نزاع القضاء اللبناني مع المصارف يتجه للاحتدام

وفد «الخزانة» الأميركية «يتفهم» امتثال البنوك للقوانين الدولية

TT

نزاع القضاء اللبناني مع المصارف يتجه للاحتدام

أكدت مصادر مصرفية لبنانية أمس أن وفد وزارة الخزانة الأميركية الذي زار بيروت «تأكد من امتثال القطاع المالي اللبناني للقوانين الدولية في مجالات مكافحة غسيل الأموال والفساد»، رغم دعوته أركان هذا القطاع إلى المزيد من التشدد، فيما يرتقب أن تتحول الاستدعاءات القضائية لعدد من رؤساء ومديرين تنفيذيين في المصارف اللبنانية، إلى نزاع مباشر بين المدعية العامة في جبل لبنان غادة عون ومحامي جمعية المصارف، بعدما أفضت مشاورات بين إدارات البنوك المستهدفة ومكاتبها القانونية إلى ضرورة تفنيد الاتهامات وتبيان خلّوها من أي شبهات أو أدلة تقع تحت طائلة المساءلة.
وأوضح مسؤول مصرفي كبير ومعني بالقضية وحيثياتها لـ«الشرق الأوسط»، أن الاستنتاجات التي توردها القاضية عون بناء لمذكرة ادعاء تلقتها من مجموعة محامين ومودعين، تجانب الصواب في وجهتها، باعتبار أنها تقوم على فرضية قيام إدارات البنوك المتهمة بإجراء عمليات متاجرة ومضاربة (Arbitrage) على قروض بالدولار تلقتها من مصرف لبنان المركزي في الأسابيع الأولى التالية للتحركات الشعبية منتصف أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019.
وتستند التهم إلى أن المصارف قامت بسداد هذه القروض من خلال تحويلات من حساباتها لدى البنك المركزي لتحقق استفادة من فارق السعر السوقي للدولار النقدي مقابل السعر المتداول لدولارات الشيكات والتحويلات من الودائع وتوظيفات الأموال أو الرساميل الخاصة، مما يشي بشبهة التلاعب والإثراء غير المشروع.
في المقابل، يرد مسؤولو البنوك الذين يتم الاستماع إليهم، بأن عمليات الإقراض من قبل البنك المركزي جرت وتجري ضمن سياق تعاميم صادرة عنه. والقضية المطروحة تخص تمويلات طارئة بسبب موجات الاحتجاجات الشعبية والإقبال الحاد من قبل المودعين على سحب الدولارات النقدية والاحتياجات الملحة لتغطية اعتمادات تجارية لقاء استحقاقات سداد بدلات مستوردات لمواد وسلع حيوية.
وبيّنت الأجوبة أن المصارف توظف مبالغ كبيرة لدى البنك المركزي تتعدى 70 مليار دولار، فيما حصلت على قروض وتمويلات حينها يقل مجموعها عن 7 مليارات دولار، وقد فرض عليها مصرف لبنان فائدة مرتفعة تبلغ 20 في المائة سنوياً. ثم قامت بالسداد ضمن القنوات المتاحة سواء من أصولها أو توظيفاتها. وذلك ضمن مندرجات التعميم الخاص بهذه العمليات.
أما لجهة فوارق سعر الصرف في الفترة عينها، فيوضح رؤساء البنوك أنها كانت ضئيلة ولا تحتمل مطلقاً تقييمها كفوارق ربحية «غير مشروعة»، وهذا ما ينفي أصل الاتهام. علماً بأن فارق التسعير للدولار بدأ يتسع بشكل حاد وخطر عقب قرار الحكومة السابقة في النصف الأول من شهر مارس (آذار) 2020، الذي قضى بتعليق دفع مستحقات سندات دين دولية (يوروبوندز) بقيمة تقارب المليار دولار، لتستحق فورا كامل شرائح المحفظة الموزعة حتى عام 2037، التي تناهز قيمتها حاليا مع تراكم الفوائد نحو 35 مليار دولار.
وبالإضافة، لفت مصرفيون إلى صدور توجيهات وقرارات استثنائية غطت إنفاق مبالغ يفوق مجموعها نحو 14 مليار دولار خلال السنتين الماضيتين، وتبديد معظمها على آليات دعم أسعار استيراد مواد أساسية من دون ضمانات لوصول الدعم، سوى بنسبة تقل عن الثلث، إلى مستحقيه. وهو ما أفضى إلى نفاد كامل الاحتياطات الحرة من العملات الصعبة لدى البنك المركزي.
وأكد المسؤول المصرفي «أن إدارات المصارف ومكاتبها القانونية في حال تواصل وتشاور ضمن إطار الجمعية. ولدينا قناعة ثابتة بأهمية الاستمرار بالتزام التشريعات والقوانين كافة، وبما يشمل التعاميم الصادرة عن السلطة النقدية. ولذا فلن نوفر جهداً لتبيان الحقائق، ومن حقنا استخدام الوسائل كافة التي يتيحها لنا القانون لحفظ كيانات مؤسساتنا وحماية حقوق المستثمرين والمودعين على حد سواء».
توازياً، أكدت جمعية مصارف لبنان لوفد الخزانة الأميركية الذي زار بيروت لعدة أيام وختم اجتماعاته بلقاء قيادات مصرفية، أن البنوك، ورغم الأزمة الحاصلة في البلاد وتداعياتها، تمتثل تماماً للقوانين المالية الخاصة بالمعاملات عبر الحدود، ولا سيما منها الأميركية والعالمية.
وأبلغ رئيس جمعية المصارف سليم صفير الوفد الأميركي «أن ممثلي القطاع المصرفي في لبنان ما زالوا يبذلون جهودهم، في ظل الظروف الحالية، لممارسة العناية الواجبة المناسبة والسيطرة على تدفق الأموال عبر النظام المصرفي وتطبيق معايير الامتثال المطلوبة. كما أكد التزام المصارف بالمساهمة في مكافحة الفساد».
وأثار صفير قلق القطاع إزاء المخاطر الملقاة على عاتق المصارف والمودعين في ظل الظروف الصعبة، في حين فشلت الحكومة حتى اليوم في تحقيق الإصلاحات المطلوبة من الشعب اللبناني والمجتمع الدولي.
وفي المقابل، أشار الوفد الأميركي إلى أهمية محاربة الفساد وحثَ المصارف على تشديد التدقيق في التحويلات المالية، مؤكداً على ضرورة بذل جهود جادة للتحقيق في التجاوزات المحتملة التي قد ترتكبها الشخصيات البارزة سياسياً وأي شخص يمكنه الوصول إلى الأموال العامة. وبالإضافة، شدّد الوفد على الضعف الذي يعاني منه القطاع المصرفي اليوم والمرتبط بتدني التبليغ عن المعاملات المشبوهة التي تُرفع للجنة التحقيق الخاصة.
واتفق الوفد وجمعية المصارف على الحاجة إلى الاستمرار في تلبية ومعالجة القلق الناجم عن التحديات المالية بشكل صحيح وعلى ضرورة تعزيز معايير معرفة «اعرف عميلك» وممارسات الامتثال إلكترونياً.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.