تكساس: «إف بي آي» يتعرف على أحد منفذي الهجوم على معرض الرسوم المسيئة

اشتباكات وقتلى.. وأوباما يطلع على حادث إطلاق النار.. و«الدواعش» يشيدون

جنود شرطة فيدراليون وعناصر من الـ{إف بي آي} يبحثون عن أدلة جنائية بجوار السيارة التي استخدمت في الهجوم على معرض الرسوم المسيئة في تكساس أمس (رويترز)
جنود شرطة فيدراليون وعناصر من الـ{إف بي آي} يبحثون عن أدلة جنائية بجوار السيارة التي استخدمت في الهجوم على معرض الرسوم المسيئة في تكساس أمس (رويترز)
TT

تكساس: «إف بي آي» يتعرف على أحد منفذي الهجوم على معرض الرسوم المسيئة

جنود شرطة فيدراليون وعناصر من الـ{إف بي آي} يبحثون عن أدلة جنائية بجوار السيارة التي استخدمت في الهجوم على معرض الرسوم المسيئة في تكساس أمس (رويترز)
جنود شرطة فيدراليون وعناصر من الـ{إف بي آي} يبحثون عن أدلة جنائية بجوار السيارة التي استخدمت في الهجوم على معرض الرسوم المسيئة في تكساس أمس (رويترز)

تبنى تنظيم داعش مسؤولية إطلاق النار خارج معرض مناوئ للإسلام في ولاية تكساس الأميركية، مما أودى بحياة المشتبه بهما وإصابة حارس أمن». وأورد موقع «سايت» الإلكتروني الذي يرصد أنشطة «الجماعات الإرهابية»، أن أحد مقاتلي تنظيم داعش زعم على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن اثنين من مؤيديه نفذا العملية التي وقعت خارج معرض الصور المسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام في ضاحية غارلاند بمدينة دالاس في ولاية تكساس الأميركية.
وفي سلسلة من التغريدات والروابط، كتب شخص يُكنّى بأبي حسين البريطاني، الذي يقول موقع «سايت» إن اسمه الحقيقي هو المواطن البريطاني جنيد حسين، زاعمًا أن «اثنين من إخواننا أطلقوا النار للتو على معرض لصور الرسول». وأضاف أبو حسين في تغريدته: «يظنون أنهم آمنون في تكساس من جنود (الدولة الإسلامية)». وكتب آخرون من أنصار تنظيم داعش على «تويتر» أن أحد المسلحين رجل أطلق على نفسه باللغة الإنجليزية لقبًا معناه بالعربية «الشريعة نور» على موقع التواصل الاجتماعي.
وفي وقت لاحق، أمس (الاثنين)، أصدر البيت الأبيض بيانا قال فيه إن الرئيس باراك أوباما اطلع على تطورات ما حدث في تكساس، وذلك فور حدوثه ليلة أول من أمس، وأن أوباما يتابع تطورات التحقيقات.
اعتبر البيت الأبيض أمس أنه لا يمكن تبرير الهجوم على اجتماع مناهض للإسلام في تكساس، وذكر البيت الأبيض أنه تم إطلاع الرئيس الأميركي باراك أوباما على الحادث، وأشاد بشجاعة الأشخاص الذين تصدوا للمهاجمين.
وصرح المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست: «لا يوجد شكل من أشكال التعبير يبرر القيام بعمل عنف».
وبينما رفض مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) تحديد دوافع الرجلين اللذين أطلقا النار، ثم قتلتهما الشرطة، قالت مراكز أميركية تتابع الإرهاب والإرهابيين إن قادة في تنظيم داعش كتبوا بأن الرجلين «من إخواننا».
ونقلت وكالة «رويترز» عن تلفزيون «إيه بي سي»، على لسان مسؤول في «إف بي آي»، أن أحد المسلحين هو إلتون سمبسون، الذي جاء إلى مكان الحادث من ولاية أريزونا، حيث كان يسكن لفترة من الزمن، وأن «إف بي آي» كانت تلقت في الماضي معلومات عن نشاطات إرهابية اشتبه في القيام بها، وأن هذا جعل الشرطة تراقب تحركاته. وقال موقع صحيفة «دالاس مورننغ نيوز» إن الرجل المسلح الثاني كان يسكن مع سمبسون في شقة واحدة في فيونكس (ولاية أريزونا)، لكن لم تحدد هويته.
وقالت كاثرين تشومونت، المتحدثة باسم مكتب «إف بي آي» في دالاس، إنها لا تملك معلومات مفصلة عن الرجلين. وأضافت بأن المحققين «يجمعون أي أدلة لها صلة بما حدث». وتقول صحيفة «ديلي ميل» البريطانية إن هذا الرجل بثّ من قبل رسالة جاء فيها: «أنا وأخي الذي برفقتي قد عقدنا البيعة لأمير المؤمنين (زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي)، نسأل الله أن يتقبلنا». وأدت الاشتباكات في غارلاند، من ضواحي مدينة دالاس، إلى قتل الشرطة لرجلين مسلحين وصلا في سيارة إلى مكان المعرض، ثم بدآ يطلقان النار على الشرطة التي تحرس المعرض.
نظمت المعرض «فريدوم ديفنس انيشاتيف» (مبادرة الدفاع عن الحرية) المتطرفة، ورئاستها في نيويورك. ودعت إلى أن يرسم مشتركون رسومات كرتونية عن النبي محمد في قاعة كالويل. ووعدت بمنح جائزة 10 آلاف دولار للفائز الأول. والبارز أن النائب الهولندي اليميني، خيرت فيلدرز، المعروف بإنتاج عدة أعمال أثارت كثيرا من الغضب بين المسلمين بسبب طريقة تعرضها لدينهم ورموزهم ما دفع تنظيم القاعدة إلى إهدار دمه، كان على رأس قائمة المتحدثين في التجمع الذي نظمته جمعية «المبادرة الأميركية للدفاع عن الحرية»، وقدم فيلدرز شيكا بمبلغ 10 آلاف دولار للفائز الأول، بوش فوستاين.
قالت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية إن موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أوقف حسابا نشر تغريدة عن هجوم في ولاية تكساس قبل 15 دقيقة من حادث إطلاق النار في معرض للرسوم الكاريكاتيرية المعادية للمسلمين في مدينة غارلاند. وكان مسلحان قد قتلا على يد الشرطة في المعرض الذي يحث المشاركون فيه على تقديم رسوم كاريكاتيرية عن النبي محمد، وعرض جائزة بقيمة 10 آلاف دولار لأفضلها. وحمل الحساب الذي تم تعليقه صورة رجل الدين الأميركي من أصل يمني والقيادي بتنظيم القاعدة أنور العولقي الذي قتل في هجمات لطائرات دون طيار في سبتمبر (أيلول) 2011. وحمل الحساب اسم «الشرعية هي النور» وقال في تغريدة: «حصلت والإخوة على البيعة من أمير المؤمنين، لعل الله يقبلنا كمجاهدين، ادعوا لنا»، مضيفا هاشتاغا باسم هجوم تكساس. وتم بث التغريدة في الساعة السادسة و35 دقيقة مساء بالتوقيت المحلي في تكساس، قبل 15 دقيقة من وقوع الهجوم في غارلاند.
وذكرت تقارير أن المسلحين كانا يستقلان سيارة نقل صغيرة وأطلقا النار على رجال الشرطة عندما كان فيلدرز يلقي كلمة بالمعرض. واستنكر نقاد المعرض ووصفوه بأنه عدوان على الإسلام، بينما شدد المنظمون على أنهم كانوا يمارسون حرية التعبير. وفي كلمته الرئيسية أمام المعرض، قال خيرت فيلدرز إن «الإسلام أعلن الحرب علينا وعلى حضارتنا اليهودية المسيحية». وأضاف: «الإسلام يريد أن يسلبنا حرياتنا، الإسلام والحرية على طرفي نقيض تمامًا».
وتنظم المعرض «مبادرة الدفاع عن الحرية» الأميركية ومقرها نيويورك، التي رصدت جائزة تبلغ عشرة آلاف دولار لأفضل رسم كرتوني يصور الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالمعرض. وقالت رئيسة «مبادرة الدفاع عن الحرية» باميلا غيلر إنها خططت للمعرض لتسجيل موقف دفاعا عن حرية التعبير، ردا على «الانتقادات وأعمال العنف» بشأن الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وكانت باميلا غيلار، مديرة منظمة «مبادرة الدفاع عن الحرية»، قالت لوكالة أسوشييتد برس إن الهدف من المعرض هو «تأكيد أن الولايات المتحدة وطن حر لكل الأحرار». وليلة أول من أمس، في مؤتمر ضاحية غارلاد، تحدثت غيلارد عن «أهمية حرية التعبير»، وعن «رفض الخنوع للذين يفرضون آراءهم علينا». وفي وقت لاحق، غردت غيلار: «يريد المتطرفون قمع حريتنا في التعبير. ضربوا في باريس، وفي كوبنهاغن. والآن في تكساس».
ثم غردت: «يوضح هذا الحادث مدى الحاجة إلى مثل هذا المعرض الذي أقمناه. تتعرض حرية التعبير لهجوم عنيف هنا في بلادنا». وغردت: «السؤال الآن هو: هل سوف نقف وندافع عنها؟ أم سنرضخ للعنف، والبلطجة، والوحشية؟».
يوجد في الإنترنت، في موقع منظمة «الدفاع عن الحرية»، تصريحات كانت أدلت بها رئيستها غيلار، جاء فيها: «ننظم هذا المعرض بهدف الدفاع عن حرية التعبير. وبهدف أن الأميركيين لا يخافون من تخويف المتطرفين العنيفين». وأضافت: «هذا هو موقفنا الحاسم في مواجهة الاعتداءات الإسلامية على حرية التعبير، وعلى الحرية الأساسية التي نتمتع بها، وهم يزدادون إصرارا».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.