انقلابيو اليمن يوسعون جبايات المجهود الحربي إلى المدارس الابتدائية

جانب من طابور طويل لسيارات ينتظر ملاكها دورهم أمام محطة وقود في صنعاء (غيتي)
جانب من طابور طويل لسيارات ينتظر ملاكها دورهم أمام محطة وقود في صنعاء (غيتي)
TT

انقلابيو اليمن يوسعون جبايات المجهود الحربي إلى المدارس الابتدائية

جانب من طابور طويل لسيارات ينتظر ملاكها دورهم أمام محطة وقود في صنعاء (غيتي)
جانب من طابور طويل لسيارات ينتظر ملاكها دورهم أمام محطة وقود في صنعاء (غيتي)

وسعت الميليشيات الحوثية من جبايات ما تسميه «المجهود الحربي» وصولاً إلى طلبة المدارس الابتدائية بعد أن كانت تقتصر في هذا النوع من الجبايات على التجار والباعة وأرباب الأسر، حيث فوجئت عائلات الطلبة في مدينة صنعاء بإرسال المدارس ظروفاً فارغة مع كل طفل طالبين منهم التبرع لحملة التجنيد الجديدة التي بدأتها الميليشيات منذ أسبوعين وإعادة الظرف إلى المدرسة وبداخله المبلغ المالي.
هذه الخطوة الحوثية - بحسب مصادر تربوية يمنية في صنعاء - رافقها قيام الميليشيات بتعليق الدراسة ثلاث حصص صباحية في كل مدارس المدينة حيث تم تكريسها للتحريض على الالتحاق بالقتال وترك التعليم.
وذكر خمسة من أولياء أمور طلبة في الصفوف من الثاني وحتى الخامس الابتدائي لـ«الشرق الأوسط» أن إدارة مدارس أبنائهم ومعظمها مدارس خاصة أرسلت الظروف الفارغة مع أبنائهم في نهاية اليوم الدراسي طالبة منهم التبرع لصالح حملة التجنيد الجديدة، بعد أن تولى مشرفو الميليشيا تقديم محاضرات عن ضرورة القتال وأهميته، وأن على التلاميذ التبرع لأنهم لا يقدرون في هذه السن على حمل السلاح للقتال.
إلى ذلك أفاد أولياء أمور طلبة في الصفين الثامن والتاسع بأن مشرفي الميليشيات نزلوا إلى مدارسهم وخصصوا ثلاث حصص دراسية كرست لتحريض الطلاب على الالتحاق بالمعسكرات، وأن من يتخلف عن ذلك «سيكون مصيره جهنم بصفته منافقاً وأن أبسط الأشياء المطلوبة منهم هي التبرع بالمال إذا لم يشاركوا في القتال».
وذكرت مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات فرضت أيضاً على كل طالب في مدارس التعليم العام وعددهم يفوق الأربعة ملايين دفع تبرعات شهرية مقدارها ألفا ريال (أقل من أربعة دولارات) عن كل طالب، لصالح ما تصفه الميليشيات بـ«الدعم المجتمعي للمعلمين» وهي إحدى الوسائل التي تتبعها الجماعة في فرض الجبايات على السكان والتجار وكل من يمتلك دكاناً أو عربة للبيع.
ووفق هذه المصادر فإن غالبية عظمى من الطلاب في المدارس الحكومية لا يمتلكون قيمة وجبة الإفطار ولا أجرة المواصلات، وهذا من أبرز الأسباب التي دفعت بأسر مليوني طفل لإبقائهم خارج المدارس لأنها لا تستطيع الإنفاق عليهم، ومع ذلك جاء المشرفون الحوثيون لإلقاء محاضرات عليهم تتحدث عن أهمية التبرعات لمساندة من يسمونهم «المجاهدين» من أجل دخول الجنة، حسب زعم الميليشيات.
وقال ولي أمر أحد الطلبة لـ«الشرق الأوسط» إن إدارات المدارس أبلغتهم بأنها أُلزمت من قبل الإدارات التعليمية في العاصمة بجمع التبرعات، وأن بعض تلك الإدارات أجبرت الطلاب خصوصاً في المدارس الخاصة على التبرع بمصاريفهم اليومية، في حين أن الأسر تكافح من أجل توفير الرسوم الدراسية والمصاريف اليومية لأبنائها بعد أن تدهور التعليم بشكل كبير جداً في المدارس العامة ومع ذلك تتم مصادرة ما بحوزة الطلاب من مبالغ لشراء وجبة إفطار أو أي مأكولات حتى نهاية اليوم الدراسي.
وأضاف: «لم يكتف الحوثيون بمصادرة رواتبنا، ورفع أسعار الوقود وغاز الطبخ وكل شيء بل وصلوا إلى مصاريف أطفالنا».
ويقول ولي أمر آخر إن ابنه الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي عاد إلى المنزل ليخبر والدته بأنهم «سيدخلون النار» إذا لم يقدموا التبرعات لدعم الميليشيات، وأنها حين استفسرت عمن قال له هذا الكلام قال إنها محاضرة ثقافية ألقيت في مدرستهم.
وأوضح ولي الأمر أن مسؤولي الأحياء كانوا قد نفذوا حملة مماثلة إلى المنازل حيث سلموا كل أسرة ظرفاً وطلبوا منها وضع مبلغ التبرع وكتابة المبلغ واسم رب الأسرة على واجهة الظرف وإعادة تسليمه إلى مسؤول الحي، حيث كان ذلك شرطاً للحصول على أسطوانة غاز شهرية بسعر ستة آلاف ريال وإلا اضطر لشرائها من السوق السوداء بمبلغ 21 ألف ريال (الدولار نحو 600 ريال في مناطق سيطرة الميليشيات).
ويؤكد سكان في صنعاء أن الميلشيات تقوم بتغيير مسؤولي الأحياء والقرى الذين يفشلون في جمع تبرعات مالية كبيرة أو تجنيد خمسة أفراد على الأقل من كل حي أو قرية، وتعيين آخرين مكانهم أكثر قسوة في أخذ الأموال وفي تجنيد أبناء الفقراء وإرغام الرافضين للتجنيد على دفع فدية يتم من خلالها تجنيد بدلاء عنهم.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.