مارلين شيابا: حكومة ماكرون اعتمدت إجراءات مبتكرة لحماية المرأة من العنف

الوزيرة الفرنسية كشفت لـ «الشرق الأوسط» أسباب تجنيس 17 ألف عامل أجنبي

مارلين شيابا
مارلين شيابا
TT

مارلين شيابا: حكومة ماكرون اعتمدت إجراءات مبتكرة لحماية المرأة من العنف

مارلين شيابا
مارلين شيابا

تحتل مارلين شيابا، الوزيرة الفرنسية المفوضة لشؤون المواطنة، موقعاً خاصاً في الهرم السياسي الحكومي. فرغم أنها لا تشغل وزارة سيادية، يتخطى حضورها السياسي والإعلامي وموقعها في الطاقم الحكومي بأشواط المهمة الوزارية المناطة بها، وهي إحياء معنى «المواطنة».
وتحت هذا الاسم، ثمة مهمات عديدة تتولاها الوزيرة شيابا المولودة في عام 1982، إذ إن عليها التعاطي مع ملفات اندماج المهاجرين والمواطنين الجدد في المجتمع الفرنسي، كما أن عليها أن تسهر على محاربة الظواهر التمييزية القائمة على العرق أو الجنس أو اللون، وبمختلف أشكالها أكان في المدرسة أو العمل أو السكن، إضافة إلى اهتمامها بالجمعيات الفاعلة في نطاق مهماتها. وهذا الجانب له معنى خاص في بلد كفرنسا نهض عبر القرون بفضل تواصل الهجرات المتدفقة عليه، أكانت أوروبية أو متوسطية أو شرق أوسطية أو أفريقية. وقبل أن تتحمل مسؤولية «المواطنة»، عيّنت الوزيرة الشابة في بداية عهد الرئيس إيمانويل ماكرون وزيرة دولة لشؤون المساواة بين الرجل والمرأة ولمحاربة التمييز الجنسي، وكان لها دور كبير في إقرار قانون محاربة العنف الأسري، خصوصاً ضد المرأة. من هنا، فإن مارلين شيابا، تتمتع بالشرعية للحديث عن المرأة ودورها في كل القطاعات، خصوصاً أنها بدأت بالاهتمام بهذه الملفات قبل أن تدخل عالم السياسة وبعده عالم الوزارة.
وفيما يلي نص الحديث الذي خصت به «الشرق الأوسط» بمناسبة يوم المرأة العالمي.

> ما الذي دفعك إلى السير في درب الالتزام بالدفاع عن حقوق المرأة؟
- لقد كنت دوماً ملتزمة بالدفاع عن المرأة. وصرت أمّاً في مقتبل عمري في سن الرابعة والعشرين تحديداً، فأسست جمعية «Maman travaille» (ماما تعمل)، وترأستها نحو عشر سنوات قبل أن أحوز على مقعد في الانتخابات المحلية (بمدينة رين، غرب فرنسا). بعدها التقيت (الرئيس) إيمانويل ماكرون عندما كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية الماضية والتزمت العمل بجانبه بصفتي ناشطة في حملته الانتخابية. وعقب انتخابه في ربيع عام 2017، تم تعييني سكرتيرة دولة في حكومته. وعملت أيضاً خبيرة لدى مؤسسة «جان جوريس» السياسية، وألفت نحو ثلاثين كتاباً تناولت فيها هذا الموضوع بالذات.
> هلا أعطيتنا نبذة عن مساركِ الفكري وعن دور والدكِ...
- ترعرعت في وسط تتقارع فيه الأفكار، وعلمني والدي منذ سني المبكرة أن أفكر على نحو مستقل. وأود أن أقول إنني أعتبر نفسي امرأة عصامية، إذ إنني حصلت على شهادتي في علوم الاتصال وأنا ربة أسرة. وانطلقت من تجربتي الشخصية لإطلاق مفاهيم، منها «سقف الأم» مثلاً، ولإصدار أول كتاب في فرنسا عن ثقافة الاغتصاب. وأعتبر أنه كان لوالدي دور في مساري الفكري والمجتمع، إذ إنني ابنة مؤرخ مختص مشهود له في التيار الفكري المسمى «البابوفية» الذي أسسه غراكوس بابوف، وهو ثوري ناضل من أجل مساواة مطلقة بين جميع المواطنين ومن أجل السعادة الغالبة، كما أن والدي خبير أيضاً في العلمانية. وهو يساري إلى أقصى الحدود ولديه التزام سياسي كبير، غير أنه راعى على الدوام حرية اختياري، ولم يرغمني أبداً على الاحتذاء به فكرياً.
> ما أهم إنجاز تفتخرين بتحقيقه خلال هذا العهد الرئاسي الذي كنتِ وزيرة فيه منذ البداية؟
- اعتمدنا أربعة قوانين خلال خمس سنوات، ونظمنا حلقات نقاشية تناولنا فيها مسألة العنف الزوجي الذي كان بمثابة نقطة تحوّل أتاحت إدراج مكافحة العنف الأسري في صميم إشكاليات عصرنا، وذلك بدفع من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي اتخذ المساواة بين الجنسين قضية العهد الرئاسي الكُبرى. وانبثقت عن هذه الحلقات النقاشية إجراءات مبتكرة لحماية المرأة من العنف، ولم ننتظر حركة #metoo (أنا أيضاً) النسائية لاستنفار طاقاتنا. وتشمل أبرز تلك التدابير مصادرة سلاح الزوج المعنّف فور التقدم بشكوى ضدّه، فضلاً عن استحداث منصة خاصة تتيح لضحايا العنف الجنسي التواصل مع رجال الشرطة على مدار الساعة، وتدريب قوى الأمن الداخلية وتلقي الشكاوى في المستشفى عندما لا تجرؤ الضحية على الذهاب إلى دائرة الشرطة، وتمديد آجال التقادم لكي تتمكّن الضحايا من إيداع الشكاوى على مدى ثلاثين سنة بعد بلوغ سن الرشد، والقائمة طويلة! كما أننا أول بلد يغرّم التحرش في الشارع. فكل هذه التدابير تغيّر حياة النساء. ويجب أن ينعكس اتجاه العار. وحان الوقت لكي يقضّ العنف الجنساني والجنسي مضاجع جميع المجتمعات. والطريق لا تزال طويلة. لكن هذا العهد الرئاسي حقق إنجازات مهمة في فرنسا ونحن نؤيد ذلك على الصعيد الدولي. ويكتسي كذلك عمل المجتمع المدني وتصرفات كل مواطن وأب وأخ وزوج وصديق أهمية كبيرة.
> تدافعين بصفتكِ وزيرة مكلفة بشؤون المواطنة عن قضية في غاية الأهمية في فرنسا، لا سيما منذ اغتيال المدرس صامويل باتي. ما قراءتكِ لمفهوم العلمانية من المنظور الفرنسي؟
- نحن نفهم العلمانية على أنها مبدأ «الفصل» بين الدين والدولة، إذ نعتبر أنه ليس للدولة أن تتدخل في شؤون الدين وأن الأديان، بالمقابل، لا تملي القوانين على الدولة. وتعني العلمانية، إذن، أننا نتمتع جميعاً بحرية المعتقد. ولا تفرض الدولة أي ديانة رسمية، فكل فرد حر في أن يؤمن بما يشاء وتعامل الدولة الجميع سواسية، سواء كانوا مسلمين أو يهوداً أو مسيحيين.
وإننا نموّل على سبيل المثال ضمان الأمن في المساجد، شأنها في ذلك شأن الكنس اليهودية والكنائس المسيحية، كي يتمكن كل فرد من ممارسة ديانته بحرية والعيش في كنف إيمانه بسلام. وخلافاً للمعلومات الخاطئة المتداولة بشأن هذا الموضوع، ليس ارتداء الحجاب ممنوعاً في فرنسا، شأنه في ذلك شأن القبعة اليهودية أو الصليب اللذين يجوز وضعهما في الشارع أو في الجامعة بفرنسا. كذلك، فإن المجتمع ليس ملزماً بأن يكون علمانياً، لكن بالمقابل يجب على المرافق العامة الالتزام بالعلمانية، فهي مبدأ الحرية بالنسبة للمجتمع ومبدأ الحياد بالنسبة للمرافق العامة. وأريد أن أضيف أن نموذجنا العلماني يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخنا، فلقد أنشأناه في القرن الماضي لحمايتنا من الحروب الدينية التي طالما مزقت بلدنا.
> ما فلسفة «قانون تعزيز مبادئ الجمهورية» الذي وضع عام 2021، والذي ينظر إليه البعض على أنه يستهدف المسلمين؟
- يرمي هذا القانون إلى تعزيز المبادئ الرئيسية للجمهورية ومكافحة جميع أنواع التطرف من أجل حماية حرية كل فرد في ممارسة معتقداته، من دون المساس بالقيم التي تجعلنا بلداً ديمقراطياً. وفي هذا الصدد، نحارب «النزعة الإسلامية المتطرفة» وهي إحدى الآيديولوجيات التي قد تؤدي إلى العنف، وقد عانت فرنسا وبلدان أخرى من هذا العنف، وغالباً ما يقع المسلمين أول ضحاياه. بيد أن هذه النزعة الإسلاموية المتطرفة لا تمت إلى الإسلام بصلة! فملايين المسلمين يعيشون في فرنسا ويكنّون كامل الاحترام لقوانين الجمهورية. ويخول قانون تعزيز مبادئ الجمهورية مكافحة اختراق الجمعيات، والكراهية التي تمارس على الإنترنت، وانتهاك كرامة الإنسان، فضلاً عن مكافحة الزواج القسري، وتعدد الزوجات والتمويل الخارجي، وما إلى ذلك.
> يتحدث أحد المرشحين للرئاسة في فرنسا (المرشح الشعبوي اليميني المتطرف) إريك زيمور، عن نظرية «الاستبدال العظيم». هل تتفهمين شعور المسلمين بكونهم مستهدفين؟
- إن «الاستبدال العظيم» نظرية عنصرية يمينية متطرفة، فضلاً عن كونها نظرية مؤامرة عبثية. أحارب هذا التصور منذ انخراطي في العمل السياسي، فهذه النظرية تتجاهل التاريخ الفرنسي الذي شهد موجات استيعاب متتالية. ووالد جدي مثلاً إيطالي الجنسية، وحاز على الجنسية الفرنسية. ونتحدر جميعاً من أجداد مهاجرين لأن فرنسا أمة متمازجة عظيمة. ويخلط أنصار هذه النظرية بين كل شيء، بين الدين والبلد ولون البشرة. وأن يكون المرء فرنسياً يعني أن يتحلى بالقيم عينها، قيم الجمهورية.
لقد حثّني إيماني بهذه الرؤية على تجنيس 17 ألف عامل أجنبي عملوا في الخطوط الأمامية خلال أزمة تفشي فيروس كورونا. وقد ساعد كلٌّ من المربيات وعمال الأمن والتنظيف والتجار ومقدمي الرعاية الصحية وغيرهم البلد على الصمود، مجازفين بصحتهم. وكان هذا التفاني في سبيل الجمهورية يستحق الاعتراف والتنويه به عن طريق التجنيس.
> هل تريدين توجيه رسالة للمرأة العربية بمناسبة يوم المرأة العالمي؟
- أودّ أولاً أن أوجه لها رسالة من أخت إلى أختها. إن وضعنا مختلف، ولا نواجه التحديات عينها. لكن يجب أن تتضافر جهودنا في نضالنا المشترك للنهوض بحرياتنا. وأرفع منذ خمس سنوات في فرنسا شعاراً يتمثّل في عدم التهاون مع أي شيء. لذلك أدعو النساء في جميع أنحاء العالم إلى عدم الاستسلام وإلى الإيمان في نضالهن. ومثلما قالت الصحافية والكاتبة الفرنسية فرنسواز جيرو: «إن النسوية تعني ألا نقبل لبنات غيرنا من النساء ما لا نقبله لبناتنا».


مقالات ذات صلة

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)
شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا امرأة يابانية مرتدية الزي التقليدي «الكيمونو» تعبر طريقاً وسط العاصمة طوكيو (أ.ب)

نساء الريف الياباني يرفضن تحميلهنّ وزر التراجع الديموغرافي

يعتزم رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إعادة تنشيط الريف الياباني الذي انعكست هجرة السكان سلباً عليه.

«الشرق الأوسط» (هيتاشي (اليابان))

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
TT

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)
صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

وقالت الوكالة إن هذه الحالة المتعلقة بالسفر مرتبطة بتفشي السلالة الفرعية 1 من المرض في وسط وشرق أفريقيا.

وأضافت الوكالة في بيان «سعى الشخص إلى الحصول على رعاية طبية لأعراض جدري القردة في كندا بعد وقت قصير من عودته ويخضع للعزل في الوقت الراهن».

وقالت منظمة الصحة العالمية أمس (الجمعة) إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة، وأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة عالمية بسبب جدري القردة للمرة الثانية خلال عامين في أغسطس (آب) بعد انتشار سلالة جديدة من الفيروس، هي السلالة الفرعية 1 بي، من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الدول المجاورة.

وقالت وكالة الصحة العامة الكندية إنه رغم أن المخاطر التي تهدد السكان في كندا في هذا الوقت لا تزال منخفضة، فإنها تواصل مراقبة الوضع باستمرار. كما قالت إن فحصاً للصحة العامة، بما في ذلك تتبع المخالطين، مستمر.