معركة أوكرانيا تضع النمو العالمي على المحك

مخاوف من تضخم غير مسبوق وأزمة سلع أساسية

تزداد المخاوف من تأثير كبير للحرب الأوكرانية على الاقتصاد العالمي برمته (أ.ف.ب)
تزداد المخاوف من تأثير كبير للحرب الأوكرانية على الاقتصاد العالمي برمته (أ.ف.ب)
TT
20

معركة أوكرانيا تضع النمو العالمي على المحك

تزداد المخاوف من تأثير كبير للحرب الأوكرانية على الاقتصاد العالمي برمته (أ.ف.ب)
تزداد المخاوف من تأثير كبير للحرب الأوكرانية على الاقتصاد العالمي برمته (أ.ف.ب)

تضع معركة أوكرانيا وتبعاتها من عقوبات غربية روسية متبادلة، الاقتصاد العالمي على المحك؛ خصوصاً بعد تحرك الولايات المتحدة وبريطانيا لحظر واردات النفط الروسية، مما أثار مخاوف من حدوث تضخم عالمي.
وقال مسؤول بالبنك الدولي، إن استمرار ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يقلص نمو الاقتصادات النامية الكبيرة المستوردة للخام، مثل الصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا، بواقع نقطة مئوية كاملة.
وأضاف أندرميت جيل، نائب رئيس البنك للنمو العادل والتمويل والمؤسسات، في مدونة نشرها، أن الحرب ستوجه مزيداً من انتكاسات النمو للأسواق الناشئة المتراجعة بالفعل على مسار التعافي من جائحة «كوفيد-19» والتي تجد صعوبة في مواجهة مجموعة من أوجه عدم اليقين، من الديون إلى التضخم.
وأضاف: «أدت الحرب إلى تفاقم حالة عدم اليقين بطرق سيتردد صداها في جميع أنحاء العالم، وتضر بالأشخاص الأكثر ضعفاً في الأماكن الأكثر هشاشة»، و«من السابق لأوانه معرفة الدرجة التي سيغير بها الصراع التوقعات الاقتصادية العالمية».
ويعتمد بعض البلدان في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا وأوروبا اعتماداً كبيراً على روسيا وأوكرانيا في الغذاء، إذ يشكل البلدان معاً أكثر من 20 في المائة من صادرات القمح العالمية. وقال جيل إن التقديرات الصادرة عن نشرة مقبلة للبنك الدولي، تشير إلى أن زيادة في أسعار النفط 10 في المائة تستمر سنوات عدة يمكن أن تخفض النمو في الاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأساسية بمقدار عُشر نقطة مئوية.
وتضاعفت أسعار النفط خلال الأشهر الستة الماضية. وقال جيل: «إذا استمر هذا، فقد يقلص النفط النمو في مستوردي النفط، مثل الصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا، بواقع نقطة مئوية كاملة». صصصصأضاف أنه «قبل اندلاع الحرب، كان من المتوقع أن تنمو جنوب أفريقيا بنحو 2 في المائة سنوياً، في عامي 2022 و2023، وتركيا من 2 إلى 3 في المائة، والصين وإندونيسيا 5 في المائة».
ووسط معركة التراشق بالعقوبات، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء الثلاثاء، إنه سيبذل قصارى جهده لتقليل زيادة الأسعار في الولايات المتحدة. وأوضح في تغريدة عبر حسابه على «تويتر»: «سأبذل قصارى جهدي لتقليل زيادة الأسعار التي يريدها (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين هنا في الداخل».
وفرض بايدن في وقت سابق، الثلاثاء، حظراً على استيراد الولايات المتحدة للنفط والغاز والطاقة من روسيا، في تصعيد كبير للجهود الغربية الرامية إلى تكبيل اقتصاد روسيا، وهو ما يزيد من التوتر في الأسواق العالمية للنفط.
وقال بايدن في كلمة ألقاها بالبيت الأبيض: «الولايات المتحدة تستهدف الشريان الرئيسي للاقتصاد الروسي. لن نشارك في دعم حرب بوتين». وذكر بايدن أن الحرب في أوكرانيا ستسبب ارتفاعاً إضافياً في أسعار البنزين؛ لكنه حذر صناعة النفط والغاز من زيادات مفرطة وتفوق الحد في الأسعار.
وعلى مستوى ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الوطني الصيني ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك في الصين الذي يقيس التضخم خلال الشهر الماضي بنسبة 0.9 في المائة سنوياً، وهو ما جاء متفقاً مع توقعات المحللين، ومع معدل الارتفاع في الشهر السابق.
ولكن على أساس شهري، بلغ معدل تضخم أسعار المستهلك في الصين 0.6 في المائة، متجاوزاً توقعات المحللين، وكانت 0.3 في المائة، ومعدل التضخم في يناير (كانون الثاني) الماضي وكان 0.4 في المائة. وذكر مكتب الإحصاء أن أسعار المنتجين (الجملة) زادت خلال الشهر الماضي بنسبة 8.8 في المائة سنوياً، في حين كان المحللون يتوقعون ارتفاعها بنسبة 8.7 في المائة، بعد ارتفاعها خلال الشهر السابق بنسبة 9.1 في المائة سنوياً.


مقالات ذات صلة

ما أسباب عمليات البيع المكثفة في «وول ستريت»؟

الاقتصاد متداوِل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

ما أسباب عمليات البيع المكثفة في «وول ستريت»؟

شهدت أسواق الأسهم في مختلف أنحاء العالم خسائر حادة بعد موجة بيع في الولايات المتحدة أثارها رفض الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، استبعاد احتمال الركود.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في بنك هانا في سيول بكوريا الجنوبية (وكالة حماية البيئة)

الأسواق العالمية تواصل خسائرها لليوم الثاني

واصلت الأسواق العالمية خسائرها لليوم الثاني على التوالي، مع تزايد قلق المستثمرين بشأن صحة الاقتصاد العالمي.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد شاشات التداول داخل بهو بورصة لندن للأوراق المالية (رويترز)

الأسهم البريطانية تتراجع وسط مخاوف النمو العالمي والرسوم الجمركية الأميركية

واصلت الأسهم البريطانية تراجعها، يوم الاثنين، متأثرة بالمخاوف المتزايدة بشأن تباطؤ النمو العالمي وحالة عدم اليقين المحيطة بالسياسات الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون يعملون على أرضية بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

المستثمرون يطلبون وضوحاً بشأن الرسوم الجمركية من إدارة ترمب

أثارت الإعلانات المتذبذبة حول الرسوم الجمركية حالة من الارتباك في «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار الأميركي (رويترز)

تراجع الدولار مع تزايد المخاوف بشأن النمو الأميركي وترقب بيانات الوظائف

تراجع الدولار الأميركي يوم الجمعة ليقترب من أدنى مستوى له في أربعة أشهر، في ظل تزايد القلق بشأن آفاق النمو في أكبر اقتصاد في العالم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

ترقّب لبيانات التضخم الأميركي على وقع عاصفة الرسوم الجمركية

علم الولايات المتحدة يرفرف أمام مبنى الكابيتول في واشنطن (أرشيفية - رويترز)
علم الولايات المتحدة يرفرف أمام مبنى الكابيتول في واشنطن (أرشيفية - رويترز)
TT
20

ترقّب لبيانات التضخم الأميركي على وقع عاصفة الرسوم الجمركية

علم الولايات المتحدة يرفرف أمام مبنى الكابيتول في واشنطن (أرشيفية - رويترز)
علم الولايات المتحدة يرفرف أمام مبنى الكابيتول في واشنطن (أرشيفية - رويترز)

على الرغم من التباطؤ الطفيف في معدل التضخم الأميركي الشهر الماضي، فإن هذه الاستراحة قد تكون قصيرة الأمد، حيث يُتوقع على نطاق واسع أن تُبقي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب مستويات الأسعار مرتفعة في الأشهر المقبلة.

مؤشرات التضخم واستمرار الضغوط السعرية

من المتوقع أن تُعلن وزارة العمل، يوم الأربعاء، أن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع بنسبة 2.9 في المائة خلال فبراير (شباط)، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة «فاكت ست». وإذا تحقّق ذلك فسيكون هذا أول انخفاض له منذ خمسة أشهر، بعد أن بلغ 3 في المائة خلال يناير (كانون الثاني)، حيث كان التضخم قد تراجع إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات ونصف السنة عند 2.4 في المائة خلال سبتمبر (أيلول).

أما التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، فمن المتوقع أن يتراجع إلى 3.2 في المائة مقارنة بـ3.3 في المائة خلال الشهر السابق. وعلى الرغم من هذا الانخفاض الطفيف، لا تزال معدلات التضخم عالقة عند مستوياتها منذ الصيف الماضي، حين توقّف تحسّن التضخم بعد هبوطه الحاد من ذروته البالغة 9.1 في المائة في يونيو (حزيران) 2022.

وفي ظل هذه المعطيات، قد يواجه ترمب تحديات سياسية، إذ وعد في أثناء حملته الانتخابية بـ«القضاء التام على التضخم». ومع فرضه -أو تهديده بفرض- رسوماً جمركية على واردات من كندا والمكسيك والصين وأوروبا والهند، يتوقع خبراء الاقتصاد أن يظل التضخم مرتفعاً هذا العام.

السياسات التجارية وتأثيرها في الاقتصاد

منذ توليه منصبه في يناير، فرض ترامب ضرائب بنسبة 20 في المائة على جميع الواردات من الصين، ورسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على الواردات من كندا والمكسيك، رغم تعليق معظمها لمدة شهر. واليوم، الأربعاء، دخلت رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على الصلب والألمنيوم حيز التنفيذ، مما قد يرفع أسعار العديد من السلع، بما في ذلك السيارات، والأجهزة المنزلية، والإلكترونيات.

علاوة على ذلك، يعتزم ترمب، بدءاً من 2 أبريل (نيسان)، فرض رسوم متبادلة على الدول التي تفرض رسوماً جمركية على الصادرات الأميركية، بما في ذلك أوروبا والهند وكوريا الجنوبية. وقد تسبّبت هذه السياسات في اضطراب الأسواق المالية، وسط تحذيرات من احتمال تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل حاد، بل حتى دخول الاقتصاد في حالة ركود.

ووفقاً لتحليل أجراه مختبر ميزانية جامعة ييل، فإن هذه الرسوم الجمركية المتبادلة قد ترفع متوسط معدل التعريفات الأميركية إلى أعلى مستوى له منذ عام 1937، ما قد يُكلف الأسرة المتوسطة الأميركية ما يصل إلى 3 آلاف و400 دولار سنوياً.

«الاحتياطي الفيدرالي» بين الترقب والتدخل الحذر

على الرغم من المخاوف التضخمية، فمن غير المرجح أن تدفع بيانات التضخم الجديدة الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض سعر الفائدة في اجتماعه الأسبوع المقبل. فقد أكد رئيس الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، في تصريحات سابقة، أن أي تخفيض في أسعار الفائدة سيكون مشروطاً بتراجع مستدام في التضخم، وهو ما لم يتحقّق بعد.

وعلى أساس شهري، من المتوقع أن ترتفع الأسعار العامة والأساسية بنسبة 0.3 في المائة خلال فبراير مقارنة بالشهر السابق، وهو تحسّن مقارنة بارتفاع 0.5 في المائة في يناير، إلا أن هذا المعدل لا يزال بعيداً عن المستويات المطلوبة لتحقيق استقرار التضخم عند هدف 2 في المائة الذي يستهدفه «الفيدرالي».

تأثيرات متفاوتة

إلى جانب الرسوم الجمركية، تأثرت بعض السلع الحيوية بظروف أخرى دفعت الأسعار إلى الارتفاع، مثل البيض، الذي شهد قفزة في الأسعار بعد اضطرار المزارعين إلى ذبح أكثر من 160 مليون طائر بسبب تفشي إنفلونزا الطيور، ما رفع متوسط سعر البيض إلى 4.95 دولار للدزينة، وهو مستوى قياسي مقارنة بأقل من دولارَيْن للدزينة قبل انتشار الوباء.

في المقابل، يُتوقع أن تكون أسعار البنزين قد تراجعت الشهر الماضي، وهو تطوّر قد يخفّف بعض الضغوط على المستهلكين.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن فرض الرسوم الجمركية يؤدي عادةً إلى ارتفاع الأسعار لمرة واحدة، لكنه لا يُنتج تضخماً مستمراً. ومع ذلك، أشار وزير الخزانة، سكوت بيسنت، إلى أن هذه الرسوم قد ترفع الأسعار بشكل مؤقت، قائلاً: «قد نشهد تعديلاً لمرة واحدة في الأسعار، لكن الحصول على سلع رخيصة ليس جوهر الحلم الأميركي».

من جانبه، حذّر جيروم باول من أن الرسوم الجمركية قد تعزّز التضخم إذا أدت إلى توقعات تضخمية طويلة الأجل، حيث قد تبدأ الشركات رفع أسعارها تحسباً لارتفاع تكاليفها المستقبلية، مما يخلق حلقة تضخمية يصعب كبحها.