أصدقاء بوتين الأوروبيون... بين الحرج والاستنكار

مسؤولون سابقون أدانوا الحرب في أوكرانيا وآخرون التزموا الصمت

بوتين وبرلوسكوني يزوران متحفاً في سيفاستوبول بالقرم سبتمبر 2015 (غيتي)
بوتين وبرلوسكوني يزوران متحفاً في سيفاستوبول بالقرم سبتمبر 2015 (غيتي)
TT

أصدقاء بوتين الأوروبيون... بين الحرج والاستنكار

بوتين وبرلوسكوني يزوران متحفاً في سيفاستوبول بالقرم سبتمبر 2015 (غيتي)
بوتين وبرلوسكوني يزوران متحفاً في سيفاستوبول بالقرم سبتمبر 2015 (غيتي)

كلّهم يشعرون بالحرج. بعضهم يعترف بأنه كان مخدوعاً. آخرون يتملّكهم الخجل، والبعض الآخر اختار الصمت والابتعاد عن الأضواء، وثمّة من قرر المبالغة في رد الفعل والمزايدة في الانتقاد لعلّ ذلك يمحي من ذاكرة مواطنيه المدائح التي كان، لأيام خلت، يكيلها للرئيس الروسي.
إنهم عشرات المسؤولين السياسيين الأوروبيين الذين كانت تربطهم علاقات وثيقة بالكرملين، ولا يوفّرون مناسبة إلا ويعربون فيها عن إعجابهم بفلاديمير بوتين. بعضهم، مثل الفرنسية مارين لوبن أو الإيطالي ماتّيو سالفيني، موّلوا حملاتهم الانتخابية بالمال الروسي. آخرون، مثل المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودير الذي وصف بوتين بأنه «ديمقراطي لا غبار عليه»، ما زال عضواً في مجالس إدارة عدة شركات روسية عامة.
طوال سنوات، تمكّن فلاديمير بوتين من نسج شبكة دعم واسعة في أوروبا لسياساته، تجاوزت بكثير مجرد الدفاع عن المصالح الاقتصادية الروسية، واستهدفت بشكل أساسي عدداً من القادة السابقين والوجوه السياسية الصاعدة في المشهد السياسي اليميني المتطرف. شخصيات مثل رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق فرنسوا فيّون، أو المستشارين النمساويين الأسبقين، المحافظ ولفاغانغ سكوسيل والاشتراكي كريستيان كيرن، كانوا يدعون في تصريحاتهم إلى التقارب مع بوتين وتفّهم مطالبه، يسارعون اليوم إلى تصويب مواقفهم ويعترفون بالخطأ والخيبة من سلوك الرئيس الروسي.
في ألمانيا، أثارت التصريحات التي أدلى بها شرودير في بداية الغزو غضب زملائه في الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذين شعروا بالخجل من مواقفه، وطالبوه بالاستقالة من مجالس الإدارة الروسية، وأعلنوا عزمهم على طرده من الحزب. وكان الموظفون الذين يعملون في قسم وزارة المالية المكلّف دفع تعويضاته وراتبه التقاعدي كمستشار سابق قدّموا استقالتهم احتجاجاً على تصريحاته، التي قال فيها: «وقعت أخطاء من الجانبين في هذه الحرب».
المستشار النمساوي الأسبق كريستيان كيرن قدّم استقالته من مجلس إدارة شركة السكك الحديدية الروسية، وكذلك فعل زميله سكوسيل من مجلس إدارة شركة النفط لوكول.
وكان فرنسوا فيّون، الذي رأس الحكومة الفرنسية من 2007 إلى 2017، أعلن عن استقالته من مجلسي إدارة شركتين روسيتين خشية أن يؤثر وجوده فيهما على حظوظ المرشحة للانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ فاليري بيكريس، التي أعلنت وقوفها إلى جانب إيمانويل ماكرون في الدفاع عن سياسة الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ومن الحالات الملفتة بين المعجبين بالرئيس الروسي، وزيرة الخارجية النمساوية السابقة كارين كنيسي التي تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام صورتها الشهيرة وهي تنحني أمام بوتين خلال حفل زفافها في عام 2018. وكانت انضمت إلى مجلس إدارة قناة «آر تي» التلفزيونية الروسية بعد خروجها من الحكومة، ولم تعلن إلى اليوم إدانتها للغزو الروسي.
الإعجاب الفرنسي بالرئيس الروسي موضعه في صفوف اليمين المتطرف، تحديداً في أوساط الجبهة الوطنية السابقة التي موّلت حملاتها الانتخابية الإقليمية والمحلية في عام 2014 بقرض من أحد المصارف الروسية. وكانت زعيمة الحزب والمرشّحة لرئاسة الجمهورية مارين لوبن زارت موسكو قبل انتخابات عام 2017، واجتمعت مطوّلاً بفلاديمير بوتين. أما المرشّح المفاجأة في هذه الانتخابات الفرنسية إريك زيمور، فهو كان لأيام قليلة خلت يجاهر بإعجابه بالرئيس الروسي ويدعو إلى إقامة حلف بين فرنسا وروسيا بدل التحالف مع الولايات المتحدة. وكان صرّح في إحدى المقابلات التلفزيونية مؤخراً: «لا يمكن وضع حدود أمام فلاديمير بوتين، وكل مطالبه مشروعة».
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الزعيم اليساري المتطرف، والمرشّح هو أيضاً للرئاسة الفرنسية جان لوك ميلانشون، كان صرّح في حديث إلى صحيفة «لوموند» قبل أيام من الغزو بقوله: «الروس يعلنون التعبئة على الحدود... كيف لا وجارتهم دولة تربطها علاقة وثيقة بقوة عظمى لا تكفّ عن تهديدهم؟».
لكن الغزو الروسي أجبر الجميع على تعديل مواقفهم بسرعة، ودفعهم إلى إدانة الاعتداء على أوكرانيا، وقررت مارين لوبن سحب المناشير الانتخابية التي كانت تحمل صورة لها إلى جانب بوتين في الكرملين.
التقارب مع روسيا كان دائماً حاضراً بقوة في المشهد السياسي الإيطالي، منذ الأيام التي كان فيها الحزب الشيوعي الإيطالي الأهمّ بين الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، إلى العلاقة الشخصية الوطيدة التي تربط سيلفيو برلوسكوني بفلاديمير بوتين، والغزل بين روما وموسكو عندما تشكّلت الحكومة الشعبوية بإيطاليا في عام 2018 من حركة النجوم الخمس وحزب الرابطة. وما زالت ماثلة في الأذهان مشاهد الشاحنات الروسية المحمّلة بالمساعدات الصحية واللوجيستية الداخلة إلى مدينة بيرغامو في ذروة الجائحة، فضلاً عن حركة تبادل تجاري بين البلدين حطّمت كل الأرقام القياسية في السنوات الأخيرة، وهي اليوم تضع في موقف حرج اثنين من آخر المعجبين بالرئيس الروسي: سيلفيو برلوسكوني وماتّيو سالفيني.
العلاقة بين بوتين وبرلوسكوني تعود إلى الحقبة التي تولّى فيها هذا الأخير رئاسة الحكومة، وكان غالباً ما يتباهى بهذه العلاقة والصداقة الشخصية التي تربطه بالرئيس الروسي. لكن برلوسكوني يلتزم اليوم صمتاً مطبقاً حول الحرب الروسية في أوكرانيا، فيما يردّد مقرّبون منه أن بوتين اليوم يختلف كثيراً عن ذلك الذي أقام معه برلوسكوني صداقة متينة.
أما ماتّيو سالفيني الذي يخضع لتحقيق قضائي حول حصول حزبه على تمويل غير شرعي من الكرملين، وسبق له أن زار موسكو سبع مرات خلال أربع سنوات، وهو من أشدّ المعارضين للعقوبات على روسيا في البرلمان الأوروبي، حيث دخل مرة وهو يرتدي قميصاً عليه صورة الرئيس الروسي، فهو يقوم بحملة مستهجنة حيث يذهب ليضع الزهور ويصلّي أمام سفارة أوكرانيا في روما، ويعرض التوسّط بين موسكو وكييف.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».