وصف مسقط رأسه فيينا: «أن تعيش وتترك الآخرين يعيشون كان مبدأ فيينا، المقاهي كانت عبارة عن نوادٍ مفتوحة للجميع، كل واحد منا كان بوسعه المكوث فيها لساعات للمناقشة، الكتابة أو قراءة الصحف، لا شيء ساهم في تحرير العقول كتلك السهولة التي كنا نجدها في مناقشة الأحداث مع حلقات الأصدقاء، كنا نؤمن بالعدالة الاجتماعية، الإنسانية كانت قيد الحركة والعالم كان يعيش عصره الذهبي...»، أما باريس التي كان يوصي الجميع بزيارتها، لا سيما في فترة الشباب، فقد وصفها في هذا المقطع بما يلي: «آه... عليك أن تزور برلين أولاً لكي تذوب في عشق باريس... عليك أن تشعر بالخضوع الإرادي في ألمانيا بذاكرتها الطبقية التي تسجل المراتب والمسافات، برلين التي يستحيل فيها لزوجه ضابط أن تصاحب زوجة أستاذ وزوجة أستاذ زوجة عامل... في باريس تراث الثورة لا يزال حياً يجري في الدماء... العامل يشعر بالحرية والتقدير مثله مثل رئيسه في العمل، عامل المقهى يصافح ضابطاً رفيعاً وكأنه رفيقه في العمل.... وهاتان البرجوازيتان الأنيقتين لن تكشرا في وجه بائعة الهوى التي تعمل في الشارع بل تراهن يتحدثنا معها كل يوم وأطفالهما يمنحنها الورود...». زار تسفايغ الهند وأفريقيا وأميركا اللاتينية لكنه لم يشعر بالأمان إلا وهو في أوروبا وحلم بتوحيدها قبل ستيفان ومونيه، حيث كتب في عالم الأمس: «أبداً لم أحب أرضنا العجوز كما أحببتها في السنوات الأخيرة قبل الحرب العالمية الأولى، أبداً لم أتمن وحدة أوروبا، ولم أؤمن بمستقبلها كما هو الحال في هذه الأوقات التي نلمح فيها فجراً جديداً».
نجاح منقطع النظير
قد يكون هنالك جدل حول مركز ستيفان تسفايغ في فن الرواية، وهل هو روائي مبتكر أثر في مسار الأدب بالقرن العشرين، أم هو كاتب من «الدرجة الثانية»، كما وصفته بعض أوساط الأدب الجرماني التي لم تنصفه رغم النجاح الشعبي، أو كما وصفه الناقد البريطاني مايكل هوفمان على صفحات «لندن روفيو أوف بوك» بـ«بيبسي الآداب النمساوية». على أن المسألة قد تبدو محسومة في فرنسا، ففي سلسلة «بلياد» التابعة لدار نشر «غاليمار»، المخصصة للأعمال الأدبية الخالدة يكتب الفيلسوف والكاتب ميشال تورنيي بشأن تسفايغ: «لم يكن تسفايغ الأكثر ثورية ولا الأكثر إبداعاً، لكنه بالتأكيد الأكثر ذكاءً وثقافةً، كان قارئاً محترفاً يعرف جيداً ماذا يريد القارئ، وعن ماذا يبحث، وبالتأكيد كاتباً متميزاً له رؤية خاصة لم تتكرر عند كاتب آخر». كتب قصته القصيرة الأولى وهو لا يتعدى التاسعة عشرة، وأبدع حين ألف «أربع وعشرون ساعة في حياة امرأة» و«لاعب الشطرنج» و«حذارى من الشفقة»، إضافة للسيرة الذاتية لماري أنطوانيت وبلزاك، فما سر رواج أعماله؟ لغة تسفايغ كانت بديعة في تصويرها للمشاعر الداخلية والانفعالات التي تختلج النفوس، كان صديقه الأديب الفرنسي رومان رولان، يصفه بـ«صائد النفوس»، لأنه بارع في تحليل مشاعر شخصياته والغوص في أعماقها، وغالباً ما نجد إيحاءات سيكولوجية قوية في أعماله، ربما كما يقال لشغفه بالتحليل النفسي، لا سيما أعمال صديق حياته سيغموند فرويد. تضيف الكاتبة دومينيك بونا، على صفحات «لوموند»: «كان لتسفايغ نفور من كل أشكال الإطالة والإسهاب، لدرجة أنه عرض على إحدى دور النشر ذلك الاقتراح المجنون المقتصر على نشر سلسلة كاملة من أعمال ديستويفسكي وتوماس مان مع حذف تام لكل ما هو زائد وغير ضروري فيها، لكي تكتسب، حسب رأيه، حياةً وتأثيراً جديداً، فالاختصار والسرعة في السرد في نصوص تسفايغ كان بالتأكيد ما يعجب القراء، نصوصه مختصرة في الأبطال أنفسهم، وقلقهم الوجودي وحسب»، فلماذا لم يكتب إلا رواية طويلة واحدة؟ قد تكون أسفاره الكثيرة وانشغاله في الصحافة والمحاضرات قد شكلت عائقاً، لكن كما يشرح المترجم وكاتب سيرته الذاتية سارج نيامي: «تسفايغ كان إنساناً قلقاً بطبعه يتفادى وضع نفسه محل مقارنة مع نظرائه في فترة كان فيها النشاط الأدبي زاخراً، كيف له أن ينافس صديقه ومواطنه المتألق جوزيف روث الذي كان يكتب الرواية تلو الأخرى؟». هذا لم يمنع رواج أعماله، خصوصاً في فرنسا، أرقام دور النشر تؤكد علاقة الشغف التي جمعت تسفايغ بالقراء الفرنسيين. فبعد ثمانين سنة على رحيله لا يزال من أكثر الكتاب الأجانب مبيعاً في فرنسا بعد شكسبير وأغاثا كريستي. صحيفة «لوموند» التي نشرت دراسة معهد «جي إف كي» قيمت مبيعات أعمال تسفايغ بأكثر من أربعة ملايين نسخة في السنوات العشر الأخيرة، أي بمعدل 350 ألف نسخة سنوياً، الأكثر رواجاً كانت قصته القصيرة «لاعب الشطرنج» التي لا تتعدى ثمانين صفحة، والتي باعت منها دار نشر «غراسي» أكثر من مليون ونصف المليون نسخة، وعرفت لوحدها ست ترجمات فرنسية.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.