تونس: رئاستا الجمهورية والحكومة تشنان «حرباً» ضد المضاربة والاحتكار

TT

تونس: رئاستا الجمهورية والحكومة تشنان «حرباً» ضد المضاربة والاحتكار

أعلنت كل من رئاسة الجمهورية التونسية ورئاسة الحكومة عن شن «حرب شاملة» ضد المضاربين والمحتكرين هدفها الحد من الارتفاع المتواصل للأسعار وتأثيره على القدرة الشرائية وذلك استجابة لدعوة عدد من المنظمات الاجتماعية بقيادة اتحاد الشغل ومنظمة الدفاع عن المستهلك بتحمل الدولة مسؤولياتها من خلال الضغط على مسالك التوزيع حتى تستعيد توازنها، وفي ظل دعوة اتحاد الشغل إلى «توحيد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبقية الجهات المانحة لتشمل خطة الإصلاح الاقتصادية والسياسية عبر حوار شامل يقدم مقاربات تكون محل توافق واسع للمسارات التي يتوجب على البلاد الذهاب فيها».
وبالنسبة للطرف الحكومي، دعت وزيرة التجارة التونسية فضيلة الرابحي إلى تفعيل أقصى العقوبات العدلية والإدارية ضد كل من تسول له نفسه المساس بالقدرة الشرائية للتونسيين في انتظار استكمال استصدار ونشر المرسوم الرئاسي المتعلق بمسالك توزيع المواد الفلاحية ومنتجات الصيد البحري، وذلك لتشديد العقوبات الردعية على المحتكرين والمضاربين والمتلاعبين بالسوق.
ويأتي هذا التهديد الرسمي للمحتكرين والمضاربين بالتزامن مع إعطاء إشارة انطلاق برنامج مخصص لمراقبة حركية المواد الاستهلاكية عبر الطرقات التونسية. كما انطلقت مصالح المراقبة الاقتصادية في تونس في تنفيذ برنامج لمراقبة حركة المواد الاستهلاكية عبر الطرقات، بمختلف الولايات والمحافظات لهدف تكثيف الجهود لمكافحة مختلف مظاهر الاحتكار والتحكم في الأسعار والرفع من نسق الاستعدادات لتأمين حسن سير المعاملات خلال شهر رمضان.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد تعرض لدى اجتماعه برئيسة الحكومة يوم السبت إلى مسألة المضاربة والاحتكار ورفع الأسعار بقوله «نحن لا نعمل في الظلام بل في وضح النهار».
وأكد سعيد أنه يعرف جيدا من يقوم بذلك وأنه سيتم إصدار مرسوم رئاسي في أقرب وقت لـ«يتحمل هؤلاء مسؤوليتهم كاملة»، يذكر أن الرئيس التونسي قد اتهم قبل أيام «جهات الضغط» التي لم يكشف عن أسمائها بالوقوف وراء الرفع في الأسعار.
أما بالنسبة لموقف اتحاد الشغل من الأوضاع الاقتصادية والسياسية السائدة في تونس، فقد تمسك بخطة إصلاح شاملة لا تمس الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فحسب بل تدعو إلى حوار وطني شامل، ووصف تفاوض الجهات الرسمية مع الجهات المانحة بكونه «تفاوض عقيم يعيد إنتاج الفشل» وفق ما عبر عن ذلك سامي الطاهري المتحدث باسم اتحاد الشغل. وأكد أن الحل يكمن في حوار شامل، يبحث ملف إنقاذ الوضع قبل أن يستمر الانزلاق نحو المجهول على حد تعبيره، معتبرا أن الدعوة إلى اعتماد هذا الحل ليست موجهة إلى الحكومة بل لرئاسة الجمهورية المطالبة بمراجعة النهج الأحادي وبالانفتاح على بقية الأطراف السياسية والاجتماعية وتوحيد المسارات باعتماد حوار وطني يفضي إلى وضع سياسي واجتماعي واقتصادي أكثر وضوحا.
وكان اتحاد الشغل انتقد الحكومة وسياستها السلبية واعتبرها سببا في ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية نتيجة اقتصار السياسات العمومية على عمليات مداهمة محدودة تفتقر إلى النجاعة عوضاً عن اتخاذ إجراءات فعلية.
من ناحية أخرى، عقدت نقابة القضاة التونسيين يوم أمس مؤتمرها الانتخابي الخامس، بالعاصمة التونسية تحت شعار «السلطة القضائية: الواقع والتطلعات» وهو المؤتمر الأول الذي يعقد إثر حل المجلس الأعلى للقضاء بمرسوم رئاسي وتشكيل مجلس مؤقت من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد.
وعلى هامش المؤتمر أكدت أميرة العمري رئيسة النقابة التي لم تقدم ترشحها على أهمية التقييم بالنسبة للسلطة القضائية وتشخيص الواقع جيدا والتنصيص على النقائص سواء بالنسبة للقضاة أو للسلطة التنفيذية، وأشارت في تصريح إعلامي إلى تطلعات القضاة التونسيين تكمن في قضاء مستقل بعيدا عن السياسة وبمنأى عن التجاذبات السياسية ورؤوس الأموال والضغوطات، مشددة على أن القاضي يجب أن يحتكم فقط للقانون وضميره لذلك يجب تحصينه من جميع هذه الضغوطات على حد تعبيرها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.