غالبية أممية ساحقة تندد بـ«عدوان» روسيا وتطالبها بـ«الانسحاب فوراً» من أوكرانيا

موسكو معزولة و16 دولة عربية أيدت وسوريا اعترضت… ومجلس الأمن يسرع الخطوات للتصويت على قرار إنساني

أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يصوتون في الجلسة الاستثنائية أمس (أ.ف.ب)
أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يصوتون في الجلسة الاستثنائية أمس (أ.ف.ب)
TT

غالبية أممية ساحقة تندد بـ«عدوان» روسيا وتطالبها بـ«الانسحاب فوراً» من أوكرانيا

أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يصوتون في الجلسة الاستثنائية أمس (أ.ف.ب)
أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يصوتون في الجلسة الاستثنائية أمس (أ.ف.ب)

نددت الغالبية الساحقة من الأعضاء الـ193 بالجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلسة استثنائية نادرة «بأشد العبارات» بـ«عدوان» روسيا على أوكرانيا، معتبرة ذلك انتهاكاً لميثاق المنظمة الدولية، داعية موسكو إلى «التوقف فوراً» عن استخدام القوة ضد الجمهورية السوفياتية السابقة، وعن الاستخدام غير المشروع للقوة ضد أي دولة. وطالبت روسيا بأن تنسحب «فوراً وبشكل كامل ومن دون أي شرط» من كل الأراضي الأوكرانية المعترف بها دولياً، بما في ذلك شبه جزيرة القرم وغيرها.
وأظهر التصويت الذي أجري بعد أيام من إخفاق مجلس الأمن في التعامل مع واحدة من أبرز الأزمات وأخطرها منذ نهاية الحرب الباردة قبل نحو أربعة عقود، وربما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بحسب ما يذهب إليه آخرون.
وهذه هي المرة الحادية عشرة التي تعقد فيها الجمعية العامة دورة استثنائية منذ إنشاء المنظمة الدولية في منتصف الأربعينات من القرن الماضي. وجاء ذلك بقرار اتخذه مجلس الأمن تحت رئاسة روسيا للمجلس خلال فبراير (شباط) الماضي، من دون أن تتمكن من تعطيله لأن حق النقض الفيتو ليس سارياً على القرارات الإجرائية، ومنها ذلك الذي قدمته الولايات المتحدة وألبانيا لنقل القضية إلى الجمعية العامة بموجب قرار «الاتحاد من أجل السلام» الذي صدر للمرة الأولى في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1950 خلال الحرب الكورية. ويجيز القرار للجمعية العامة عقد هذه الجلسات إذا بدا أن «هناك تهديداً للسلام أو خرقاً للسلام، أو أن هناك عملاً من أعمال العدوان، ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب استخدام حق النقض من جانب عضو دائم».
وصوت أعضاء الجمعية العامة بغالبية 141 دولة لمصلحة القرار الذي لا يعد ملزماً، بخلاف قرارات مجلس الأمن، لكنه أظهر عزلة روسيا في أكبر منتدى دولي على الإطلاق، إذ لم تعترض على المشروع سوى خمس دول هي روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسوريا.
وأيدت القرار الدول العربية الآتية: البحرين وجيبوتي وجزر القمر ومصر والأردن والكويت ولبنان وليبيا وموريتانيا وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والصومال وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن. بينما امتنعت عن التصويت 35 دولة هي الجزائر والسودان والعراق وإيران وأنغولا وأرمينيا وبنغلاديش وبوليفيا وبوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو وكوبا والسلفادور وغينيا الاستوائية والهند وكازاخستان وقرغيزستان ولاوس ومدغشقر ومالي ومنغوليا وموزمبيق وناميبيا ونيكاراغوا وباكستان والسنغال وجنوب أفريقيا وجنوب السودان وسريلانكا وطاجيكستان وأوغندا وتنزانيا وفيتنام وزيمبابوي. وغابت عن الجلسة 12 دولة، منها المغرب.
وأعادت الجمعية العامة في قرارها تأكيد «التزامها سيادة أوكرانيا واستقلالها وسلامة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دولياً، والتي تمتد إلى مياهها الإقليمية»، منددة «بأشد العبارات» بـ«عدوان الاتحاد الروسي على أوكرانيا في انتهاك للمادة 2 (4) من الميثاق». وطالبت بأن «يوقف الاتحاد الروسي فوراً استخدامه للقوة ضد أوكرانيا»، على أن «يمتنع عن أي تهديد آخر باستعمال القوة أو استخدامها غير المشروع ضد أي دولة عضو» في المنظمة الدولية. وكذلك طالبت بأن تسحب روسيا «فوراً وبشكل كامل ومن دون أي شرط جميع قواتها العسكرية من أراضي أوكرانيا داخل حدودها المعترف بها دولياً». ونددت بقرار روسيا المتعلق بإقليمي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيين، معتبرة أنه «يشكل انتهاكاً لسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها وعملاً يتعارض ومبادئ الميثاق». وطالبت روسيا بأن «تتراجع فوراً ومن دون أي شرط» عن هذا القرار، داعية موسكو إلى «التقيد بالمبادئ الواردة في الميثاق والإعلان المتعلق بالعلاقات الودية» بين الدول. وحضت على «التقيد باتفاقات مينسك والعمل بشكل بناء ضمن الأطر الدولية ذات الصلة، بما في ذلك ضمن إطار صيغة نورماندي ومجموعة الاتصال الثلاثية، من أجل تنفيذها بالكامل»، مطالبة كل الأطراف بـ«السماح بالمرور الآمن وغير المقيد إلى وجهات خارج أوكرانيا وبتيسير وصول المساعدة الإنسانية بسرعة وفي أمان ودون عوائق إلى من هم بحاجة إليها في أوكرانيا، وبتوفير الحماية للمدنيين، وبينهم موظفو المساعدة الإنسانية والأشخاص الذين يكونون في أوضاع هشة، بمن فيهم النساء وكبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة والشعوب الأصلية والمهاجرون والأطفال، وباحترام حقوق الإنسان».
- وقف استهداف المدنيين
وكذلك ندد القرار المؤلف من 16 فقرة عاملة بمشاركة بيلاروسيا «في هذا الاستخدام غير المشروع للقوة» ضد أوكرانيا، منددة بـ«كل انتهاكات القانون الدولي الإنساني والانتهاكات والتجاوزات التي تمس حقوق الإنسان»، وداعية كل الأطراف إلى أن «تحترم الأحكام ذات الصلة بالموضوع من القانون الدولي الإنساني احتراما صارماً، بما في ذلك اتفاقات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول الملحق بها لعام 1977». وطالبت «كل الأطراف بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني لتفادي السكان المدنيين والأعيان المدنية، والامتناع عن استهداف الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين بالهجمات أو تدميرها أو إزالتها أو جعلها عديمة الفائدة، واحترام وحماية العاملين في المجال الإنساني والشحنات المستخدمة في عمليات الإغاثة الإنسانية». وحضت على «التوصل إلى حل سلمي فوري للنزاع بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا من خلال الحوار السياسي والمفاوضات والوساطة وغير ذلك من الوسائل السلمية»، مرحبة بالجهود المتواصلة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والدول الأعضاء ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية «دعماً لوقف التصعيد في الحالة الراهنة»، وكذلك بالجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، بما في ذلك الجهود التي يبذلها منسق الأمم المتحدة بشأن الأزمة في أوكرانيا، والمنظمات الإنسانية، من أجل التصدي للأزمة الإنسانية وأزمة اللاجئين اللتين تسبب فيهما عدوان الاتحاد الروسي». وبموجب القرار، رفعت الدورة الاستثنائية الطارئة الحادية عشرة «مؤقتاً»، آذنة لرئيس الجمعية العامة عبد الله شاهد «استئناف عقد جلساتها بناء على طلب من الدول الأعضاء».
وقبيل التصويت، دعت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد روسيا إلى «التوقف فوراً» عن استخدام القوة ضد أوكرانيا، واتهمتها باستخدام الذخائر العنقودية والقنابل الفراغية المحظورة بموجب اتفاقية جنيف. وطالبت بيلاروسيا بـ«وقف دعم الحرب ووقف السماح باستخدام أراضيها لتسهيل هذا العدوان». واتهمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «بمواصلة التصعيد»، مشيرة إلى أنه «وضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب قصوى، وهدد بغزو فنلندا والسويد. في كل خطوة من الحرب، خانت روسيا الأمم المتحدة. تصرفات روسيا تتعارض مع كل ما تمثله هذه الهيئة».
وكرر المندوب الأوكراني الدائم لدى الأمم المتحدة سيرغي كيسليتسيا تحذيرات بلاده من أن السلام الدولي والديمقراطية لن ينجو إذا لم تتمكن بلاده من النجاة من غزو روسيا، التي كرر مندوبها فاسيلي نيبينزيا اتهامات موسكو وكييف بأنها بدأت هذا العدوان بضم منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا. بينما عبر الأمين العام للمنظمة الدولية عن «قلق بالغ» من التطورات على الأرض، قائلاً إن «الكيل طفح» و«يجب وقف الحرب فوراً».
- «فلتصمت البنادق الآن»
وبعيد التصويت، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنه «يلتزم هذا القرار ويسترشد بدعوته»، مضيفاً أن رسالة الجمعية العامة «مدوية وواضحة: أوقفوا القتال في أوكرانيا - الآن. فلتصمت البنادق - الآن. فليفتح باب الحوار والدبلوماسية - الآن». وأكد أنه «ليست لدينا لحظة لنفوتها»، معبراً عن «قلق بالغ من عواقبه المحتملة على السلام والأمن الإقليميين والعالميين».
في غضون ذلك، تسارعت الاستعدادات لعقد جلسة جديدة لمجلس الأمن تركز على الوضع الإنساني في أوكرانيا، علما بأن المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير أعلن أنه أعد مشروع قرار يدعو إلى حماية المدنيين في أوكرانيا. ويتوقع التصويت على القرار «في أقرب وقت ممكن».


مقالات ذات صلة

المبعوث الأممي يرى «تحديات كثيرة» أمام تحقيق الاستقرار في سوريا

المشرق العربي أشخاص يلوحون بالأعلام السورية خلال مسيرة في السويداء بسوريا في 13 ديسمبر 2024، احتفالاً بانهيار حكم بشار الأسد (أ.ف.ب)

المبعوث الأممي يرى «تحديات كثيرة» أمام تحقيق الاستقرار في سوريا

نقلت متحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن عنه قوله، اليوم (الجمعة)، إنه يرى تحديات كثيرة ماثلة أمام تحقيق الاستقرار في سوريا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

أفادت الأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من مليون شخص، معظمهم نساء وأطفال، نزحوا في الآونة الأخيرة في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل المسلحة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج السفير عبد العزيز الواصل يلقي بياناً أمام الجمعية العامة (وفد السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك)

السعودية تطالب بوقف النار في غزة ودعم «الأونروا»

طالَبت السعودية، الخميس، بإنهاء إطلاق النار في قطاع غزة، والترحيب بوقفه في لبنان، معبرةً عن إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ب)

غوتيريش قلق بشأن الضربات الإسرائيلية على سوريا ويدعو للتهدئة

أبدى الأمين العام للأمم المتحدة قلقه البالغ إزاء «الانتهاكات الواسعة النطاق مؤخراً لأراضي سوريا وسيادتها»، وأكد الحاجة الملحة إلى تهدئة العنف على كل الجبهات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

محققو الأمم المتحدة أعدوا قوائم بآلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا

وضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية بأربعة آلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا، آملين مع سقوط الرئيس بشار الأسد بضمان المحاسبة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».