27 فناناً يستكشفون «الأماكن» والذاكرة في جدة

ضمن مبادرة 21.39 بنسختها التاسعة

من عمل الفنانة بشاير الهوساوي
من عمل الفنانة بشاير الهوساوي
TT

27 فناناً يستكشفون «الأماكن» والذاكرة في جدة

من عمل الفنانة بشاير الهوساوي
من عمل الفنانة بشاير الهوساوي

«الأماكن» عنوان معرض النسخة التاسعة لفن جدة 21.39، هو عنوان يحمل من الرقة والحنين الكثير. ليست مجرد كلمة؛ ففي أرجائها الرحبة التي تسع الكون، هناك ما يلمس كل منا. كل منا له أماكن يحبها ويشتاق لها، كما شدا فنان العرب محمد عبده «الأماكن كلها مشتاقة لك». الأغنية تحولت من حالة طربية مليئة بالشجن لتصبح فحوى معرض فني بديع جداً اجتمع من خلاله 27 فناناً من السعودية وخارجها، كل منهم يغني ليس على ليلاه وإنما على مكانه الأثير.
وفي جدة، التقيت منسقة العرض خبيرة الفنون والمؤرخة فنيشيا بورتر؛ لتروي لي قصة المعرض التي انشغلت بالترتيب له على مدى عامين أو أكثر، تسبب خلالها الوباء في تباعدها عن الفناين المشاركين، فالتقت بهم عبر «زووم» لتنقل لهم فكرتها بإقامة معرض يتحدث عن «المكان» وسمعت منهم واستكشفوا سوياً الطرق المختلفة التي يتمثل فيها المكان لدى كل منهم.

تفصيلة من عمل الفنانة أسماء باهميم

في أرض المعرض بمقر المجلس الفني السعودي (ساك) في جدة التقيت بورتر، بابتسامتها اللطيفة وحماسها المتقد تصحبني في جولة بين الأعمال المختلفة، بعضها لم يتم تعليقه بعد والبعض الآخر تخفى خلف طبقات من البلاستيك الحافظ. وبين أصوات العمال المنشغلين بتعليق الأعمال وبين المشرفين على مساحة العرض تقسم بورتر وقتها وتركيزها ما بيني وبينهم. ألحظ أنها تحمل لفافة من الورق اللاصق في يدها ترتديها كأسورة وتقطع منها قصاصات تثبتها بجانب عمل ما لتترك ملاحظة أو توجيهاً للعاملين.
أختطفها من مهمة متابعة تعليق الأعمال لتتحدث معي عن المعرض وفنانيه، ومن الطبيعي أن نبدأ بالعنوان «لماذا الأماكن؟» تجيب قائلة «عندما طلب مني تنسيق المعرض كان ذلك قبل (كوفيد)، وكنت أحاول التفكير بموضوع يتعلق بأماكن هنا، لأني أحب السعودية... وهكذا بدأ المشروع يتبلور، حتى لحظة محددة عندما عرّفني أحد الأشخاص على أغنية للمطرب محمد عبده يقول فيها (الأماكن كلها مشتاقة لك). عند سماع الأغنية تيقنت من الفكرة التي أريد وهكذا بدأت في اختيار الفنانين والأعمال، ستلاحظين أن هناك الكثير من الأعمال على الورق هنا، فأنا مهتمة باستخدامات الورق والطباعة وغيرها من الممارسات الفنية والرسومات».

من عرض «أماكن» في جدة

ما طلبته من الفنانين كان بسيطاً وعميقاً في آن واحد «أعطيت للكل هذا النص الصغير وطلبت منهم أن ينقلونا إلى مكانهم: أي المكان الذي يحبّونه... سواءً كان حقيقياً أم خيالياً».
الفكرة اكتسبت جانباً جديداً بسبب تقييد حرية الحركة خلال مرحلة الوباء «خلال (كوفيد). فكرة المكان أصبحت معقدة للكل؛ فللبعض كان المكان في تلك الفترة مثل السجن ولآخرين كان فرصة لاكتشاف مكان نعرفه جدياً ولكننا نكتشفه بطرق جدية ومختلفة».
تشير إلى نقطة مهمة، وهي أن فكرة المكان تمثل الخيط الذي يربط الأعمال ببعضها ولكن هناك «منطقاً للعرض» وأقساماً تستكشف أماكن محددة مثل جدة والمنطقة الشرقية وبغداد وغزة، وغيرها من المدن التي عبّر عنها الفنانون المشاركون.
تقول «نبدأ بفكرة عامة عن المملكة، وبما أننا في جدة فستكون هي البداية»، تشير إلى عمل بمصابيح النيون الملونة للفنان عبد الله العثمان تكون جملة «في البلد التقيت عروس البحر»، جمع فيها الفنان الكثير من الأطياف والروائح والذكريات في مناطق مختلفة من جدة من وسطها التاريخي والذي يحمل الطابع الأصيل وعبق التراث المتمثل في الرواشين الخشبية والبنايات العتيقة، وهناك أيضاً عروس البحر، بجدة بشاطئها وبحرها وكورنيشها الذي يجمع العائلات والمتريضين.

عمل الفنان عبد الله العثمان «لافتة نيون»

- لقاء أجيال
يجمع العرض تحت مظلته الواسعة أعمال فنانين رواد وشباب معاصرين، «أردت أن أمزج الأجيال قليلاً»، تمر بورتر بقسم يعرض لفنانين من جيل الرواد هم عبد الحليم رضوي وصفية بن زقر، من أوائل الفنانين الذين سافروا إلى خارج المملكة لدراسة الفن. تشير إلى لوحة رضوي، وتشير إلى أن المكان في لوحاته هو مكان نشأته في مكة وجدة، تعبّر لوحته عن إحدى الرقصات الشعبية التراثية، وهي رقصة المزمار. نرى لرضوي لوحة زيتية، وأيضاً رسومات على الورق، «رضوي جرّب فن الطباعة والرسم ولدينا هذه الأعمال التي استعرناها من مجموعته، وهي أعمال لم أرها من قبل». نكتشف مع المنسقة جانباً لم نره للفنان من قبل وهو ما تكرره في ركن أعمال صفية بن زقر والتي تكنّ لها بورتر مودة كبيرة، وتصفها «أحَب فنانة لي في هذا العالم»، وتضيف «أذكر عندما زرت منزلها للمرة الأولى رأيت أعمالاً مطبوعة على الورق على الحائط، لا يعرف الناس أنها ماهرة جداً في هذا المجال. ولهذا؛ اخترت أعمالاً يتضح منها تقنية الطباعة، هنا مثلاً نرى أنها تجرب ألواناً مختلفة في الخلفية». رسومات بن زقر تبدو مثل أرشيف بصري للتراث السعودي «هي نشأت في مصر وعند عودتها للسعودية وجدت تغيرات كثيرة أرادات تسجيلها، وهنا جزء من تلك السلسلة الرائعة من الرسومات أسمتها (تراثنا)، حيث رسمت كل العرائس من أنحاء المملكة».
مكان صفية بن زقر هو السعودية وبشكل مقرب جدة، «هي ولدت بحارة الشام في جدة» تشير بورتر إلى رسم صورت فيه الفنانة منزلها، ثم إلى جدار وخزانة زجاجية تحوي رسومات متنوعة بعضها يعود لشباب الفنانة. «هنا دفتر رسوماتها وهي صغيرها ونرى فيه خطوطها وتدريبها على المنظور وغيره، كانت ترسم على كل الأوراق، على القصاصات والدفاتر وحتى على بطاقات الصعود للطائرة».

عمل الفنان تيسير بطنيجي

- التصوير الفوتوغرافي والمكان
على الجدار المقابل نرى صورة فوتوغرافية بعدسة الأميرة ريم الفيصل تصور امرأة في منطقة البلد بجدة، صورة بالأبيض والأسود في أصلها تحولت للون الأزرق «تجربة فنية في استخدام اللون، عملت هذا بالتعاون مع الفنان محمد الشمري».
تأخذنا الصورة ومكانها لمجموعة من الصور الفتوغرافية للمصور إيمي كات، تشرح بورتر «كات قضى ثلاثة أشهر في البلد ضمن فترة إقامة فنية وصور البيوت ضمن مشروع أطلق عليه اسم (الحب الدائم)، لديه أرشيف رائع جداً». يبدو تعلق المصور باللون الأزرق الذي يتميز في منطقة البلد ويتجلى عبر باب حديدي أثري أو على الجداران، الصور بعضها تجريدي غير أننا نكتشف أنها مقربة للغاية «هنا يمكننا رؤية كل ثقب في الحائط». على اليسار مجموعة من الصور لأطفال في مناطق مختلفة من المنطقة التاريخية، صحبوا الفنان في جولاته وظهروا في صوره، وتلفتنا صورة لطفل وحيد يجلس على سلم حجري «اسمه عبده كان صغيراً ولم تتركه والدته ليلحق ببقية الأطفال مع المصور، وكان يجلس في هذا المكان ينتظر عودته».
من جدة للمنطقة الشرقية، حيث تعرض صور للفنان بدر عوّاد الذي نفذ دراسة عن شمال الخبر، وهنا العديد من الصور والمقابلات التي توثق الطبيعة المتغيرة للمدينة. وننتقل لصور بديعة بالفعل لطالب المري الذي ينقلنا لـ«مكانه الخاص» في بحيرة الأصفر، ونرى صوراً للطيور المهاجرة هناك، إحداها طباعة بالحجم الضخم، تسمرك أمامها.

عمل الفنانة عائشة خالد

- ذكريات الطفولة
الفنان الفلسطيني تيسير البطنيجي له أسلوب مبدع في تناول الذكريات، يصورها ويحفرها على الورق ويرسمها بالألوان، وهنا مجموعة من الصور التي تبحث في تاريخ عائلة موزعة بين القارات «الوطن بعيداً عن الوطن» كما يصفها الفنان. تواصل الفنان مع أبناء عمومته في الولايات المتحدة الأميركية وبعدها شعر بحاجته إلى التواصل مع هذا الجزء من عائلته وحياته، يكتب «لم أر أبناء عمومتي منذ طفولتي في غزة. لهذا بدأت سلسلة من الرسومات بالقلم الرصاص والألوان المائية من ذكرياتي عنهم».
الفنان صادق الفراجي يتذكر بغداد عبر عمل رائع بعنوان الشجرة في شارع أبو نواس، قصة على الورق مرسومة بأسلوب طفولي، عن الشجرة التي يخبرها كل أسراره ويجلس تحتها وتصبح عنده بمثابة البيت.
الفنانة كاتالينا سوينبيرن استخدمت كتب مناهج الآثار وقصّت وصنعت منها منسوجة من الورق وأعادت تركيبها في شكل مختلف، «هنا تدمج محتويات كتابين، لا نستطيع قراءة ما في الأوراق، تعمدت الفنانة ذلك وخلقت من القصاصات فسيفساء».

«الأميرة» للفنانة شادية عالم

- جدار القصاصات
من الأعمال التي تجذب الزائر هو عمل الفنان أسماء باهميم والذي يمتد أمامنا على حائط كامل، اعتمدت على تقليد قديم لاحظته في منزل خالتها بمنطقة البلد في جدة، حيث اعتاد الناس على دس أوراق تضم أدعية في الغالب بين شقوق الجدران. في عملها تشيد جدراها الخاص وتدس في شقوقه أوراقاً كتبت فيها نصوصاً لتنفذ ما يشبه المنحوتة مستخدمة قطع من أحجار البناء التي وجدتها ملقاه في النفايات واستخدمت قطعا من الخشب، وكأنها تنفذ بيتاً صغيراً لا يوجد من معالمه سوى القليل جداً، فهنا الاحجار والأخشاب والأهم من كل ذلك القصاصات التي تشبه حيوات كاملة مدسوسة في تلك الشقوق.

من عرض «أماكن» في جدة

- أماكن من الخيال
في رسومات الفنانة شادية عالم نرى عوالم وأماكن وقصصاً تسبح في بحور الخيال وتستقر على أراض من تراب الأساطير، تقول في تقديمها لأعمالها «إن الأماكن المادية المؤقتة لا تدوم أبداً، أما ما يبقى للأجيال القادمة فهي أماكن الخيال». تعيد دمجها بينما تستوحي رسومات الفنانة شادية عالم حول أسطورة «جنيّات لار» إلهامها من قصة كتبتها أختها الروائية رجاء عالم.
وآخر عمل فني يقدّمه المعرض هو للفنانة عائشة خالد التي تأخذنا إلى مكانها المفضّل، مكة الكرمة، والمنسوجات الغنية بالتطريز التي تذكرنا بكسوة الكعبة. اللافت في العمل هو الدقة الشديدة في تكوين ما يشبه التطريز الذهبي ولكن عوضاً عن الخيوط استخدمت الفنانة الدبابيس الذهبية التي تظهر رؤوسها على قماش القطيفة لترسم لنا منظراً بديعاً بالفعل بينما يتحول ظهر القماش إلى لوحة أخرى بفعل الدبابيس المخفية.
يُقام المعرض هذا العام بتنظيم «ساك»، مجموعة من عشّاق الفن والفنانين المحليين برؤية وقيادة الأميرة جواهر بنت ماجد بن عبد العزيز، وهو متاح للجمهور في مقر «ساك - جدة» خلال الفترة من 3 مارس (آذار) إلى 3 يونيو (حزيران) 2022، ومن ثم ستستضيفه «إثراء - الظّهران» خلال الفترة من 30 يونيو إلى 30 سبتمبر (أيلول) 2022.

من الأعمال المعروضة في «أماكن» بجدة



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».