بشيمشل تتلقى الفارين بخيام ومدافئ مُرتجلة... وجداريات ذهبية

«الشرق الأوسط» في محطة العبور الأولى و{مفوضية اللاجئين» تخشى تفاقم الأوضاع والأعداد

خيام لتخزين وتنظيم التبرعات لفائدة اللاجئين (الشرق الأوسط)
خيام لتخزين وتنظيم التبرعات لفائدة اللاجئين (الشرق الأوسط)
TT
20

بشيمشل تتلقى الفارين بخيام ومدافئ مُرتجلة... وجداريات ذهبية

خيام لتخزين وتنظيم التبرعات لفائدة اللاجئين (الشرق الأوسط)
خيام لتخزين وتنظيم التبرعات لفائدة اللاجئين (الشرق الأوسط)

إنها الساعة التاسعة والنصف مساءً. وصل قطار يُقلّ مئات اللاجئين من معبر ميديكا الحدودي إلى محطة بشيمشل، بعد رحلة محفوفة بالصعوبات من لفيف الأوكرانية. اصطفّ رجال أمن ومتطوّعون ومسعفون لاستقبالهم، تحت تهاطل ثلوج خفيفة. «لم يكن الأطفال يقوون على المشي، ولم تنجح ألعابنا في إيقاف دموعهم».
يقول القسّ باتريك كانا، إن بعضهم «اضطر إلى قطع مسافات طويلة مشياً، قبل الوصول إلى لفيف. إنه أمر مفجع. فقد استهدفت هذه الحرب الأهالي، والأطفال يدفعون ثمنها». كان القس البولندي من أصول كاميرونية، أو «باتريك» كما يفضّل أن يُعرف، يتحدث لـ«الشرق الأوسط» وسط صالة الانتظار الرئيسية في محطة بشيمشل، التي تبعد أقل من 14 كيلومتراً عن الحدود. اشتهرت هذه المحطة، التي تربط لفيف الأوكرانية بكراكوف البولندية منذ عقود، بطرازها المعماري الفريد وجدارياتها الذهبية الصامدة منذ القرن التاسع عشر. أما اليوم، ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فقد تحولت إلى محطة الاستقبال الرئيسية للفارين من الحرب نحو ملاذات آمنة في بولندا وخارجها.
«يتلقى اللاجئون هنا الرعاية الأولية. يصلون مرهقين بعد رحلات صعبة، وفي حاجة إلى وجبات ساخنة، ومكان آمن للراحة والاغتسال، والعناية الطبية أحياناً». يتابع باتريك «غالبية اللاجئين هنا قرروا وجهاتهم المقبلة»، مشيراً إلى أن كثيرين اختاروا الالتحاق بأهاليهم أو معارفهم في ألمانيا وتشيكيا وإيطاليا. «أما الآخرون، فيتم توجيههم إلى مراكز استقبال مؤقتة في بشيمشل ومدن بولندية أخرى، في انتظار إيوائهم لدى أهالي متطوعين أو نقلهم إلى مراكز لجوء طويلة المدى».
كانت سفيتلانا من هؤلاء اللاجئين. تقول هذه الجدة، وهي تقاوم الدموع «لا أعرف أين سأذهب من هنا. لكنني أود البقاء في بشيمشل لمقابلة ابنتي وحفيدَيّ. فقد وصلوا إلى لفيف بالأمس، ويتجهون حالياً صوب الحدود البولندية». وتضيف «كل شيء سيتحسن بعد وصولهم».
ستُنقل سفيتلانا، إلى جانب أفواج من اللاجئين، إلى مركز استقبال مؤقت في مدخل البلدة التي لا يتجاوز عدد سكانها 62 ألفاً. حوّلت السلطات المحلية سوق «تيسكو» التجارية الضخمة، التي أغلقت أبوابها قبل أشهر، إلى مبنى لإيواء اللاجئين. فحلّت سيارات الإسعاف والشرطة والحافلات محلّ مركبات المتسوّقين، في حين أزيحت الرفوف ومخازن السلع ليتم إنشاء صالات نوم مؤقتة.

بشيميك يضيف حطباً لإيقاد النار في مدفأة خارج مركز اللجوء

رافقت «الشرق الأوسط» أحد المتطوعين البولنديين إلى داخل المركز. وباللغتين البولندية والأوكرانية، يصيح توماس في أروقة «تيسكو» المكتظة «4 مقاعد إلى وارسو... رحلة مجانية إلى العاصمة». ويقول هذا الطالب الجامعي «أعرض خدمات نقل مجانية إلى وارسو مرتين في الأسبوع. هذا أقل ما أستطيع تقديمه. أعود إلى بشيمشل مُحمّلاً بتبرعات مختلفة، خاصة أغراض الأطفال والرضع». واصل توماس بحثه عن الراغبين في السفر إلى العاصمة، متّجهاً نحو رواق واسع محظور على الصحافيين. يقف جنديان وأربعة متطوعين في مدخل الرواق، ويطالبون بتفقّد معاصم الوافدين بحثاً عن أساور ورقية. يقول أحد الجنود «تدلّ الأساور الزرقاء على أن حاملها لاجئ، في حين تُشير الصفراء إلى المتطوّعين بمختلف أدوارهم». وانضمّ أحد المتطوعين القائمين على تنظيم الدخول إلى الحديث، فقال «علينا حماية خصوصية هذه العائلات. فقد اقتُلعوا من منازلهم، وفقدوا أحباءهم، ويواجهون مستقبلاً غامضاً».
في كل ركن من أركان المركز، نصب المتطوعون والموظفون المحليون أكشاكاً لمساعدة اللاجئين وتخفيف معاناتهم. تشكّل صفّ خارج صيدلية عادت إلى الخدمة تلبية لاحتياجات الوافدين إلى المركز، في حين حظي «ركن الألعاب» بشعبية واسعة لدى الأمهات وأطفالهنّ. تقول أوليفيا، وهي متطوعة شابة من وودش ثالث أكبر مدن بولندا «يتضاعف عدد اللاجئين داخل المركز ليلاً، مع انخفاض درجات الحرارة»، مشيرة إلى أن «الوافدين إلى المركز يستفيدون كذلك من خدمة (الواي فاي) للتواصل مع أهاليهم العالقين في أوكرانيا، وترتيب خطواتهم المقبلة».
لا تقتصر الخدمات المقدّمة للاجئين على مركز الإيواء؛ إذ نُصبت عشرات الخيام في محيط السوق التجاري، خُصّص غالبيتها لتجهيز وتوزيع وجبات ساخنة، وشرائح هاتف مجانية، وعرض خدمات الترجمة من اللغة الأوكرانية إلى لغات مختلفة.
وبابتسامة عريضة، رحّبت مايلين، الأرجنتينية المقيمة في فرنسا، بزائري كُشكها. «نوزّع مشروب الشوكولاتة الساخن، وبعض المخبوزات». وتقول، في حين كان زميلها منهمكاً في تحضير شطائر لحم ساخنة «وصلنا إلى بشيمشل الاثنين، على متن حافلة صغيرة محمّلة بالتبرعات. كنا نخطط للبقاء أسبوعاً واحداً، لكننا قررنا تمديد زيارتنا للمساعدة في دعم الأوكرانيين الفارين من الحرب». بدوره، كان إيفان، القادم من برشلونة، يجهّز طبقاً تقليدياً مكوّناً من العدس، ويوزّعه في أطباق ورقية على المارّة. أما بشيميك، القادم من كراكوف، فعلّق مؤقتاً تنظيم صناديق التبرعات الغذائية ليضيف حطباً على نار أشعلها في مدفأة مُرتجلة خارج خيمته. قال مبتسماً «الطقس لم يقف في صفّنا اليوم. لكن لكل مشكلة حلّها».

لاجئون ينتظرون نقلهم من محطة قطارات بشيمشل إلى مركز اللجوء

على الرغم من تضافر جهود البولنديين والمتطوعين من مختلف أنحاء أوروبا، تقترب مراكز الاستقبال والإيواء في المناطق الحدودية من تجاوز طاقتها الاستيعابية. عبّر كريس ميلزر، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن قلقه من تفاقم الأوضاع. قال متحدّثاً لـ«الشرق الأوسط» من الحدود البولندية - الأوكرانية «أعداد اللاجئين الأوكرانيين لا تنفك ترتفع. فقد بلغ العدد الإجمالي مليونين ومائتي ألف، بينهم مليون و300 ألف عبروا الحدود نحو بولندا». رجّح ميلزر ارتفاع هذه الحصيلة في الأيام المقبلة؛ «ما سيشكل تحدياً».
ولحظ ميلزر، الذي يراقب توافد اللاجئين عبر الحدود الأوكرانية - البولندية منذ بداية الحرب، تحسناً كبيراً في فترة الانتظار خارج المعابر الحدودية. «تراجعت فترة الانتظار في الطوابير خارج المعابر، من 60 ساعة قبل أسبوعين، إلى 8 ساعات اليوم، في حين لا يستغرق عبور بعض النقاط أي وقت تقريباً». في المقابل، يشير ميلزر إلى أن تدهور الأوضاع الجوية، مع الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، يثير قلق المنظمة، «خاصة أن غالبية اللاجئين هنا هم نساء وأطفال».


مقالات ذات صلة

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT
20

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.