«استراتيجية الممرات»... «حيلة» روسية قلبت موازين القوى في سوريا

باحثة تشير إلى أن طرق إجلاء تقود إلى أرض يسيطر عليها أحد أطراف النزاع

سوريون من الغوطة الشرقية خلال العبور من الممر الذي يسيطر عليه النظام في عام 2018 (أ.ف.ب)
سوريون من الغوطة الشرقية خلال العبور من الممر الذي يسيطر عليه النظام في عام 2018 (أ.ف.ب)
TT

«استراتيجية الممرات»... «حيلة» روسية قلبت موازين القوى في سوريا

سوريون من الغوطة الشرقية خلال العبور من الممر الذي يسيطر عليه النظام في عام 2018 (أ.ف.ب)
سوريون من الغوطة الشرقية خلال العبور من الممر الذي يسيطر عليه النظام في عام 2018 (أ.ف.ب)

تعد روسيا التي تعهّدت بفتح «ممرات إنسانية» لخروج آلاف السكان من مدن أوكرانية رئيسية تحت مرمى نيرانها، «مهندسة» أبرز اتفاقات إخلاء المدنيين من مناطق محاصرة خلال سنوات النزاع السوري.
وتحاول روسيا اليوم اتباع استراتيجية تفعيل «الممرات» التي ترى فيها أوكرانيا حيلة إعلامية، إذ تؤدي أربعة من ستة ممرات اقترحتها موسكو إلى روسيا أو جارتها وحليفتها بيلاروس.
وبموجب استراتيجية اختبرتها منذ بدء تدخلها العسكري عام 2015 دعماً لقوات النظام السوري في مواجهة مجموعات مقاتلة معارضة، تمّ إجلاء أكثر من مائتي ألف شخص بعد هجمات شنّها الجيش السوري بدعم سياسي وعسكري روسي، على أبرز معاقل المعارضة. وبادرت روسيا إثرها إلى نسج اتفاقات تضمنت إجلاء مدنيين ومقاتلين، ما فتح الطريق أمام دمشق لاستعادة مناطق عدة.
وسادت فوضى بعض عمليات الإجلاء التي تمّ تعليقها لأكثر من مرة بسبب استهداف الحافلات وانعدام الثقة بين الأطراف المعنية وغياب رقابة دولية عن معظمها.

سكان ينتظرون الطعام عند نقطة توزيع تابعة للأمم المتحدة في مخيم اليرموك للاجئين جنوب دمشق عام 2014 (أ.ف.ب)

وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط، إيما بيلز، لوكالة الصحافة الفرنسية: «في أوكرانيا، نشهد بعض المخاطر التي رأيناها في سوريا».
وتضيف: «في بعض الأحيان، تقود طرق الإجلاء إلى أراضٍ يسيطر عليها أحد أطراف النزاع الذي يخاف منه الخارجون، وتكون لديهم مخاوف تتعلق بالأمن والحماية... في بعض الحالات، تتم مهاجمة الطرق خلال عمليات الإجلاء، ما يتسبب بإصابة أو مقتل مدنيين».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1500896058163015683

ما أبرز عمليات الإجلاء التي نسجتها روسيا وأشرفت على تنفيذها في سوريا؟
شكّل هجوم القوات السورية على الأحياء الشرقية، معقل الفصائل المعارضة في مدينة حلب (شمال)، بعد حصار خانق ومحكم، أول مثال على التدخل العسكري الروسي الذي سرعان ما رجّح كفة الميدان لصالح دمشق.
وبدءاً من منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، شنّ الجيش السوري بدعم روسي هجوماً واسعاً على الأحياء الشرقية خوّله في 22 ديسمبر (كانون الأول) بسط سيطرته على كامل المدينة.
وبموجب اتفاق أبرمته روسيا وإيران، الداعمتين الرئيسيتين لدمشق، مع تركيا الداعمة لفصائل المعارضة، بدأت أولى عمليات الإجلاء في 15 ديسمبر وانتهت في 22 منه.
وتمّ إخراج 35 ألف شخص بين مقاتلين ومدنيين، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر حينها. غادر هؤلاء تباعاً على متن حافلات وسيارات خاصة، إضافة إلى سيارات إسعاف نقلت مئات المرضى والجرحى، نحو ريف حلب الغربي الذي كان تحت سيطرة المعارضة. وانتقل عدد كبير منهم لاحقاً إلى محافظة إدلب (شمال غرب).
وأفاد سكان حينها لوكالة الصحافة الفرنسية عن تعرضهم لمضايقات في أثناء توقفهم لساعات على نقاط أمنية تابعة لقوات النظام وأخرى لمقاتلين موالين لإيران، من أجل التفتيش في ظل طقس بارد حينها. كما مرت الحافلات عبر نقطة روسية في المدينة.

قوات النظام السوري تشغل نقطة تفتيش خلال إجلاء مواطنين من مقاطعة الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة عبر ممرات آمنة أعلنت عنها روسيا في شباط 2018 (أ.ف.ب)

وتعرضت سيارة إسعاف على الأقل أقلّت جرحى في اليوم الثاني من عمليات الإجلاء لإطلاق رصاص.
عانت الغوطة الشرقية التي شكّلت أبرز معقل للمعارضة قرب دمشق منذ عام 2012 من حصار محكم لسنوات فاقم مأساة نحو 400 ألف من سكانها.
بعد هجوم واسع بدأته القوات السورية في 18 فبراير (شباط) 2018 لاستعادة المنطقة، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 من الشهر ذاته بـ«هدنة إنسانية يومية». لكن في اليوم الأول منها، قصف الطيران السوري والمدفعية المنطقة مجدداً ما أوقع سبعة قتلى. ولم يتجرأ أي من السكان المحاصرين والمنهكين من الخروج في الأيام اللاحقة.
إلا أنّه على وقع التقدّم العسكري وازدياد القصف الذي شاركت فيه روسيا وحال في 5 مارس (آذار) دون استكمال توزيع أول قافلة مساعدات أدخلتها الأمم المتحدة، فرّ أكثر من مائة ألف شخص إلى مناطق سيطرة الحكومة، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في حينه.
في 13 مارس، أُجليت أول دفعة من السكان ضمت 150 مريضاً وجريحاَ، رغم القصف.
إثر اتفاقات أبرمتها روسيا مع الفصائل الكبرى، بدأ في 22 مارس إجلاء مقاتلي المعارضة وعائلاتهم على مراحل حتى 11 أبريل (نيسان). وتم إجلاء أكثر من 67 ألف مقاتل مع أفراد عائلاتهم إلى الشمال السوري، غالبيتهم إلى إدلب، حسب المرصد.

سيدة سورية تحمل طفلاً عبر ممر يسيطر عليه النظام في 2018 (أ.ف.ب)

وأشرفت الشرطة العسكرية الروسية بشكل مباشر على عمليات الإجلاء، فانتشر عناصرها على مداخل الغوطة الشرقية، وتفقدوا قوائم أسماء جميع من صعد إلى الحافلات.
ورافقت آليات روسية الحافلات حتى خروجها من مناطق سيطرة حكومة النظام السوري.
وشنّت قوات النظام بدعم روسي، بدءاً من 19 يونيو (حزيران) 2018، عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة درعا التي كانت تعدّ مهد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري، تسببت بنزوح أكثر من 320 ألف مدني، وفق الأمم المتحدة.
في 6 يوليو (تموز)، أبرمت روسيا وفصائل معارضة اتفاقاً لوقف إطلاق النار سمح ببقاء مقاتلين مع أسلحتهم الخفيفة في المنطقة، في «استثناء» لم تحظَ به أي محافظة أخرى. وتمّ بموجبه إجلاء مئات المقاتلين والمدنيين الرافضين للاتفاق إلى شمال سوريا.
بعد هدوء نسبي لنحو ثلاث سنوات، شهدت مدينة درعا في نهاية يوليو 2021، تصعيداً عسكرياً دفع أكثر من 38 ألف شخص إلى النزوح خلال شهر تقريباً، وفق الأمم المتحدة.
وقادت روسيا مرة جديدة مفاوضات بين الطرفين أثمرت اتفاقاً قاد إلى إجلاء عشرات المقاتلين المعارضين إلى شمال البلاد. وأعلنت دمشق بعدها دخول وحدات من الجيش إلى أحياء في المدينة.
انطلاقاً من «التجربة السورية»، تشكّك الباحثة السورية لدى منظمة «هيومن رايتس ووتش» سارة كيالي، في نجاح استراتيجية الممرات الإنسانية. وتقول: «هاجم تحالف القوات السورية - الروسية ومجموعات المعارضة الممرات. في بعض الحالات، وجد مدنيون استخدموها أنفسهم قيد التوقيف أو الإخفاء عوضاً عن (بلوغ برّ) الأمان».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.