هموم الوطن على طاولة العائلة

الروائي وجدي الكومي يتناولها في «دفتر أمي»

هموم الوطن على طاولة العائلة
TT

هموم الوطن على طاولة العائلة

هموم الوطن على طاولة العائلة

في روايته الصادرة حديثاً «دفتر أمي»، الصادرة أخيراً عن منشورات «إبييدي»، يطرح الكاتب والروائي المصري وجدي الكومي، أسئلة حول الحقيقة والهُوية، عبر رصده ليوميات البطل الراوي، في علاقته بالبيت والماضي والأحلام، وأوجاع والده المُسن الذي يقضي أوقاتاً حرجة مع المرض والشيخوخة والنسيان.
يبدو الزمن الحاضر في الرواية، مرهوناً بحل أحجيات الماضي، ويدور السرد الروائي في صورة رسائل إلكترونية مُنفصلة ومُتتابعة، صاحبها هو الراوي الوحيد، الذي يُرسل رسائله الإلكترونية إلى «كارو» الفتاة السويسرية، معبراً لها في مطلع كل رسائله عن مدى اشتياقه وحبه لها، في حين لا تظهر تلك الفتاة على مدار الرواية، لتصير محض شبح محبوبة فاتنة تستقبل الرسائل، دون أن يكون لها صوت سردي مستقل، أو تُبدي تعليقاً أو حتى تعاطفاً مع رسائل البطل، أو استجابة لسيل الحنين لها الذي يتدفق في رسائله. ومن ثم يصبح السرد أقرب لصوت مونولوج من طرف واحد، يسعى لاكتشاف مآلات الحضور والغياب، وأثر المسافات، ما يعكس في الوقت نفسه هوية بطل مأزوم: «كارو... كلما كتبت لك استرددت شجاعتي في مواجهتك، استرددت قدرتي على أن أقول لك ما أعجز عن قوله في حضورك، كأن غيابك يمنحني القوة، وحضورك يضعفني، ليس كأن، بل هو ما يحدث في حقيقة الأمر».
تتداخل في رسائل البطل، تفاصيل يومياته مع والده الذي أصيب بداء «الباركنسون» الذي أثر في قدرته على الحركة، فيما تبدو اليوميات ثقيلة، تتخللها ذكريات استدعائه لملامح أبيه العفية في شبابه، وهي مفارقات لا تخلو من شعور بالشفقة والذنب معاً، أيضاً مشهد إيداعه داراً للمسنين والعجزة، الذي يستنكره في قرارة نفسه «أنا المُقصر في حقه، أنا المذنب، أتركه في البيت أياماً متجاهلاً حقه في الخروج، والتمشية، وتغيير الجو، ولا أتفهم حاجته لأن يذهب أبعد من المساحة الفاصلة بين حجرته والصالة».
ومن أعماق الضعف، يلجأ الراوي لاستعادة الذكريات، النقيضة لإحساسه بالذنب، فيتذكر تسلط والده وقهره لوالدته، يوميات طفولته ومراهقته، الضجر من كل شيء وقتها، ويكتب لحبيبته الشبحية: «أبي محاني يا كارو... محا شخصيتي... حكم البيت بالحديد والنار»، ومن ثنايا هذا القهر، تتكشف حكاية البطل الحائرة بين أبيه وأمه، ففي الوقت الذي تبدو معاناة والده مع المرض هي الحدث المُتصل، يتعاقب ظهور أمه الراحلة في أحلامه، وفي كل مرة تُجدد له الوصية ذاتها، الوصية التي تدعوه فيها للبحث عن شيء ما في بيتهم القديم: «حلمت بأمي... ولم أكن قد حلمت بها منذ أن ماتت من أكثر من عشر سنوات، طلبت مني أن أرجع إلى البيت... إذا أردت أن أعرف الحقيقة».
يظل البيت القديم الذي توصي الأم الراحلة ابنها بالعودة إليه، أحد ألغاز السرد، فتكون رحلته لذلك البيت أقرب لرحلة حفر شاقة في أعماق الماضي وأشباحه، فالبيت الذي صار مهجوراً، كان لا يزال رحماً حياً مُحملاً بالقصص والأحزان، حيث يعثر على «دفتر» منسي، كانت تُدون فيه أمه على مدار حياتها يومياتها الشاقة، وكثيراً من المفاجآت القدرية التي تخصه هو ووالده معاً، وتقلب حياته رأساً على عقب: «كان الدفتر يكسوه الغبار، وربما قد تنبت على غلافه الأعشاب والطحالب لو وجد طريقه إلى حديقة بلكونتنا التي تحولت لمقلب قمامة للجيران، إلا أن العشب لم ينمُ على ورقة غلاف الدفتر الكارتونية، رغم أن حياة طويلة عريضة من الذكريات والقصص كانت تعيش داخل أوراقه».
يصف البطل الدفتر الذي قادته له وصية أمه المُلحة في أحلامه، بأنه «غطاء لبئر أسود»، فيُطلق على نفسه، منذ فرغ من قراءة الدفتر: «الابن المخدوع»، ويظل أسير أسئلة الحقيقة والعائلة والذات، ومعها إشكاليات تجاوز الماضي بكل قبحه، فيكتب لـ«كارو» بعد اكتشاف دفتر أمه: «لم أزل قادراً على فتح صفحة جديدة... ولكن انظري جيداً يا كارو... الحقيقة كريهة... كريهة جداً... والزيف جميل... والتدليس أجمل... لأنهما أكثر راحة من الحقيقة... وقد أجادتهما أمي حتى رحيلها».
على مدار الرسائل التي تقود السرد، يظل البطل في حالة تأرجح بين الزمنين الماضي والحاضر، ويبدو قادراً على تضفير يومياتهما القديمة والآنية في نسيج واحد داخل رسائله، كأنها تخرج من ذات المعين، ويبدو المستقبل لديه مرهوناً بالهروب والتحليق فوق عالمه المُظلم، فهو كاتب روائي، يتعلم الألمانية، يضيق ذعراً من رتابة العمل الصحافي، ثم يحصل على منحة أدبية لكتابة الرواية في سويسرا. لكن تظل المسافة بين منحة الكتابة الأولى التي وصلت به إلى فنترتور السويسرية، وبين أمله في منحة ثانية، بمثابة رحلة شخصية مليئة بالمفارقات والتعثرات والأحلام، وخلال تلك الرحلة كان ثمة تقليب مُتصل لسؤال الوطن، وحقيقة الانتماء، وكانت العودة من جديد لفنترتور مصحوبة بكثير من الخوف من العودة لوطنه: «بدأت أخاف من العودة إلى مصر، لماذا أعود إذا كانت كل مرة أعود فيها يصاحبني شعور أنني مُكره على شيء، وكيف تصبح العودة إلى وطنك مصحوبة بهذا الشعور المؤلم؟ وكيف يصبح الوطن هو الوطن إذا كنت مُكرهاً على العودة إليه؟».



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.