توفي أول من أمس بإحدى مصحات الرباط الباحث الأكاديمي المغربي محمد مفتاح، عن عمر يناهز ثمانين سنة، وذلك بعد أزمة مرضية ألمّت به، لم ينفع معها علاج. وأجمعت ردود الفعل التي رافقت خبر وفاة فقيه اللغة وعالم السيمائيات المغربي محمد مفتاح، على أن رحيل الرجل الذي «انتقل بسلاسة من علوم الأقدمين إلى المناهج الحديثة»، وعُرف بـتواضعه النادر وبالعفة التي لازمت لسانه، هو «خسارة كبرى».
وقالت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، إنها تلقت بـ«بالغ الأسى وعميق الحسرة نبأ وفاة الأكاديمي محمد مفتاح». في حين نعى اتحاد كتاب المغرب الباحث الأكاديمي وأستاذ الأجيال وفقيد الجامعة المغربية، مستعرضاً سيرته وإسهاماته العلمية، مشدداً على أن رحيل مفتاح يمثل «خسارة كبرى للأدب والفكر والبحث العلمي»، داخل المغرب وخارجه.
ولد مفتاح في 1942 بالدار البيضاء، وهو حاصل على الإجازة في الأدب العربي عام 1966، وعلى شهادتي الدراسات اللغوية والأدبية المقارنة والكفاءة في التربية وعلم النفس عام 1967، ثم على دكتوراه السلك الثالث عام 1974، ودكتوراه الدولة في الآداب عام 1981.
وعمل الراحل بسلك التدريس الثانوي، قبل أن يصبح أستاذاً جامعياً في كلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن تقاعد. وقد أشرف على العديد من الرسائل والأطروحات الجامعية، وتخرجت على يديه العشرات من الطلبة والأساتذة، ممن أضحوا يشهد لهم بحضورهم العلمي والأكاديمي الوازن، على صعيد مجموعة من الجامعات المغربية والعربية. كما ألقى دروساً افتتاحية في عدد من كليات الآداب المغربية، والعديد من الدروس والمحاضرات بكليات الآداب ببعض البلدان العربية، كما دُعي أستاذاً زائراً بجامعة برنستون بالولايات المتحدة.
وصدر للراحل عدد مهم من المؤلفات والمصنفات والدراسات المهمة والمضيئة، داخل المغرب وخارجه، منها «في سيمياء الشعر القديم»، و«دينامية النص»، و«مجهول البيان»، و«التلقي والتأويل»، و«التشابه والاختلاف»، و«الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية»، و«تحليل الخطاب الشعري»، و«رؤيا التماثل»، و«مشكاة المفاهيم»، و«المعنى والدلالة»، و«فلسفة النقد»، و«النص، من القراءة إلى التنظير»، و«وحدة الفكر المتعددة»، و«المفاهيم وأشكال التواصل»، و«مفاهيم موسعة لنظرية شعرية اللغة»، و«المفاهيم معالم»، و«انتقال النظريات والمفاهيم».
ويُشهد لمفتاح بحضوره العلمي الكبير والوازن في الساحة الفكرية والنقدية الأدبية، داخل المغرب وخارجه، حيث شكلت محاضراته وأبحاثه ودراساته مراجع أساسية للباحثين والأساتذة والنقاد داخل العالم العربي وخارجه؛ وهو ما جعل مؤلفاته، في تعددها وتنوع مجالات بحثها، تنال عديد الجوائز الكبرى، أهمها: جائزة الملك فيصل العالمية عام 2016، وجائزة الشيخ زايد للكتاب عام2011، وجائزة الشبكة العربية للتسامح عام 2010، وجائزة سلطان بن علي العويس عام 2004، وجائزة المغرب للكتاب عام 1995، وجائزة صدام حسين للعلوم والآداب والفنون عام 1989، وجائزة المغرب الكبرى للكتاب في الآداب والفنون عام 1987.
وسارع كتاب ومثقفو المغرب بدورهم للتعبير عن حزنهم لرحيل قامة مشهود لها بالتميز والحضور الأكاديمي. وكتب الأديب أحمد المديني، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، «صديق وزميل وإنسان رفيع وشيخ جليل ومعلمة أكاديمية يغادرنا: رحيل الأستاذ الباحث واللغوي والأكاديمي العتيد محمد مفتاح الذي أفنى عمره في خدمة اللغة والثقافة العربية، وتخرج على دروسه ومحاضراته في الفكر اللغوي والبلاغي الجديد وفي ريادته للدرس السيميائي، أجيال كاملة في الجامعات المغربية وخارجها، كان من فقهاء وأعمدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية لجامعة محمد الخامس بالرباط في عصرها الذهبي إلى جانب محمد عابد الجابري وعبد الله العروي. أشرف على عشرات الأطاريح، وترك تآليف غزيرة كما نال التقدير بأرفع الجوائز».
من جهته، كتب الإعلامي والباحث لحسن لعسيبي «العالم الفقيه العلامة، أستاذ الأجيال، محمد مفتاح يغادر دنيا الأحياء. الدرس الأدبي في كامل العالم العربي في حداد. الرجل هرم من أهرامات الجامعة المغربية، حين كانت كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببلادنا تنتج فطاحلة العلوم الأدبية والدراسات النقدية بمقاييس عالمية. وللأسف صارت منذ عقود تنتج لنا أكثر باحثين مقلدين لا مبدعين، أقولها بحسرة وغصة. برحيل محمد مفتاح، الشاوي لمزابي الحر الأصيل، يسقط جدار كامل من صرح الجامعة المغربية، الرجل المتخصص في السيميائيات، الذي صالح بين الزمخشري وابن دريد صاحب (جمهرة اللغة) والجرجاني في (دلائل الإعجاز) وبين كامل مدرسة السيميائيات الحديثة بسلاسة العالم الفقيه».
المغرب ينعى محمد مفتاح... أحد أهرامات النقد العربي
المغرب ينعى محمد مفتاح... أحد أهرامات النقد العربي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة