شددت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الثلاثة، أمس، على ضرورة تقديم إيران الإيضاحات اللازمة، إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لحل المشكلة العالقة منذ فترة طويلة، بشأن جزيئات اليورانيوم التي عثر عليها في مواقع غير معلنة، رافضين أي تسوية «سياسية» بشأن القضية التي تحظى بأهمية في التحقق من برنامج طهران النووي.
وقال بيان أميركي لمجلس محافظي «الطاقة الذرية»، التابعة للأمم المتحدة التي تضم 35 عضواً: «لا تزال المخاوف الكبيرة المعتقلة بالتزامات إيران الوقائية دون حل»، منتقداً عدم تعاون إيران، مشدداً على أهمية العمل بتفاهم توصل إليه مدير الوكالة الدولية، رافائيل غروسي، والمسؤولون الإيرانيون، السبت الماضي، لتوضيح القضايا المتعلقة بالضمانات بموجب خطة مدتها ثلاثة أشهر.
وحضّ البيان الأميركي، الطرف الإيراني على انتهاز فرصة التفاهم الأخير مع غروسي لتزويد الوكالة على الفور بالتوضيحات المكتوبة اللازمة والوثائق الداعمة ذات الصلة، بما في ذلك الإيضاحات المطلوبة، حتى يمكن توضيح قضايا الضمانات المعلقة وحلها، حسبما نقل موقع البعثة الأميركية في فيينا.
واستند البيان الأميركي إلى أن قراراً سابقاً لمجلس محافظي الوكالة الدولية في يونيو (حزيران) 2020 دعا إيران إلى التعاون الكامل بشأن المواقع السرية دون تأخير.
وتطرق البيان الأميركي أيضاً إلى تقليص إيران مستوى التعاون مع المفتشين الدوليين وقال: «لا نزال نشعر بقلق عميق إزاء تقارير المدير العام التي تفيد بأن إيران توقفت من فبراير (شباط) 2021 عن العمل بالبروتوكول الإضافي» الملحق بمعاهدة حظر الانتشار، وذلك في إشارة إلى امتناع إيران عن تزويد الوكالة بتسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة بالأنشطة الحساسة، ما لم يتم إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
في الاتجاه نفسه، قالت الأطراف الأوروبية التي تتفاوض لإحياء الاتفاق النووي، إنها تؤيد «التحقق المهني والمستقل والنزيه» للتحقق من التزامات إيران بموجب اتفاقية «الضمانات» الخاصة بمعاهدة عدم الانتشار. وأعلنت تلك الدول رفضها أي مقترحات بوجود «حل سياسي» لهذه القضايا، مشددة على ضرورة تمكن الوكالة الدولية من «أداء واجباتها التقنية دون أي ضغوط سياسية». وقالت الدول الثلاث إنها تشعر بقلق عميق لأن إيران توقفت منذ عام عن العمل بالبروتوكول الإضافي. وقالت إنه «شرط ضروري للوكالة الدولية للوصول إلى استنتاج أوسع بأن جميع المواد النووية في إيران لا تزال تستخدم في الأغراض السلمية».
تحذير آيرلندي
في الأثناء، حذر وزير الخارجية الآيرلندي سيمون كوفيني، أمس، من ضياع «الفرصة» قريباً جداً، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن.
وقال كوفيني، في حديث بمعهد دبلن للشؤون الأوروبية والدولية: «يحتاج هذا حقاً إلى القيام به قريباً جداً حتى ينجح. وإلا أظن أننا سنكون ببساطة قد ضيعنا الوضع الحالي الملائم للاتفاق... وستكون هذه مأساة حقاً».
ولعب كوفيني دور وسيط مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية، وتقوم بلاده بتسهيل تطبيق القرار 2231 الذي تبنى الاتفاق النووي. والتقى كوفيني نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في طهران، منتصف الشهر الماضي.
واستؤنفت المشاورات المكثفة غير الرسمية بين إيران والقوى الكبرى، أمس، إلى مجراها الطبيعي، بعودة كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إلى فيينا، بعد إجراء مشاورات في طهران.
وفور وصوله إلى العاصمة النمساوية، توجه باقري كني إلى مقر المحادثات، وعقد اجتماعاً مع منسق الاتحاد الأوروبي في محادثات فيينا، إنريكي مورا. وكتب السفير الروسي، ميخائيل أوليانوف على «تويتر»: «اجتماع آخر مع مورا في المرحلة الأخيرة من الماراثون الدبلوماسي نحو إحياء الاتفاق النووي».
وقال مصدر مقرب من فريق المفاوض الإيراني لوكالة «إرنا» الرسمية إن المفاوضات «تنتظر قراراً أميركياً». وأضاف: «المفاوضات حققت خلال الأسابيع الماضية تقدماً لافتاً في ضوء مبادرات إيران وحسن نواياها... وفي المقابل يعرقل الفريق الأميركي الوصول إلى اتفاق جيد عبر التباطؤ في اتخاذ القرار السياسي». وأضاف: «الفريق الأميركي في فيينا ينتظر تلقي التعليمات بشأن القضايا المتبقية، الاتفاق في فيينا ينتظر الرد الأميركي على المقترحات أكثر من أي وقت مضى».
وبات إحياء اتفاق 2015 الذي رفع العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي وشيكاً بعد 11 شهراً من المحادثات. لكن المفاوضات تعقدت بسبب مطالبة روسيا في اللحظة الأخيرة بضمانات من الولايات المتحدة بأن العقوبات الغربية التي تستهدف موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا لن تؤثر على أعمالها مع إيران.
هدف مشترك
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أمس: «نعتقد أن أميركا وروسيا هدفهما مشترك على صعيد اتفاق إيران النووي»، وأضافت أنه «لا يزال التواصل مستمراً مع الشركاء في اتفاق إيران ومن ضمنهم روسيا».
واتفقت باريس وواشنطن على مواصلة التنسيق الوثيق بينهما في محاولة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، حسبما أفادت الخارجية الأميركية، في بيان عقب اجتماع وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.
من جهتها، أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، في جلسة استماع في الكونغرس، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة لم تقدم أي ضمانات مكتوبة لروسيا بشأن تعاون موسكو مع إيران رغم العقوبات، مشيرة إلى أن موسكو تسعى لجني فوائد إضافية من مشاركتها في جهود إحياء الاتفاق الإيراني.
وأضافت أن روسيا لن تنجح في مسعاها هذا بعد أن أربكت المفاوضات المستمرة منذ 11 شهراً بطلبها في اللحظة الأخيرة ضماناً من الولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا لن تعرقل تجارتها واستثماراتها وتعاونها العسكري التقني مع إيران.
وقالت نولاند، في جلسة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي: «تحاول روسيا رفع سقف مطالبها وتوسيع نطاق مطالبها فيما يتعلق بخطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي)». ونوهت بأن العلاقات التجارية الروسية مع إيران «محدودة نسبياً» ومشاركة موسكو في هذا الاتفاق المهم مرتبطة بشكل أساسي بـ«مصالح الأمن القومي» الروسي. كذلك، أكدت أن مفاوضات فيينا باتت على «وشك إبرام» تسوية ورفضت دعوات من معارضي اتفاق 2015 إلى تعليق المحادثات بسبب الحرب في أوكرانيا. وقالت إن «آخر أمر نحتاج إليه الآن إلى جانب حرب بوتين الدموية، هو إيران مسلحة نووياً» بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
مصالح روسية
في طهران، حاول سفير روسيا لدى إيران، ليفان دجاغاريان، في مؤتمر صحافي أمس، توضيح موقف بلاده من المحادثات النووية. وقال: «سنأخذ مصالحنا أيضاً بعين الاعتبار في المفاوضات».
وبحسب وكالة «إيلنا» الإصلاحية، سئل دجاغاريان عن «سعي روسيا لنسف الاتفاق النووي بعد غزو أوكرانيا»، قال: «نسمع أصواتاً كثيرة بأن روسيا لا تريد بقاء الاتفاق النووي، لكن الجميع يعرف الدور الذي قامت به روسيا في المفاوضات التي انتهت باتفاق 2015، ولا يزال مبعوثنا في فيينا (ميخائيل أوليانوف) مصدراً لأخبار المحادثات» وقال: «الآن نأخذ مصالحنا بعين الاعتبار ونريد ضمان تبادلنا مع إيران»، وأضاف: «نريد أن ينجح الاتفاق النووي، لكن مصالحنا الخاصة مهمة بالنسبة لنا، وهي مصالح لإيران أيضاً».
وأشار دجاغاريان إلى اتصالات بين عبد اللهيان ونظيره الروسي سيرغي لافروف، ورد على أسئلة الصحافيين بسؤال «ألا تعتقدون أن الغربيين يريدون إثارة الانقسام بيننا؟».
ورأى العضو السابق في مركز أبحاث الرئاسة الإيرانية دياكو حسيني، أن حل القضايا المتبقية ممكن عبر التفاوض المباشر بين طهران وواشنطن.
وقال الناشط السياسي علي مطهري، نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق، إن «روسيا بعد الهجوم على أوكرانيا، تسعى لأن تستفيد من الصراع بين إيران والغرب، خصوصاً في مجال الاتفاق النووي». ونقلت مواقع إخبارية عن مطهري قوله إن «روسيا تعتقد أن إحياء الاتفاق النووي، سيخلص الغرب، على رأسه أميركا، من قضية مهمة، وستركز على أوكرانيا».
وقال مطهري وهو أبرز مؤيدي الاتفاق النووي في إيران: «روسيا تحاول أن تستخدم الاتفاق النووي في صالحها في قضية أوكرانيا... برأيي أن روسيا تورطت في أوكرانيا، وتعتقد أن إطالة إحياء الاتفاق النووي يمكن أن تساعدها، بطبيعة الحال، هذه سياسة غير نزيهة».
وعاد أوليانوف للتغريد عبر «تويتر» بشأن الاتفاق النووي، وكتب أمس: «ينشر معارضو (الاتفاق النووي) في كل من الولايات المتحدة وإيران (...) معلومات مضللة من خلال الادعاء بأن روسيا هيمنت على محادثات فيينا». وقال: «هذا إطراء لكنه هراء. أود أن أرى كيف يمكن لأي شخص أن يسيطر على المفاوضات بمشاركة إيران والولايات المتحدة».
تهديد جمهوري
إلى ذلك، توعد مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي السابق، أمس، بانسحاب واشنطن مجدداً من الاتفاق النووي في حال عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض.
وقال بنس لصحيفة «إسرائيل هيوم» إن «الإدارة الجمهورية المستقبلية لن تكون ملتزمة بالاتفاق النووي وستنسحب منه بسرعة»، محذراً من أن إحياء الاتفاق النووي «سيمهد الطريق لقنبلة نووية لإيران»، رافضاً انتقادات الإدارة الحالية بأن الانسحاب من الاتفاق النووي «أدى إلى تفاقم الوضع» وقال: «انسحب الرئيس ترمب وإدارتنا من الاتفاق النووي لأنه كان كارثياً في المقام الأول». وتوقع بنس سيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، معرباً عن اعتقاده أنهم سيعودون إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية 2024.