الضغوط الاجتماعية تعرقل تعزيز مكانة المصرية

وسط تكرار حوادث التحرش والعنف الأسري و«الابتزاز الإلكتروني»

مصرية تحمي نفسها من المطر في القاهرة (إ.ب.أ)
مصرية تحمي نفسها من المطر في القاهرة (إ.ب.أ)
TT

الضغوط الاجتماعية تعرقل تعزيز مكانة المصرية

مصرية تحمي نفسها من المطر في القاهرة (إ.ب.أ)
مصرية تحمي نفسها من المطر في القاهرة (إ.ب.أ)

موجات من الجدل والنقاش الاجتماعي والثقافي الصاخب شهدتها مصر على مدار العام الماضي، بشأن قضايا معظمها متعلق بالمرأة، وعلاقتها بالرجل، كشفت عن أن «جميع محاولات تمكين وتحرير المرأة ما زالت تصطدم بحواجز اجتماعية وثقافية، (مُغلّف) بعضها بتأويلات دينية تعرقل تقدمها».
كان آخر هذه القضايا خلال الشهر الماضي، عندما ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي عقب تداول مقطع فيديو لعريس يضرب عروسه في الشارع، وهي بفستان الزفاف، وسط صمت من المارة والمحيطين، تلاه مشاهد للعروسين يرقصان في حفل الزفاف، لتتباين ردود الفعل بين رافض ومستهجن للواقعة. وبين مدافع عن حق الزوج، ومؤيد لموقف العروس «المتصالحة التي حافظت على بيتها»، ليشتبك الجدل مع نقاش سابق ذي أبعاد دينية حول «حق الرجل في ضرب زوجته»، خاصة مع تأكيد العريس صاحب الفيديو أن «الضرب أمر عادي، ليس فقط لأنها عروسة، بل لأنها ابنة عمه». وعبّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مراراً عن تعويله على دور المرأة في خططه لتنمية المجتمع وتحمّل الضغوط الاقتصادية. وتعهد في وقت سابق بـ«عدم السماح بصدور قوانين أو نمو ممارسات تنتقص من حقوق المصريات».
ويشار إلى أن قضية الضرب أعادها للنقاش مشروع قانون تقدمت به نائبة في البرلمان المصري تطالب بـ«تغليظ عقوبة ضرب الزوج لزوجته لتصل إلى السجن مدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات»؛ وهو ما أثار الجدل، في حين أصدر المجلس القومي للمرأة في مصر بياناً أعلن فيه «رفضه جملة وتفصيلاً أي آراء تتخذ أي ستار لتبرير استخدام العنف ضد المرأة».
تزامن ذلك مع معركة صحافية وإعلامية بشأن تصريحات، أطلقها، منذ سنوات شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، بشأن موقفه من «ضرب الزوجات»، ورأت منصات إعلامية تابعة للمشيخة حينها، أن التعاطي الإعلامي مع تلك التصريحات كان «مجتزأً، وغير مهني»، على حد تعبيرها.
وقبل ذلك، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو لمعلمة مدرسة ترقص في رحلة نيلية مع زملائها؛ لتتعرض للهجوم وتخضع لتحقيقات، وسط محاولات دعم من بعض الشخصيات العامة والفنانين أدت في النهاية إلى عودتها لعملها، وإن ظلت غالبية التعليقات تجرّمها.
ومن الضرب والرقص تواصلت جرائم التحرش، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منصة للإبلاغ عن هذه الجرائم، في الوقت الذي برزت على السطح جرائم «الابتزاز الإلكتروني» للفتيات، والتي تسببت في انتحار مراهقات تحت ضغط المبتزين؛ وهو ما فتح النقاش حول تغليظ عقوبات التحرش و«الابتزاز الإلكتروني»، مع مطالبة الأهل بالوقوف بجوار بناتهن، حتى أن مركز الفتوى العالمي التابع للأزهر أصدر بياناً قال فيه، إن «ابتزاز الناس والطعن في أعراضهم بالفيديوهات والصور المفبركة أمر محرّم وجريمة مُنكرة، والانتحار لن يكون حلاً ولا مهرباً، بل وهماً كبيراً، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا راحة في الموت لصاحب كبيرة، وليس بعد الموت توبة أو مستعتب».
السفيرة ميرفت التلاوي، التي شغلت سابقاً مناصب وزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية ورئيس المجلس القومي للمرأة، وصفت الثقافة المجتمعية بأنها «تنظر للمرأة نظرة غير لائقة، وتسمح بإهانة كرامتها». وقالت التلاوي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «مهما اتخذت الدولة من إجراءات لتمكين المرأة، سيظل الوضع على الأرض كما هو بسبب ثقافة المجتمع». وأشارت التلاوي إلى ما اعتبرته «تراجعاً في النظرة المجتمعية للمرأة، عما كانت عليه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي؛ بسبب دعاوى وفتاوى، وثورة يناير (كانون الثاني) التي أخرجت أحشاء المجتمع»، على حد قولها.
لكن الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أكد «قوة وسيطرة العادات والتقاليد والثقافة الاجتماعية وتغلغلها داخل المجتمع المصري منذ سنوات، وهو ما يعيق أي محاولة لتمكين المرأة». وأضاف صادق في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «المسألة ليست وليدة اليوم، فلو عدنا للوراء سوف نرى حجم الهجوم الذي تعرض له قاسم أمين بسبب دعواه لتحرير المرأة، وكيف رأى البعض هذه الدعوى مبرراً للتحرش بالنساء»، مشيراً إلى أن «الثقافة الذكورية تمارس الهيمنة ضد المرأة، مستغلة تدويلات دينية تبيح للرجل ضرب زوجته، وتتعامل مع النساء باعتبارها كائناً ناقصاً»، لافتاً إلى «زيادة العنف الأسري من جانب الأزواج ضد زوجاتهم، دون عقاب قانوني رادع».
وتعيد الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الأمر إلى بدايته، من المنزل والبيئة المحيطة، حيث «تمنح الثقافة السائدة في المجتمع الرجل أدواراً فاعلة يتقاضى عليها أجراً، وتحصر المرأة في أدوار خدمية تابعة للذكر؛ وهو ما جعل الرجال يمتلكون أوضاعاً اجتماعية قوية أعلى من النساء». وقالت زكريا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المجتمع يعتبر المرأة جزءاً من مقتنيات الرجل، وحتى عندما خرجت للعمل، وتولت مناصب عليا، ظل المجتمع يطالبها بما يعتبره وظيفتها الأساسية، وهي رعاية المنزل والزوج والأولاد والطبخ، ويرفع لها البطاقة الصفراء إذا ما قصرت عن أداء هذا الدور، لتظهر الدراسات في مصر أن النساء يقمن بنشاطات تعادل ثلاثة أضعاف الرجال». وأضافت زكريا، أن «التربية تتعامل مع النساء منذ الطفولة باعتبارهن خادمات للرجل، وتكرس ثقافة الضرب تحت ستار ديني واجتماعي، فلا يجب أن نتظاهر بالصدمة عند كل حادثة، فهذا واقع نعيشه يومياً»، مشيرة إلى المثل القائل «اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24».
ويشار إلى أن الحوادث التي أثارت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مرتبطة فقط بمواقف الرجال من النساء، مثل الضرب والتحرش والابتزاز الإلكتروني، بل ظهرت قضايا بدت فيها «المرأة عدوة للمرأة».
وترفض زكريا القول بأن «المرأة عدوة المرأة». وتقول، إن «المرأة محمّلة بمسؤوليات اجتماعية ومكبّلة بقيود ثقافية ومطالبة بتنفيذ أمور كثيرة، وإلا خسرت احترام المجتمع، فهي في النهاية تؤدي مهمة فرضها عليها المجتمع». وتضيف زكريا «لا يجب أن نفرح بتولي النساء مناصب؛ لأن جماهير النساء ما زالت تضحي، وهذا يتطلب تدخلاً اجتماعياً ثقافياً يبدأ من التربية في المنزل، لا نعطي فيها المرأة أدواراً خدمية، لنحاول صنع ثقافة مضادة للثقافة السائدة».
لكن صادق يؤكد، أن «الثقافة الذكورية متغلغلة أيضاً حتى لدى بعض النساء، اللاتي تشبعن بها، وأصبحن يمارسن مع الذكور محاولات لوم الضحية وتبرير العنف». وقال، إنه «رغم زيادة عدد الوزيرات في الحكومة، وتمثيل النساء في البرلمان والمناصب العامة، فإن المواطنة العادية ما زالت تعاني من ثقافة متشددة تحاسبها وتعاقبها، وتظهر في أحداث متتالية مثل فتيات (التيك توك)، المراهقات اللاتي تم حبسهن بسبب ما يقدمنه على التطبيق، بينما لم نسمع مثلاً عن أولاد (التيك توك)، وفتاة الفستان التي تعرّضت لتنمر من مراقبات في لجنة امتحانات بسبب فستانها، والمعلمة التي رقصت وسط زملائها وكادت تفقد عملها، وغيرها من القضايا التي تجد مكاناً في إعلام ذكوري أيضاً يمارس لعبة لوم واستغلال الضحية».
وأكد صادق، أن «هذا الوضع لا يمكن تغييره إلا بوضع قوانين تعاقب من يحاول الاعتداء على كرامة المرأة، وإعلام يلعب دوراً تنويرياً، ولا يقدم المرأة رمزاً للخضوع والخنوع، والأهم تجديد الخطاب الديني».
وتعتبر التربية قاسماً مشتركاً في حل المشكلة. وتشدد التلاوي على «ضرورة أن تركز التربية على تعليم الشباب قيمة المرأة، وأنه لا يجوز ولا يحق للرجل أن يضربها، مع تعديل المناهج الدراسية، وتجديد الخطاب الديني».


مقالات ذات صلة

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)
شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا امرأة يابانية مرتدية الزي التقليدي «الكيمونو» تعبر طريقاً وسط العاصمة طوكيو (أ.ب)

نساء الريف الياباني يرفضن تحميلهنّ وزر التراجع الديموغرافي

يعتزم رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إعادة تنشيط الريف الياباني الذي انعكست هجرة السكان سلباً عليه.

«الشرق الأوسط» (هيتاشي (اليابان))

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.