الحوثيون يساومون السكان: غاز الطهي مقابل تعبئة فكرية وعسكرية

مقاتلون وحراس أمنيون حوثيون يستقلون سيارة نقل عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)
مقاتلون وحراس أمنيون حوثيون يستقلون سيارة نقل عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يساومون السكان: غاز الطهي مقابل تعبئة فكرية وعسكرية

مقاتلون وحراس أمنيون حوثيون يستقلون سيارة نقل عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)
مقاتلون وحراس أمنيون حوثيون يستقلون سيارة نقل عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

أفادت مصادر محلية في صنعاء بأن الميليشيات الحوثية فرضت خلال اليومين الماضيين شروطاً عدة على سكان صنعاء الراغبين في الحصول على أسطوانة غاز، من بينها مساومتهم علناً بإلحاق أطفالهم وذويهم لتلقي دورات فكرية وعسكرية تقيمها الجماعة حالياً بأغلب مديريات العاصمة وتحت إشراف مباشر من معمميها وبعض قادتها الميدانيين.
وتحدثت المصادر عن أن لجوء الجماعة حالياً إلى هذه المقايضة يأتي عقب الفشل الذريع الذي منيت به مؤخراً في حشد مزيد من المقاتلين ضمن الحملة الواسعة التي أطلقتها بتوجه من زعيمها عبد الملك الحوثي.
ووسط أزمة خانقة لا يزال يعيشها سكان صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة نتيجة شح غاز الطهي، كشف شهود عيان في العاصمة عن أن الميليشيات عمدت الأسبوع الماضي عبر شركة الغاز الخاضعة لسيطرتها إلى إعطاء الأولوية في الحصول على غاز الطهي لأحياء معينة في صنعاء، بينما حرمت سكان أحياء أخرى.
وذكر سكان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الميليشيات عززت عبر ذات الشركة آخر ثلاثة أيام من الأسبوع الفائت أحياء محددة بمديريتي التحرير ومعين في صنعاء بصهاريج غاز متوسطة وباشرت عبر أتباعها ببيع وتعبئة أسطوانات السكان بصورة مباشرة وبسعر بلغ في بعض أحياء مديرية التحرير 3800 ريال للأسطوانة الواحدة، وبسعر4800 ريال للأسطوانة في بعض أحياء مديرية معين (الدولار يساوي 600 ريال).
وطبقاً لبعض الشهود، الذين طلبوا حجب معلوماتهم، فقد برر مشرفو الجماعة إعطاء الأولوية لأحياء معينة واستثناء أخرى بأنه يعود إلى ما تطلق عليه الجماعة «حجم التضحيات» التي قدمها كل حي وحارة دفاعاً عن الميليشيات ومشاريعها التدميرية، إضافة إلى عدد القتلى والجرحى التي قدمتها هذه الأحياء.
وفي سياق متصل، قالت مصادر مقربة من دائرة حكم الحوثيين بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إن تلك الخطوات المتعبة من قبل الجماعة تأتي ضمن خطة حالية لفرز السكان بأحياء وحارات العاصمة لمعرفة المؤيدين لها من المعارضين، إلى جانب مكافأة الأحياء نظير الضحايا البشرية التي قدمها السكان.
وفي الوقت الذي أعطت فيه الميليشيات الأولية لأتباعها وأسر الأفراد الذين التحقوا بالقتال في الحصول على غاز الطهي، لا تزال مئات آلاف الأسر محرومة منذ أسابيع من الحصول على تلك المادة نتيجة رفضها الاستجابة لدعوات التعبئة والتحشيد.
وذكرت المصادر أن الميليشيات تواصل إذلال السكان غير المتماهين مع حملاتها التحشيدية من خلال تخصيص كميات شحيحة من الغاز بسعر 6 آلاف ريال للأسطوانة الواحدة شريطة وقوف السكان رجالاً ونساءً في طوابير طويلة ولساعات عدة لتسجيل أسمائهم وتسليم أسطواناتهم الفارغة والمبالغ المحددة ثم الانتظار أياماً وربما أسابيع حتى تعود إليهم ممتلئة.
ويشكو السكان في مناطق عدة تحت سيطرة الانقلابيين لـ«الشرق الأوسط»، من إدارة قيادة الجماعة لسوق سوداء واسعة للوقود حيث تباع أسطوانة الغاز الواحدة بمبلغ يتراوح بين 15 ألفاً و18 ألف ريال، فيما سعرها الرسمي لدى الجماعة 4 آلاف و800 ريال.
وكانت شركة الغاز اليمنية التابعة للحكومة الشرعية قد أكدت في منتصف فبراير (شباط) الماضي، استمرارها بتموين مناطق سيطرة الانقلابيين بالغاز بشكل يومي وبسعر منخفض، في ظل استمرار الأزمة الخانقة بتلك المناطق منذ نحو 3 أشهر.
وذكر المدير التنفيذي للشركة اليمنية للغاز المهندس محسن وهيط، بتصريحات صحافية، أن الشركة مستمرة بتموين كل مناطق الحوثيين بالغاز بشكل يومي وبالحصة المخصصة دون أي انقطاع أو نقصان.
وقال إن أسطوانة الغاز تصل إلى صنعاء بأقل من 3500 ريال بحساب العملة المتداولة بمناطق الشرعية أي ما يقارب 1700 ريال بالعملة المتداولة في مناطق سيطرة الميليشيات التي فرضت نظاماً مصرفياً خاصاً بها.
وأشار إلى أنه لا صحة لمبررات الجماعة عن وجود أزمة غاز، مؤكداً أنها تتعمد تخزينه وحرمان المواطنين منه.
وقال وهيط إن الحوثيين يفتعلون أزمة الغاز وبيعه في السوق السوداء بمبالغ هائلة من أجل الدخل المالي، وحتى يتم توزيعه عبر العقال مقابل حشد المواطنين للجبهات.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تنتهج فيها الميليشيات أساليب إجرامية بحق السكان بالمناطق تحت سيطرتها، إذ سبق للجماعة أن قايضت سكان صنعاء منتصف العام الماضي بغاز الطهي مقابل التبرع لصالح الجبهات.
وكان سكان في صنعاء قد تحدثوا بوقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الميليشيات فرضت جبايات على كل أسرة في صنعاء تحت مسمى «دعم الجبهات»، ضمن خطة فرز متبعة، حيث أرسلت مسؤولي الأحياء بمظاريف فارغة تطلب من خلالها «التبرع لصالح دعم الجبهات» وكتابة اسم المتبرع والمبلغ ورقم هاتفه على الطرد وإعادته عند تسلم الأسطوانة التي توزع مرة في الشهر.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.